عمان-جلال أبو صالح،
اليوم، تسود أجواء القلق والخوف في أوساط الإعلاميين، الأردنيين والعرب، نتيجة تعرضهم لظروف سيئة في أعمالهم من قمع حرية الرأي والتعبير وغياب المساندة الحقيقة لهم، في بلاد صدعتها الحروب وشرذمها الدمار والفوضى.
مع ذلك، تطل فسحة من الأمل بإمكانية صعود صحافة مستقلة تحاسب وتنقل الصورة بموضوعية تامة، بالتزامن مع قيام هيئات مختلفة من المجتمع المدني بمبادرات عديدة تمد جسور العون والمساندة للصحفيين والإعلاميين وخصوصاً الشباب منهم، حتى لا يفقد المجتمع المدني أداته التي يعبر فيها عن قضاياه ولفت النظر لمطالب الإصلاح التي تسعى إليها تلك الهيئات في عملها. إذ أن تشاركية الصحافة ومؤسسات المجتمع المدني في العمل العام ضرورة ملحة، فكلاهما يكملان بعضهما، ودورهما متشابه من ناحية الدفاع والمجابهة في سبيل حماية حقوق الإنسان.
ويتحقق ذلك، بطرح سبل تعاون تهدف للتقارب بين القطاعين، والاعتماد على كفاءة القطاعين للقيام بأدوار مختلفة مثل البحث والتقصي عن مواضيع الصالح العام، وتبادل خبرات الإشراف والتدريب، وجهود أخرى وجهت لتشجيع التميز بالعمل الصحفي أو تدعم الأقلام الشابة وتدريبها لتوفير مهارات معينة، وذلك من خلال جوائز تحفزالإبداع بتغطية القضايا الحقوقية والتي تدعمها منظمات حقوق الإنسان والعديد من المؤسسات الإعلامية والثقافية الرائدة، وسخرت لها حيزاً مهماً لديها، لإيمانها أولاً بقدرة الصحافة على التغيير، وثانياً لحجم التحديات التي تواجه العمل الصحفي مما قد يحبط الشباب الجدد المنخرط فيه، وتبعدهم عن مناصرة الشأن العام بجرأة ومهنية عالية في خضم التضييق الذي نشهده حالياً بالساحة العربيةً.
وكما هو معلوم، فإن الهدف من هذه الجوائز التي تقدمها تلك المنظمات هو السعي إلى بارقة “أمل” وإشعاع نور يستظل به ويدفع به إلى مزيد من الإبداع والتألق كما في أي مهنة. ورغم أنه قد تصطدم تلك المنظمات بجدار “السبات الإعلامي” الذي تمارسه مؤسسات إعلامية بحق عمل وجهود المجتمع المدني من خلال الخدمات التي يقدمها لمساعدة الناس وزيادة وعي المجتمعات ونهضتها، برزت جهود منظمات مجتمع مدني حقوقية وصحافية ونهضوية في إرساء قواعد قوية للعاملين في الصحافة؛ بطرحها جوائز مهمة للصحافيين، وإقامة دورات شاملة لهم لتعزيز قدراتهم وأدواتهم في الكتابة والتحليل.
وعلى سبيل المثال في الأردن لا الحصر، تقدم منظمة “صحفيون من أجل حقوق الإنسان”، سنوياً، مسابقة أفضل تغطية تتناول قضايا حقوق الإنسان، والتي تشمل كافة المواضيع ذات الصلة بالحقوق السياسية والاقتصادية والصحية والتعليمية وغيرها من الحقوق، وفقاً للمدير التنفيذي للمنظمة محمد شما.
والمسابقة تخصص لمن يكتب في هذه القضايا؛ كتغطيات معمقة باستخدام أدوات إبداعية سواء تلقوا دعماً مباشراً من المنظمة أم لم يتلقوا، وهي متاحة للجميع؛ بهدف تشجيع أكبر عدد من الصحفيين كانوا من ذوي الخبرة أو الشباب، يضيف شما.
فيما تطرح شبكة “إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية – أريج” جوائز صحفية، سنوياً، حول التحقيقات الاستقصائية العربية المتميزة. تحتفي جوائز أريج التي بدأ تقديمها قبل أكثر من عشر سنوات، للمشاركة في صنع المعايير المهنية الإعلامية الاحترافية.
وهناك أيضاً مسابقة “شباب- النهضة للصحافة المجتمعية” لمنظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية “أرض”، التي تقام للسنة الثانية، وتستهدف الشابات والشباب الشغوفين والراغبين بإحداث التغيير في مجتمعاتهم. وهي تبحث في أهم قضايا المجتمعات العربية مثل اللجوء والهجرة، وحقوق المرأة، وكذلك قضايا الشباب من التعليم إلى العمل، وغيرها.
القائمون على جائزة “أرض” يقولون أن الجائزة تحرص على ضمان حق التعبير والوصول إلى المعلومة الذي بلا أدنى شك، يعزز المشاركة المدنية والإبداع بين الشباب، ويحقق هدف المنظمة بالسعي للديمقراطية والتنمية، من خلال حراك مجتمعي واعي ومتفاعل مع الشأن العام.
بينما تقام مسابقة منظمة “تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان”، للسنة الرابعة على التوالي؛ بهدف رفع الوعي وتسليط الضوء على قضايا معينة، بحسب المدير التنفيذية للمنظمة، ليندا كلش، حيث ستكون المسابقة موجهة هذه السنة لتغطية مشكلة عمل الأطفال والتسول وعلاقة هذه المسائل بالاتجار بالبشر.
تؤكد كلش أن مسابقة “تمكين” جاءت لرفع الوعي ومناصرة قضايا تعمل عليها المنظمة، وحث الصحفيين لعمل تحقيقات معمقة بكافة محاورها، إذ انتقدت، أيضاً، عدم وجود عدد كبير من الصحفيين الحقوقيين المتعمقين بقضايا حقوق الإنسان.
أما عربياً، فقد تكون جائزة الصحافة العربية، الذي ينظمها نادي دبي للصحافة سنويا منذ العام 1999 لتكريم الإسهامات المميزة للصحفيين العرب، هي الأهم، فضلاً عن جائزة “سمير قصير لحرية الصحافة” التي انطلقت عند إعلان المفوضية الأوروبية في ٧ تشرين الأول من العام ٢٠٠٥ إنشاء هذه الجائزة الأوروبية خلال مؤتمر صحافي في بيروت، والتي تأتي في إطار تشجيع الصحفيين العرب العاملين في الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع بتغطية مسائل متعلقة بحقوق الإنسان، ودولة القانون، ومكافحة الفساد، وحرية التعبير، والتنمية الديمقراطية، والمشاركة المدنية.
فيما جاءت جائزة “آنا ليند لصحافة البحر المتوسط”، في العام 2006 بالاشتراك مع الإتحاد الدولي للصحفيين، لمكافأة الأعمال الصحفية المتميزة التي تساهم في فهم أفضل لتنوع الثقافات في منطقة الأورومتوسط، وتعزيز وتشجيع الدور الإيجابي الذي يلعبه الصحفيون في تقديم تغطية متوازنة وواعية حول القضايا الثقافية في المنطقة.
وفي المحصلة، فإن جوائز تلك المنظمات تأتي كمبادرات تقوم بها لدعم الجسم الصحفي، في سبيل اكتشاف مواهب جديدة، وتعمل على استدامة واستقلالية العمل الصحفي، وتقديم ما يحفز الإبداع، لضمان مبدأ المهنية، وكذلك تغطية جوانب تهم المجتمع وتدعم حملات المناصرة التي يشرف عليها المجتمع المدني وينفذها بالشراكة مع الإعلام.
أخيراً، في خلفية المشهد المقلق والمعقد في أرجاء العالم العربي، نأمل أن تتجلى علاقة الصحافة بمنظمات المجتمع المدني إلى أعلى مستوياتها، تحقيقاً للعدالة المجتمعية، التي تؤسس بالتأكيد إلى نهضة عربية قائمة على أساس حرية الرأي والتعبير والإبداع.