لحظة وقوع الهجوم، في الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001، كانت زاوية الخبر ضيقة ومفادها تعرض الولايات المتحدة لهجمات إرهابية شنها تنظيم القاعدة مستهدفاً مراكز هامة في واشنطن ونيويورك، إلا أن تفسيرات الهجمات أخذت اليوم زوايا عديدة بعد مرور عقدين من الزمان على حدوثها، فتحولت تلك الهجمات من الضبابية إلى الوضوح، وليس أدل على ذلك مما ذكره الصحفي الأمريكي ستيف كول في كتابه “حروب الشبح”، حيث قال :”إن من السهولة على الباحث في الوقت الحاضر أن يفسر كيف ولماذا حدثت (تلك الهجمات)، وذلك أفضل له من بيان التداعيات، فطوال الفترة التي أعقبت تلك الهجمات، توهمت واشنطن بقدرتها على إعادة صياغة العالم وفق تصورها، إلا أنها أسفرت للعالم عن وجه قبيح لنفسها”.
غير أن أكثر ما يعنينا هي تلك “التحولات في العالم العربي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001: الآفاق والمآلات”، وهو عنوان الندوة العلمية الافتراضية الدولية، التي نظمتها الشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية ومنظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) ضمن سلسلة المنتدى الدولي “تحولات”، وشارك فيها كل: المفكر والفيلسوف المصري د. حسن حنفي، ومن العراق، مدير مركز الموصل للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية الدكتور حسن مظفر الرزو، و من الإمارات العربية كل من أستاذ العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي د. البدر الشاطري وأستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد الخالق عبدالله.
الندوة التي يسرها الإعلامي اللبناني فادي شهوان، جاءت بغرض التأسيس لنقاش علمي بين أهل الاختصاص كمدخل أساسي لفهم وتحليل وتفسير أحداث 11 سبتمبر وتبعاتها، والذي سيشكل لاحقاً مدخلاً للإسهام في مواجهة المخططات الغربية الفكرية والاقتصادية والسياسية التي تستهدف عالمنا العربي.
“صحيح أن أحداث 11 سبتمبر كان لها تأثير بليغ على الصورة النمطية للعربي والمسلم في الغرب، إلا أن هذه الصورة لم تكن إيجابية حتى ما قبل تلك الأحداث”، بهذا التحليل المبسط والعميق استهل الدكتور البدر الشاطري حديثه مؤكداً أن ما جرى كان ذريعة غربية لوضع العرب والإسلام في قفص الاتهام بالهمجية والإرهاب، وبدلاً من التدبر في الأسباب الاقتصادية أو الاجتماعية لظاهرة الإرهاب قام من هم على معرفة ودراية بالعالم العربي بتأصيل العنف دينياً رغم تنوع الإسلام واختلاف مذاهبه وطوائفه، ومن هذا المنطلق وجدت أميركا في أحداث 11 سبتمبر فرصة لإحلال الخطر الإسلامي محل الخطر الشيوعي.
ولم يختلف العنوان العريض لما تحدث به الدكتور حسن حنفي عن الصورة النمطية المسبقة للعربي في عين الغرب والتي سبقت أحداث 11 سبتمبر بمدة طويلة، حيث كانت التهمة بالعنف هي تهمة يوجهها الظالم للمظلوم، حتى لم يعد يعرف الإنسان من الجاني ومن المجني عليه، وصار العنف تُهمة يوجهها الظالم للمظلوم. فقد وجهت بريطانيا هذه التهمة للهنود عندما أرادوا التحرر من الاستعمار البريطاني.
وأكد أن العرب لم يمارسوا العنف إلا من أجل التحرر، بدءاً من التحرر من الجاهلية والاستعمار الروماني، إلى مقاومة الاستعمار في الجزائر، ومصر، واليمن، وغيرها.
هذا واستعرض الرزو الخطاطة الأمريكية المستحدثة في التعامل مع الحدث وصناعة ثقافة الحرب على الإرهاب، قائلاً “أن تعرّض الدول والمجتمعات الى التهديدات الإرهابية ليس أمراً جديداً، ولكن إعلان الحرب على الإرهاب بمنطق التحشيد العسكري وغزو الدول وتجاوز المواثيق الدولية قد حصل للمرة الأولى بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر”. مضيفا وأنه عند مراجعة ما ورد في وثائق الصليب الأحمر نجد أن فقرة المواجهة المسلحة بين القوات المسلحة الحكومية وأفراد من مجاميع مسلحة على أراضي أي بلد من البلدان ينبغي أن تتم ضمن الحدود الدنيا على صعيد المواجهات المسلحة وبالحد الأدنى من التأثيرات على أفراد الطرفين. وعليه فإن ردود أفعال الولايات المتحدة تجاه هذه الهجمات ينبغي ان تكون بالتعامل معها على أساس أنها أفعال جرمية وأن استخدام مصطلح الحرب على الإرهاب من قبل الحكومة الأمريكية ينبغي أن يكون استخداماً مجازياً لا يتضمن استخدام القوة العسكرية الغاشمة.
فيما كانت مآلات أحداث ١١ سبتمبر على العالم العربي من وجهة نظر الدكتور عبد الخالق عبد الله أنه أصبح “الأكثر تفككاً وعنفاً على مستوى العالم” كما أن علاقتنا مع الآخر انتقلت من سيء إلى أسوأ، فهُدمت الجسور الحضارية بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، وزاد التخندق الحضاري والتراشق الإعلامي والثقافي والعسكري بين الإسلام والغرب، وهذا كله أثبت حاجتنا إلى تربة عربية مختلفة، فالمنطقة العربية تخلو من الديمقراطية وتعمها أنظمة استبدادية.
مجمل القول أن أحداث 11 سبتمبر تركت آثاراً طويلة الأمد على العالم، وأدت إلى تحولات واضحة العيان على ملفات كبيرة، إضافة إلى تغيرات جيواستراتيجية سياسية ديمغرافية، وزادت من عمق حفرة التخلف والفرقة التي انزلق فيها العالم العربي منذ ذلك الحين.