الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

حوارات في العمق.. خبراء يبحثون أبعاد الأزمة السودانية، والآثار الإنسانية، وآفاق السلام

مشاركة

رغم عقود من الاضطرابات والانقلابات العسكرية التي شهدتها السودان، يبدو اليوم أن حرب الجنرالات المشتعلة بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، ستشهد المزيد من التوسع والامتداد، في ظل انسداد الأفق السياسي، ونزوح أكثر من مليون شخص داخل السودان أو إلى البلدان المجاورة، من بينهم 90 ألفا فرواً إلى تشاد.

فخلف الكواليس وفي العلن، يبدو كذلك أن جميع الاتصالات الدولية والإقليمية التي تجري تصب في خانة منع خروج النزاع عن السيطرة والحد من تداعياته وتأثيراته إلى خارج الحدود، وسط مخاوف أن يتحول القتال إلى صراع عرقي، بما يزعزع استقرار المنطقة بأكملها، ناهيك أيضاً عن صعوبة إيصال المساعدات وانعدام الخدمات الأساسية وتهديد الأرواح والأمن الاجتماعي والاقتصادي لسنوات قادمة.

ولفهم أبعاد الأزمة السودانية وحالة النزاع، وعواقبها الإنسانية، وآفاق السلام، عقدت منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، جلسة حوارية معمقة حول “حرب السودان: ما الآثار الإنسانية وآفاق السلام؟”، الإثنين 29 أيار/ مايو 2023، بالتعاون مع منتدى الهجرة واللجوء في العالم العربي (مرفأ)، وضمن سلسلة حوارات في العمق، التي تأتي ضمن جهود مركز النهضة الفكري لتسلط الضوء على التطورات الهامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من خلال دمج الأفكار والتحليلات من الخبراء المحليين والإقليميين.

وأوضحت الباحثة في مركز النهضة الفكري في النهضة (أرض)، ميريام لوبيز، والتي أدارت الحوار مع المتحدثين، أنه في غضون أسابيع قليلة فقط، ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة الأخير، فقد مئات الأشخاص حياتهم وأصيب أكثر من 5000 رجل وامرأة وطفل، كما نزح حوالي 1.3 مليون شخص داخل وخارج البلاد ، وملايين آخرين يقبعون محاصرين في منازلهم ، غير قادرين على الوصول إلى الخدمات الحيوية بينما تواجه البنية التحتية المدنية والأسواق الضرر والدمار.

وحول ما يجري في السودان، أكد المحلل السياسي، م. محمد فاروق، أن الصراع العسكري الدائر حالياً، ينطلق من الرغبة في الاستئثار بالحكم السياسي والنفوذ العسكري، مبيناً أن هذه الحرب الأهلية ليست الأولى التي يعرفها السودان، فقد كانت الأولى (1955 – 1972) والثانية (1983 – 2005) وحرب دارفور (2003) واستقلال جنوب السودان (2011) والنزاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق (2011 – 2020) والثورة السودانية (2018 – 2019)، حيث لا يمكن فصل حرب الجنرالات الحالية عن مسيرة تلك الحروب الأهلية والوقائع في السودان.

ويفسر فاروق إشعال الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة في السودان ودول عربية عديدة، بعدم اكتمال مشروع بناء الدولة المدنية، والتضييق على مساحات المجتمع المدني  ما يثبت هشاشة المؤسسية فيها، وذلك كله نتيجة “التجاذبات والتنافسات على موقع الحكم، وانعدام البوصلة والرؤية بإيجاد أفق سياسي يوقف هذا النزيف المستمر والذي أغرقنا في مزيد من الأزمات والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية”.

وعن العواقب الإنسانية والصحية والاقتصادية للصراع، وما هي المساعدة التي يتم تقديمها حاليا للمتضررين من العنف المسلح داخل وخارج البلاد، اعتبرت الخبيرة الدولية وعضو مجلس أمناء منظمة النهضة (أرض)، ماجدة السنوسي، أن “حرب المدن لا يخفى على أحد أثارها الإنسانية الخطيرة المدمرة، وفي السودان نبعت المشكلات من أن العاصمة الخرطوم هي نقطة الأساس لكل الخدمات والمصارف والمستشفيات الصحية في البلاد، وفي حالة الحرب هذه امتد تعطل تقديم هذه الخدمات على كافة محافظات السودان”.

ولفتت السنوسي إلى حجم الأضرار التي خلفتها الحرب، والتي أثرت، بشكل كبير، على واقع الخدمات الصحية والتعليمية والمياه والكهرباء والبنية التحتية ككل، ناهيك كذلك عن احتلال منازل السكان وتوقف الحياة وتعطلها بشكل كامل وحرق المستندات في المحاكم، مؤكدة صعوبة وصول المساعدات والمواد الأساسية إلى الخرطوم عبر الموانئ والمطارات في ظل الغياب الأمني”.

وفيما يتعلق بعمليات النزوح الداخلية والخارجية الحالية للمدنيين، وتأثيرها على السكان المحليين والدول المضيفة، أكدت الأستاذة المساعدة في الجامعة الأمريكية في القاهرة، وعضو منتدى (مرفأ)، د. أميرة أحمد، أن الصراع الدموي في السودان راح ضحيته الملايين من الأشخاص، ومنهم من لا يستطيع المغادرة أو النزوح، خصوصاً المسنين والمرضى المصابين بأمراض مزمنة، مشيرة إلى أن السودان يحتل المرتبة الثانية أو الثالثة على مستوى العالم من حيث عدد النازحين داخلياً”.

وبينت أن قبل الحرب هناك نحو 4 مليون نازح داخلياً، وما يقارب مليون لاجئ مسجل لدى مفوضية اللاجئين، ورصد أكثر من مليون حركة سكانية داخلية، كما هناك عدد لا حصر له من المهاجرين المستضعفين، إذ يعيش معظمهم في دارفور ويحتاجون للمساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية. أما النازحين السودانيين خارجياً فأغلبهم في مصر وأثيوبيا وليبيا، ودول أخرى.

وعرجت أحمد على التجربة المصرية باستقبال النازحين، الذين واجهوا مشكلات نفسية وارتفاع تكاليف النقل والسكن وبحاجة للدعم والمساعدة بشكل آني، لافتة في ذات السياق إلى تأثيرات النزوح على البلد المضيف الذي يصبح فيه النازحون عرضة للاستغلال، بالإضافة إلى التبعات الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عليهم.

وأكدت على أن بعض الدول ليست مستعدة لاستقبال اللاجئين السودانيين وتعدهم على أنهم ضيوف طارئين، كما دعت للالتفات إلى أزمة اللجوء السوداني المتفاقمة بشكل كبير، وخاصة مع وجود ثلاثة أنواع من اللاجئين؛ داخلياً، والذين لجأوا قديماً، أو مع الحرب الأخيرة.

إلى ذلك، اتفق الخبراء على أن أي تأخر في حسم الصراع، قد تكون له تداعيات اجتماعية وعسكرية، وما قد ينجم من تنشيط لحركات الجماعات المتطرفة، والنزوح العابر للدول، وتهريب البشر، والهجرة غير النظامية، وتنشيط عمل العصابات، مطالبين بإنهاء الحرب وتدارك الأمر على وجه السرعة، الذي لا تنحصر إرهاصته في الجغرافيا المسورة بالحدود الداخلية للسودان، إنما تتجاوز ذلك إلى دول الجوار السبعة.

وفيما أشادوا بموقف الحراك النسوي في رفض الحرب والاستجابة، طالبوا كذلك بتوسيع أدوار منظمات المجتمع المدني ككل في متابعة وتقييم آلية وقف إطلاق النار وضمان وصول المساعدات الإنسانية للفئات الأقل رعاية وتعزيز الحماية الاجتماعية للنساء والأطفال والشيوخ والعزل، مشددين على أهمية حماية المدنيين، بمن فيهم اللاجئين والنازحين، وضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني.

ختاماً، كيف يمكن للمدنيين السودانيين استعادة الأمل والسيطرة على مصيرهم، في ظل الفترات الانتقالية التي يعيشونها منذ استقلال البلاد عام 1955؟ قد تكون أولى الحلول متوقفة على جدية وقف إطلاق النار وإعلان حالة السلم، بحسب الخبراء، ومن ثم تقع على عاتق المدنيين السودانيين أنفسهم مسؤولية صياغة مبادرة وطنية واضحة قائمة على إنفاذ القانون بعيداً عن احتكار الحكم، ووصولاً إلى النضال السياسي بشكله السلمي والحضاري والإنساني، فالحراك المدني والثوري للسودانيين ومطالبتهم بالدولة المدنية ثابت وباقٍ ما بقي شعب السودان.