منذ انتشار جائحة كورونا في المملكة، وما صاحبها من إجراءات احترازية، والحديث يزداد عن أهمية وضرورة الاستثمار في كافة السياسات المتعلقة بالحمايات الاجتماعية للأفراد والأسر، خصوصاً تلك التي تعاني من مشاكل وتفكك أسري أو تعيش في ظروف اقتصادية صعبة.
وفي حين تعد جرائم العنف الأسري ضد النساء والأطفال الأكثر انتشاراً، فلا يمكن حصر العنف في صورة أو شكل واحد، فثمة صور مختلفة لجرائم العنف المرتكبة، وتشترك جميعاً في الآثار السلبية التي تخلفها بما يشمل الضحية والأسرة والمجتمع ككل، سواء كانت هذه الآثار نفسية أو جسدية، وحتى اقتصادية أو اجتماعية.
في ضوء ذلك؛ ومن منطلق الإيمان بالتقاطعية بين قطاع العدالة وسيادة القانون والحماية الاجتماعية، عقد منتدى دعم قطاع العدالة، المنبثق عن منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، ودرة المنال للتنمية والتدريب، جلسة حوارية بعنوان: “تماسك الأسرة.. بين التشريعات الناظمة وشبكات الحماية الاجتماعية”، يوم الإثنين 8 آب/أغسطس في فندق حياة عمّان.
واستهلت العين السابق، والمستشار الأول في شركة درة المنال للتنمية والتدريب، د. سوسن المجالي، والتي أدارت الجلسة، حديثها بالإشارة إلى منتدى دعم قطاع العدالة الذي تأسس عام 2017، ويضم قضاة ومحامين، وجهات فاعلة في المجتمع المدني، ونشطاء مجتمعيين وأكاديميين ووزارة العدل والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بهدف إصلاح قطاع العدلة وتحديد القضايا القانونية والاجتماعية، وقضايا حقوق الإنسان.
وتعد هذه الجلسة، واحدة من ضمن ست جلسات تعقد بين شهري تموز/ يوليو وكانون الأول/ ديسمبر 2022، كجزء من مشروع تعزيز ثقة الجمهور في قطاع العدالة من خلال الحوار الاجتماعي والذي تنفذه المنظمة بدعم من السفارة الفرنسية، وتركز على توضيح دور شبكات الحماية الاجتماعية في الأردن، ومناقشة الفجوات المحتملة في القضايا المتعلقة بالعنف الأسري وجرائم العنف المرتكبة ضد المرأة، فضلاً عن دور منظومة الحماية الاجتماعية في تماسك وتعزيز تحصين الأسرة الأردنية، وفقاً للمجالي.
بدوره؛ استعرض مدير إدارة حماية الأسرة والأحداث، العقيد بلال العواملة، رؤية ورسالة الإدارة المتمثلة بحماية الأسرة والحفاظ على تماسكها وكرامتها، ووقف الانتهاكات الواقعة بحق المرأة أو الطفل، مشيراً إلى أن هناك مؤثرات عديدة ساهمت في زيادة أعداد العنف ضد النساء والأطفال، أهمها التفكك الأسري والظروف الاقتصادية والمشكلات النفسية.
وبحسبه؛ فإن الإدارة تعمل في أكثر من اتجاه، من تقديم الخدمات الشرطية والقضائية إلى توفير الخدمات الاجتماعية والصحية، فضلاً عن التركيز على الجانب الوقائي والمحاضرات التوعوية للحد من العنف الواقع على الأفراد بشكل عام.
وبشأن آلية التعامل مع الحالات، بين العواملة أن الإجراءات الداخلية للتعامل مع الحالات تكون “سرية وخصوصية”، مشيراً إلى أن طريقة استقبال البلاغات من الحالات أصبحت متعددة؛ سواء عبر الهاتف أو مواقع التواصل الاجتماعي أو الحضور وجاهياً إلى أقسام الإدارة الموزعة في مختلف محافظات المملكة، مؤكداً على أن الهدف الأسمى للإدارة تحقيق “المصلحة الفضلى للأسرة والطفل والمرأة”، من خلال توفير الخدمات الإنسانية والصحية والنفسية لهم، معتبراً أن “التفاهم المشترك أساس الإصلاح الأسري”.
أما بشأن الحماية الاجتماعية للعمال وأسر العمالة الوافدة، فأكدت المديرة التنفيذية لمركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، ليندا كلش، على ضرورة إجراء دراسة حالة عن هذه الأسر وظروفهم الاقتصادية وتداعيات جائحة كورونا عليهم، خصوصاً أن الاتفاقيات الدولية الموقع عليها الأردن قضت بأهمية معرفة أشكال الحماية الاجتماعية التي يجب تقديمها للأسر بصرف النظر عن جنسياتهم.
وترى كلش أن “الإشكالية الكبرى”، تتمثل بإعادة إدماج ضحايا الاتجار بالبشر والعنف الأسري في المجتمع، حيث هناك صعوبة كبيرة بتقبل هؤلاء الضحايا، مؤكدة على أهمية التكاملية في تطبيق التشريعات الناظمة لحماية الأسر.
من جهته، أوضح الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة، د. محمد مقدادي، أن القضايا والحالات الواردة للمجلس “معظمها متعلقة بالعنف الموجه ضد النساء، وثلثها تعنى بالعنف الموجه ضد الأطفال”، مبيناً أن قضايا العنف الأسري التي لا ترد للمؤسسات المعنية “تساوي ثلاثة أضعاف ما يتم الابلاغ عنه”.
وبحسبه، فإن المشكلات النفسية والبطالة والفقر وانتشار تعاطي المخدرات والكحول؛ كلها أسباب تسهم في زيادة العنف ولا تحقق التماسك والاستقرار الأسري وإن لم تكن سبباً مباشراً له.
وفيما يتعلق بمنظومة حماية الأسرة في المملكة، لفت مقدادي إلى أن قانون الحماية من العنف الأسري شكل نقلة نوعية في التشريع، كما تميز الأردن في إعداد وثيقة وطنية تحدد وظائف الجهات والمؤسسات العاملة ضمن منظومة حماية الأسرة، مؤكداً في هذا السياق على أهمية وضع برامج حقيقية تنهض بموضوع الصحة والسلامة النفسية للأفراد، حيث تعاني من ارتفاع ثمن رعايتها وصعوبة الوصول إليها. كما أضاف أن تطبيق قانون الطفل يعتبر ضمانة حقيقية لحماية الطفل وتحقيق مصلحته الفضلى.
وفي إطار آخر، لفت المشاركون في الجلسة النظر إلى الدور التكاملي للجهات المقدمة لخدمات الحماية والمساندة الرسمية والمجتمع المدني في تعزيز التماسك الأسري وتقديم الدعم الاجتماعي، بالإضافة إلى أهمية رفع الوعي والتدريب المستمر للمستجيبين ومقدمي الخدمات لرفض العنف وتقديم خدمات المساندة والإرشاد والإحالة.
كل تلك الشروحات والنقاشات لدور المؤسسات والتشريعات وأهميتها في تعزيز تماسك الأسرة وحمايتها، يقابلها اليوم ضرورة تعزيز الأدوار الوقائية لجميع الجهات الفاعلة في حماية الأسر، ووصول الأسر التي تعاني من تفكك وعنف أسري إلى كافة خدمات الحماية الوقاية والاستجابة وإعادة التأهيل، وضمان عدم إفلات مرتكبي العنف من العقاب، وصولاً إلى تعزيز أواصر المودة والرحمة والتكافل داخل الأسرة باستخدام كافة الطرق المتاحة ومن بينها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
ومطلوب أيضاً رفع الوعي القانوني، وتوفير نظم اجتماعية وصحية تحمي الشباب والنساء والأطفال، مع أهمية رفع قدرات جميع العاملين في المجالات الإنسانية والأمنية، وتعزيز برامج التوعية بما يتعلق بالعنف بصورة عامة، وتكاتف جميع المعنيين في هذا الخصوص من مؤسسات رسمية ومجتمع مدني، فضلاً عن التركيز على خدمات الصحة النفسية، والاستثمار الصحيح بالطفولة، وكذلك إعادة النظر في المناهج الدراسية، وتدريب وتأهيل الكوادر البشرية للتعامل مع الحالات الواقع عليها عنف، وتوفير قنوات، واضحة للتبليغ، والإحالة.