عقدت منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، جلستها الحوارية الإقليمية الثانية يوم الثلاثاء 21 نيسان عبر الانترنت، حيث قدمت سعادة العين الدكتورة سوسن المجالي التي تدير هذه السلسلة، مؤكدة على أنه رغم نجاح التدابير التي اتخذتها الدول لحصر الجائحة، إلا أن الإغلاقات أثرت اقتصاديًا على كافة الطبقات، وأشارت “بعض الدول اتخذت إجراءات للتخفيف من الأزمة الاقتصادية، كتخفيف سعر الفائدة وأنظمة الضمان الاجتماعي”.
هذا وهدفت الجلسة للحديث عن واقع خدمات الحماية الاجتماعية والمتعلقة ببرامج المساعدات والرعاية الاجتماعية القائمة الآن في الوطن العربي، وخطط معالجة أوضاع الهشاشة في المجتمعات العربية، مثل البرامج الإنسانية والإغاثية، والبرامج التنموية والخيرية مثل برامج الحد من الفقر، والأنشطة والمبادرات القائمة على أساس ديني مثل تبرعات أموال الزكاة. وتقييم وضع التأمين الاجتماعي والضمان الاجتماعي لكافة فئات المجتمع. وضمت الجلسة معالي ريم أبو حسان، وزيرة التنمية الاجتماعية السابقة في الأردن، عطوفة السيد داود الديك، نائب وزير التنمية الاجتماعية في فلسطين، وعطوفة السيد أيمن المفلح، أمين عام الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، وهانية شلقامي، الباحثة الرئيسية في برنامج تكافل وكرامة للمساعدة الاجتماعية والتحويلات النقدية، والأستاذ المشارك بمركز البحوث الاجتماعية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة في مصر، ورنا جواد، العضو المؤسس والمنظم لشبكة السياسة الاجتماعية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا/محاضر في السياسة الاجتماعية في جامعة باث، المملكة المتحدة.
فعلى الصعيد الفلسطيني ووفقا للديك فإن فلسطين “تكافح وباء الكورونا بالإضافة لوباء الاحتلال الذي تعيق تدخلاته هذه المكافحة”. مضيفًا أن إسرائيل أحدثت فجوات في الجدار العازل وذلك لإعاقة جهود السلطة الفلسطينية في السيطرة على الوباء الذي يأتي مصدره الرئيس من العمال الفلسطينيين في مناطق الاحتلال. ورغم ذلك استطاعت الحكومة لحد تقديم الدعم حيث تم الأسبوع الماضي صرف مساعدات اجتماعية لـ115 ألف أسرة فقيرة بما مقداره 380 مليون دولار أمريكي مع كون معظمها موجهًا لقطاع غزة، بالإضافة لدعم الآلاف من الأسر بالمساعدات الغذائية. والاهتمام بمراكز إيواء كبار السن، وذوي الإعاقة، والأطفال والنساء المعنّفات، وإمداد هذه الفئات بالغذاء ومواد التنظيف منوّهًا إلى أن نظام الحماية الاجتماعية المحوسب بالكامل قد ساعد على سرعة التعامل مع الفقراء الجدد الذين أطاحت بهم الأزمة، وتوزيع المساعدات بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المحلي ولجان الزكاة.
وعلى الصعيد الأردني أكد المفلح أن الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية بصفتها جزء من منظومة الحماية الاجتماعية التي شكلتها الحكومة الأردنية، أهمية العمل ضمن خطة واحدة مرجعيتها السجل الوطني الموحد المقدم من وزارة التنمية الاجتماعية. وأضاف المفلح بأن الهيئة تضع عمال المياومة في الأولوية من حيث انقطاع دخلهم، كما تعمل الهيئة في المخيمات الفلسطينية وتلك الخاصة باللاجئين السوريين، بالإضافة لليمنيين والسودانيين، مشيرًا إلى عدم تجاوب المنظمات الدولية في الأردن بالشكل المطلوب لبطء إجراءاتها. كما قال بأن العمل على الأرض يكون بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والجمعيات المحلية، وذلك للتوزيع وتقييم محتويات الطرود والحفاظ على كرامة الإنسان المتلقي بحيث يحرص فريق المتابعة والتقييم على تلافي التجاوزات السلبية.
وعن دور المجتمع المدني في هذه الأزمة قالت معالي ريم أبو حسان بأن “مرحلة الحظر تكون فيها الأولوية للمجتمع المدني بشكل مساند للدولة، وأن دور الجمعيات هو تزويد الجهات الموزعة والمخولة من الدولة بأسماء المتضررين والأسر المحتاجة”، وأن الجمعيات تساعد بقضايا أخرى يصعب على الحكومة الاستمرار فيها، كالدعم النفسي والاستشارات القانونية المقدمة للعائلات المتضررة، وذلك في ظل تولي الدولة عملية التحويل النقدي لعمال المياومة.
وبينت أبو حسان أن الرعاية الاجتماعية خلال جائحة الكورونا هذه تتمثل بالطرود، أما الحماية الاجتماعية فتشمل منظومة واسعة كالصحة، والإسكان، والعمل، والتعليم، والجوانب المالية الأخرى مع التأكيد على أولوية عمال المياومة وضرورة تجميع معلومات المحتاجين للرعاية الاجتماعية من طرف جهة واحدة. ولفتت أبو حسان إلى أهمية تذكر صندوق الزكاة ودوره في الحماية الاجتماعية، وتناول موضوع صناديق العون الاجتماعي وتعزيز دورها وتكاملها. وأضافت أن هذه الأزمة تحوي فرصة للمضي قدمًا، فالتغيير في أولويات الحماية الاجتماعية وإدخال عناصر جديدة لها كعمال المياومة، والتعامل بسرعة معهم ومع أبناء غزة وأبناء الأردنيات، هو تغيير في الأولويات
وتأكيدًا على أهمية قواعد البيانات فيما يختص بالحماية الاجتماعية، وفي استعراضها لحال الخدمات الاجتماعية في مصر قالت هانية شلقامي، إن “5 ملايين أسرة تقدمت للحصول على تحويلات نقدية ضمن برنامج تكافل وكرامة، ثبتت أحقية ثلاثة ملايين منها، وبأن قاعدة بيانات التموين تشمل مليوني فرد في مصر”. وأضافت بأن الأداء الحكومي المصري منح الأولوية للفئات المحتاجة تحديدًا، مع تخصيص برامج للعاملين في القطاع غير الرسمي، وألقت شلقامي الضوء على وجوب رفع سقف قواعد البيانات هذه لتشمل المزيد من الأشخاص المحتاجين، وإضافة مواد التعقيم والتنظيف للتموين الغذائي، وضرورة أن تتمتع عملية تلقي المساعدات بالبرامجية والمزيد من الاستقرار. كما أشارت إلى أن هذه الأزمة كشفت الإهمال الواقع على قطاع الصحة العامة، وبأن وضعه هو أولوية في ظل كونه من النواقص الكبرى مع حاجة مصر إلى برنامج للأشغال العامة وأعمال جبارة تنفذ في كل وحدة صحية وغيرها من المرافق المتعلقة.
وفيما يخص المنطقة العربية تساءلت رنا جواد إن “كانت المشاكل الحالية تكرّس عدم المساواة في البلدان العربية أم تخلق فرصًا جديدة للحماية الاجتماعية؟”. واستطردت قائلة إن للتهميش والانعزال والاستضعاف تاريخًا طويلًا في العالم العربي، إذ جعل الكوفيد الكلّ مستضعفًا على مستوى الأشخاص والدول، لتضيف بضرورة شمولية نظام الحماية الاجتماعية، وهو ما فشلت فيه الدول العربية بسبب قيامها على رد الفعل لا التأسيس (المأسسة).
وأكدت جواد على أهمية الإحصاءات لتعريف الحكومة ما يحدث في المجتمع، العاملين غير النظامين قوائم بأسماء جديدة لأسر أصبحت محتاجة، متسائلة عن دور مساعدات المنظمات الدولية في ذلك، وأن الشمولية، أي وجود مدخول أدنى عالمي قد يساعد الأسر في الدول العربية ذات المجتمعات الفتية، على تعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية.
وفيما يتعلق بالتوصيات لمواجهة الأزمة، أكد المتحدثون على أهمية وجود أنظمة وقوانين خدمات حماية اجتماعية، تعنى بالوضع الصحي لكافة فئات المجتمع، والقائمة على البحوث والإحصاءات الشمولية وضرورة استمرار توزيع الطرود بأنواعها، مع الصعوبات الاقتصادية المتوقعة وأشاروا إلى أهمية عالمية الزكاة وضرورة إخراجها قبل وقتها. كما تم اقتراح أفكار تعنى بالدخل العالمي الأدنى لكل من النساء والرجال لمدة 6 أشهر.
وأجمع المتحدثون على أهمية مساندة دور القطاع العام في مواجهة أزمة جائحة الكورونا، وضرورة إصلاح هياكله وبناه، وذلك لأنه هو الضمانة في الحماية الاجتماعية، وبأن دور المجتمع المدني هو مساندة الحكومة في المربعات التي لا تصلها. كما أكدوا ضرورة دعم دور القطاع العام الأكبر من القطاع الخاص والمنظمات، وبأنه المحرك الأساسي في عجلة التنمية. كما أشاروا إلى أن توجيه البنية التحتية للصحة العامة كفيل بتوفير الحماية الاجتماعية إذ أنها محرك الاقتصاد، وبضرورة جاهزية الدول العربية للتعامل مع الأزمات، فالصحة العامة مفتاح ومدخل لتجميع القوى المختلفة في العالم العربي، فالرفاه تجربة جمعيّة لا فردية.
كما أكد المشاركون على تلبية القطاع الخاص والذي يستأثر بخدمات الحماية الاجتماعية من صحة وغذاء واتصال لواجباته والتي لا تقتصر على التبرع وحسب بل بتقديم تسهيلات على المواطنين من خلال تخفيض الأسعار والاكتفاء بأرباح أقل خاصة بالأزمات وليس استغلالها والعمل الدؤوب للحفاظ على حقوق العمال ومساندتهم.
مؤكدين هذه الكارثة تذكرنا بمبادئ المساواة الأساسية وتوفير فرص العمل والحياة لكل إنسان، وبأن العالم يعيش مرحلة جديدة يجب أن تركز عليها كل البلدان ودور القطاع العام فيها، فالعالم العربي ليس فقيرًا ولكن وجب أن تتعاون المؤسسات والنظم الاقتصادية بمبدأ الخير أو المصلحة العامة.
وفي الختام، أشارت المجالي أن الأزمة أعادت الثقة بالحكومات في المعظم، وذكرت بأهمية التركيز على دور الحكومة في دعم قطاع الصحة العامة والتي ثبتت أهمية دور ممارسيها في الأزمة الحالية، وبمتابعة مؤسسات المجتمع المدني دورها في التثقيف عن الوقاية وأهمية الدعم النفسي للمواطنين.