منذ 25 تموز/يوليو 2021، أصبحت الحياة السياسية في تونس شبه مشلولة بسبب الأزمات السياسية المتتابعة التي تضاف إلى الأزمات الاقتصادية. وفي 25 تموز/يوليو 2022، تمت دعوة المواطنين التونسيين لإجراء استفتاء حول الدستور الجديد والذي سيحل محل الدستور المعتمد في 2014 كجزء من خارطة الطريق الذي صممها الرئيس التونسي قيس سعيّد.
وفي حين تم نشر مسودتين متتاليتين من الدستور الجديد في نهاية حزيران/يونيو وأوائل تموز/يوليو في الجريدة الرسمية للجمهورية التونسية “الرائد الرسمي”، أثارت كل من المسودة الأولية من الدستور الجديد ونسخته المعدلة مخاوف منظمات حقوق المرأة التونسية التي دعت إلى الاعتصام عبر وقفة احتجاجية أمام المسرح التونسي في العاصمة يوم 22 تشرين الأول/اكتوبر 2022.
وللوقوف على التعديلات الواردة في الدستور الجديد وتحليلها من منظور قانوني واجتماعي، وتبعات هذه التعديلات على وضع المرأة التونسية وحقوقها، ومناقشة مخاوف المجتمع المدني من الدسور الجديد، عقدت منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) ندوة رقمية بعنوان “حقوق المرأة في دستور قيس سعيد”، شارك بها ناشطتان تونسيتان من أبرز المؤثرات في العملية السياسية والحراك النسوي التونسي لأكثر من 30 عاماً، وهما : المختصة في القانون العام والباحثة والناشطة في مجال حقوق المرأة حفيظة شقير، وأستاذة علم الاجتماع بالجامعة التونسية والناشطة السياسية والحقوقية فتيحة السعيدي ، وأدارت الجلسة د. سناء الجلاصي، مستشارة أولى للعدالة الجندرية والشباب في مركز النهضة الفكري للدراسات في منظمة النهضة العربية (أرض).
وفي إجابتها على السؤال الذي كان مطروحاً بقوة في الأوساط التونسية حول الدستور الجديد وهل هو دستور تونس أم دستور الرئيس قيس سعيد، أكدت حفيظة شقير أنه دستور تونس لكن منذ تجميد أعمال البرلمان التونسي ثم حله وما تبعه من تدابير استثنائية أصبح قيس سعيد صاحب السلطة التشريعية والتنفيذية وأكاد أقول القضائية، وعلى هذا الأساس تم إعداد الدستور ومراجعته من قبل رئيس الجمهورية دون سواه، مشيرة إلى أنه لم يأخذ بعين الاعتبار مقترحات و مطالب منظمات المجتمع المدني والأحزاب حول الدستور، كما أن العديد من المواطنين اكتفوا بالتصويت على الدستور دون الإطلاع عليه إيماناً منهم بأن قيس سعيد سيكون المنقذ لهم والضامن لوجود مناخ ديمقراطي بالبلاد.
وفي قراءتها القانونية لمشروع القانون الذي جرى الاستفتاء عليه قالت شقير إنه يمثل تراجع للمكاسب التي تحققت في دستور 2014 الذي أسهمت منظمات المجتمع المدني في صياغة بنوده وتضمين حقوق النساء فيه و إرساء المساواة والتكامل، عارجة على الفصل الثاني من مشروع الدستور والمتعلق بمجموعة الحقوق والحريات التي يتمتع بها المواطنون والمواطنات، حيث أكدت أنه استنساخ عما جاء في دستور 2014 ، لكنه ألغى بند “الإسلام دين الدولة” وعوض ذلك بالتأكيد على مقاصد الإسلام التي نتجت عن قراءات فقهية مختلفة، وبإمكان القضاء أن يعتمد على هذه المقاصد لتقييد بعض الحقوق مثل التبني والزواج وانتقال الأرث وغيرها، مضيفة أن أهم وأخطر ما في الدستور الجديد أنه أفقد السلطات صلاحياتها، كما أن المحكمة الدستورية أصبحت تتكون من قضاة يتم تعيينهم من قبل الرئيس، الأمر الذي أثر على استقلاليتها، وقد يؤثر على ضمانات حقوق الإنسان خاصة وأنه لم يضمن المساءلة والمسؤولية ولم يرسِ دولة القانون التي تضمن الحقوق والواجبات وتحاسب الجميع دون استثناء.
وبينت أن ما يهمنا اليوم هو تحقيق قاعدة التناصف بين الرجال والنساء في المحكمة الدستورية، وأن يكون لدينا قانون اقتراع يكفل تواجد النساء في المجالس المنتخبة، وأن تعمل الدولة على سياسة اقتصادية تلبي حاجات المواطنين، فلا يمكن تحقيق ديمقراطية سياسية بدون استراتيجية اقتصادية واجتماعية تحسن أوضاع الناس.
واتفقت فتيحة السعيدي مع ما ذهبت إليه شقير بخصوص أن الدستور الجديد هو دستور شخص وليس دستور دولة، لافتة إلى أن مسار الدستور الجديد شابه الكثير من الاعتباطية وعدم احترام المواطنة وعقول المواطنين وانتقل بتونس من النظام الرئاسي إلى النظام الرئاسوي ومن اللامركزية إلى المركزية، فالسلطة التي نتجه لها اليوم هي سلطة أوتوقراطية تضع كافة السلطات في يد الرئيس
وأكدت أن من ذهبوا للتصويت على الدستور الجديد لم يكونوا معه ولم يعرفوا ما جاء فيه وهذا ما تبين من خلال الأسئلة التي طُرحت عليهم في وسائل الإعلام، لكنه أرادوا إيصال رسالة بأنهم مع رئيس الجمهورية وضد العشرية السابقة والإسلام السياسي .
وفي الحديث عن التحركات القادمة، أبدت السعيدي تفاؤلها بالائتلاف المدني الذي تم تشكيله من مئة جمعية حقوقية، وهو بمثابة صمان أمان وسلطة مضادة ستواجه أي تغيير يمس الحقوق والحريات والمكتسبات، وستراقب قوانين الانتخاب والجمعيات والأحزاب، وهذا يتطلب منا اليقظة الدائمة والتعاون لتحقيق مكتسبات جديدة
أما فيما يخص الأوضاع الاجتماعية بينت السعيدي أن الوضع الاقتصادي صعب، لكنها توقعت معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعي، لأن الاتفاقيات التي لم يتم تمريرها مع صندوق النقد الدولي سابقاً ستمر الآن في ظل الحكم الحالي.