انقضى شهر على مقتل نائل مرزوق، الفتى الفرنسي ذي السبعة عشر عامًا من أصول جزائرية ومغربية، على يد ضابط شرطة فرنسي في 27 حزيران/ يونيو 2023، ومن هنا يجدد ملتقى الهجرة واللجوء في العالم العربي (مرفأ) دعوته إلى بذل جميع الجهود لمكافحة العنصرية المنهجية والعنف المؤسسي الذي يواجهه المواطنون من أصول عربية في فرنسا وغيرها من المجتمعات في دول شمال العالم. كما يشدد ملتقى (مرفأ) على ضرورة اعتبار هذه الخسارة المؤلمة تذكيرًا قويًّا بمسؤوليتنا الجماعية عن مواجهة الممارسات القهرية والتمييزية في العالم كله.
وفي هذا الصدد، يؤكد ملتقى (مرفأ) على أن تأصل العنصرية المنهجية العميق في المجتمعات يتطلب جهودًا مستدامة وشاملة تتضمن التعاون الدولي بين بلدان عدة، بما في ذلك الدول التي ترسل المهاجرين واللاجئين إلى غيرها، فما هذه العنصرية إلا قضية معقدة لن تفلح الإجراءات المعزولة أو الجهود التي تبذلها الدول منفردة في حلها. لذا، ندعو جميع الدول والجهات المعنية للتعاون معًا، والعمل على معالجة الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة والسعي إلى تحقيق التغيير المستدام.
كما يطالب ملتقى (مرفأ) المؤسسات الفرنسية، والمجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بالالتزام بتحقيق العدالة لعائلة مرزوق وجميع المواطنين الفرنسيين المنحدرين من أصول عربية، فحيال هذه المسألة، لم تعد المبادرات وحدها كافية، إذ لا بد من تكريس الجهود المتواصلة لإنهاء جميع أشكال التمييز والتحيز العنصري.
ولا تنبع مطالبتنا وإصرارنا على حق نائل في العدالة من نفاذ صبرنا، بل تعكس تفانينا في جهود المناصرة طويلة الأمد الرامية إلى إحقاق العدالة، إذ نرفض في ملتقى (مرفأ) تصنيف الأفراد بناءً على أصولهم العرقية رفضًا قاطعًا، كما ندين جميع صور التمييز التي تنتهك حقوق الإنسان والمواطنين.
إضافة إلى ما سبق، فإن ثقافة الإفلات من العقاب داخل أجهزة الشرطة بحاجة ماسة إلى علاج على وجه السرعة. ومن هذا المنطلق، فإننا ندعو إلى إجراء إصلاحات قضائية شاملة، وإحقاق ممارسات مساءلة تتمتع بالشفافية، وإحداث تغيير واضح في الخطاب الاستشراقي الحالي الذي يدعم التهميش وتشويه صورة المهاجرين واللاجئين. ومن باب التأكيد، فلكل منا دوره في إنهاء التمييز العنصري والتنميط العرقي اللذين يسهمان في ظلم المواطنين وتعرضهم للعنف.
لا يعد موت نائل المأساوي حادثًا منفردًا؛ بل هو نمط مقلق ومتواصل، وبذا لا يعترينا الحزن على مصير هذا الشاب فحسب، بل نستذكر في هذا الموضع أرواحًا أخرى ذهبت ضحية التحيز العنصري الذي تمارسه أجهزة الشرطة، مثل جون مينديز من أصل برازيلي في بريطانيا (2005) وجورج فلويد في الولايات المتحدة الأمريكية (2020)، ومن هنا فإن هذه الأحداث جميعها تؤكد على مدى الحاجة الملحة للتغيير وأهميته.
وانطلاقًا من الحقيقة القائلة بامتداد جذور العنصرية في التاريخ الاستعماري والخطابات الثقافية المتواصلة جيلًا بعد جيل، علينا البدء اليوم في معالجة هذه المظالم التاريخية، والاعتراف بالتجليات المعاصرة التي تميز علاقات القوة التي تميل إلى كفة دون أخرى بين دول شمال العالم وجنوبه.
نرفض قبول وضع علاقات القوى غير المتكافئة والتي تسمح بحدوث العنف ضد المواطنين المظلومين من خلال التشريعات، والممارسات والسياسات التمييزية، فللمهاجرين واللاجئين حق التمتع بحقوقهم الأساسية مع ضرورة الحرص على عدم تعرضهم للمعاملة اللاإنسانية أو كونهم هدفًا للازدراء والحط من كرامتهم.
كما ندعو المجتمع الدولي إلى تضافر الجهود الجماعية لمعالجة هذه القضية المنتشرة وتوحيدها، إضافة إلى دعوة جميع الفاعلين الدوليين، والبلدان المرسلة للاجئين وتلك المضيفة لهم إلى التعاون معًا والمساهمة في تطوير حلول شاملة ومتعددة الأوجه، فالالتزام بالحقوق الأساسية، بما في ذلك الحق في الحياة، وحق الحماية من التعذيب واحترام الحقوق الثقافية والاقتصادية، هو أمر ليس محل تفاوض.
دعونا نسعى جاهدين نحو عالم يسوده العدل، وتتساوى فيه الفرص، ويتمتع فيه الإنسان بحقوقه قبل أي شيء. فبعملنا معًا، يغدو بمقدورنا بناء عالم يقدّر التنوع والشمولية، ولا مجال فيه للتهميش والظلم. يواصل ملتقى (مرفأ) جهوده نحو هذه الغاية، ونحث الآخرين على الانضمام إلينا في هذا المسعى.
عن مرفأ
ملتقى الهجرة واللجوء في العالم العربي (مرفأ) هو شبكة مستقلة من الأكاديميين العرب ونشطاء حقوق الإنسان والمحامين والتي نشأت استجابة للحاجة الماسّة إلى نهج جماعي لمناصرة حقوق المهاجرين واللاجئين والتوعية بالقضايا الملحة ذات الصلة في المنطقة بما في ذلك قضايا انعدام الجنسية، والشتات، والإجراءات والسلوكيات التميزية ضدهم.
