الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

رسالة إلى معهد جورج تاون للمرأة والأمن والسلام بخصوص التصريحات الأخيرة التي أدلت بها هيلاري كلينتون في سياق انتهاكات الحرب على غزة والمتناقضة مع قرار مجلس الأمن 1325

مشاركة

السيدة ميلاني فيرفير

المديرة التنفيذية لمعهد جورج تاون للمرأة والسلام والأمن

 

ملاحظات بخصوص التصريحات الأخيرة للرئيسة المؤسسة الفخرية السيدة هيلاري رودهام كلنتون

 

حضرة السيدة فيرفير،

أكتب نيابة عن منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، وهي منظمة مقرها الأردن ومنسقة التحالف الوطني الأردني للمنظمات غير الحكومية (جوناف)، وكلاهما مكرس للنهوض بأجندة المرأة والأمن والسلام في الأردن والمنطقة؛ إذ نتوجه إليكم لنعرب عن قلقنا العميق إزاء التصريحات الأخيرة التي أدلت بها الرئيسة المؤسسة الفخرية السيدة هيلاري رودهام كلنتون إذ أعربت خلال إحدى الفعاليات الأخيرة عن شكوكها بشأن إمكانية وقف إطلاق النار، مشيرة إلى أن مثل هذا الإجراء سيعتبر بمثابة “هدية” بالنسبة لحماس. وقد أثارت هذه التصريحات مخاوف كبيرة لا داخل منظمتنا وحسب، بل بين منظمات المجتمع المدني العربية الأخرى الملتزمة بمبادئ أجندة المرأة والأمن والسلام أيضاً، لاسيما في ضوء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.

أثارت هذه التصريحات تساؤلات حول مدى اتساق هذا الموقف مع المبادئ الأساسية لأجندة المرأة والأمن والسلام، ونشعر بالحيرة والغضب بسبب التناقض بين وجهة نظر شخصية بارزة ذات صلة بمعهد جورج تاون والمبادئ الجوهرية التي يُنادي بها المعهد نفسه. إن شراكات المعهد الإقليمية لا تُقدر بثمن، ونحن نعتقد أن تصريحات السيدة كلنتون الأخيرة  قد تقوض من وجهة نظرنا مصداقية أي تعاون يرتكز على التزام مشترك بالمبادئ الأساسية لأجندة المرأة والأمن والسلام، في تأكيد على مساور القلق التي أعربنا عنها في رسالتنا. ونحن نؤمن إيماناً راسخاً بأن الدعوة إلى السلام والوقف الفوري لإطلاق النار في غزة يمثل خطوة محورية نحو حماية جميع المدنيين وخاصة الأكثر ضعفاً منهم كالنساء والأطفال الذين يتحملون عبئاً غير متناسب في أوقات النزاع وهم الأكثر تأثراً.

وفي الواقع، ووفقاً لأحدث المعلومات الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية، فقد أسفرت الغارات الجوية المتواصلة التي تشنها إسرائيل منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر عن مقتل أكثر من 9485 فلسطينياً، من بينهم 4 آلاف طفل و2430 امرأة، فضلاً عن إصابة 24173 فلسطينياً آخرين بجروح يصعب علاجها نظراً لأن النظام الصحي ينهار حالياً بسبب الحصار الشديد المفروض على غزة الذي يُعيق دخول الوقودـ وهو المكون الأساسي لعمل المستشفيات التي ما تزال ضمن نطاق الخدمة.

وقد أفاد تقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة للسكان في 30 تشرين الأول/أكتوبر أنه ومن بين سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، فإن هناك حوالي واحدة من كل أربع نساء وفتيات في سن الإنجاب، أي ما مجموعه 572 ألف نسمة، وهن لا يحصلن على خدمات الصحة الإنجابية. ومن المحزن أن ما يُقدر بنحو 50 ألف امرأة حامل يجدن أنفسهن عالقات في التصعيد العنيف المستمر، مع توقع إنجاب 5500 منهن خلال الثلاثين يوماً القادمة  -أي ما يُعادل أكثر من 160 حالة ولادة يومياً. ويُقدّر أن 840 من النساء الحوامل معرضات لخطر الإصابة بمضاعفات أثناء الحمل أو الولادة.

وبعد أيام قليلة من بدء التصعيد الأخير، تتواصل دعوات المنظمات الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة العاملة في الميدان، إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة السيد غوتيريز وأكثر من 800 باحث متخصص إلى وقف إطلاق النار. وتأتي هذه الدعوات استجابة للوضع الدقيق الذي يحمل قدراً كبيراً من الإلحاح والخطورة لأنه يُنذر باحتمال ارتكاب إبادة جماعية في غزة.

وعلى الرغم من ذلك، اختارت السيدة كلنتون التركيز على الاعتبارات والمصالح الجيوسياسية ومنحها الأولوية بدلاً من حماية الحياة البشرية البريئة. نُدرك أن معهد جورج تاون للمرأة والسلام والأمن ملتزم بتعزيز أجندة المرأة والأمن والسلام في جميع أنحاء العالم مع تركيز خاص على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي الواقع، فإن رسالة المعهد تتوافق مع مهمة منظمة النهضة العربية (أرض)، ونحن نعتبر العمل على أجندة المرأة والأمن والسلام الذي يضطلع به معهدكم حاسماً في دعم المساعي الإقليمية لتنفيذ مبادئ قرار مجلس الأمن رقم 1325 وتفعيلها محلياً.

علاوة على ذلك، بينما يقترب المجتمع الدولي من الذكرى السنوية الثالثة والعشرين لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325 بشأن المرأة والأمن والسلام، يجد العالم نفسه غارقاً في العديد من الأزمات المتجذرة جميعها في النزعة العسكرية السلطوية التدميرية. ويرسم تقرير الأمين العام لعام 2022 بشأن المرأة والأمن والسلام صورة قاتمة تسلط الضوء على تصعيد الإنفاق العسكري العالمي للسنة الثامنة على التوالي ليصل إلى مستوى مهول قدره 2.2 ترليون دولار أمريكي. ويتضارب هذا التوجه المثير للقلق مع جوهر أجندة المرأة والأمن والسلام التي تسعى إلى الحد من النزعة العسكرية وإعطاء الأولوية للاستثمار في الحدّ من النزاعات.

تؤكد أجندة المرأة والأمن والسلام التي يدعمها معهدكم القدير على الدور الحاسم الذي تلعبه المرأة في الحيلولة دون النزاعات وبناء السلام وحفظه. ويُعد إدماج المرأة في عمليات السلام والتخفيف من العوامل التي تساهم في النزاع والضعف عناصر أساسية في هذه الأجندة.

ومع ذلك، يتطلب الوضع المأساوي في غزة الذي أسفر عن مقتل الآلاف من الفلسطينيين وإصابة العديد منهم إدانة قاطعة للعنف والحشد الفعال نحو اتخاذ المواقف والسياسات الرامية إلى ضمان سلامة النساء والأطفال المتضررين من العنف وأمنهم.

وإذ نرى أن الوقت قد حان لإعادة النظر في قرار مجلس الأمن رقم 1325 لتعزيز قدرته ومنع ارتكاب الفظائع مثل الإبادة الجماعية وغيرها من جرائم الحرب المرتكبة ضد النساء والفتيات وجميع الأفراد إضافة إلى ضرورة أن تتضمن هذه المراجعة أيضاً آليات لمحاسبة مجرمي الحرب على هذه الانتهاكات. علاوة على ذلك، فلا بدّ من التأكيد على فداحة الوضع في غزة حيث يمكن وصفه بأنه إبادة جماعية وتطهير عرقي بالفعل. وباعتبارنا منظمات تعمل نحو تحقيق أجندة المرأة والأمن والسلام، فنحن بحاجة إلى اختبار التزامنا بالحيادية وعدم التحيز كذلك، الأمر الذي يجب أن يتماشى مع المبادئ الإنسانية وعدم الانحياز إلى أي طرف. وفي حين تدعو أجندة المرأة والأمن والسلام إلى الاستجابة للنزاعات العنيفة، فإن على أي أجندة تهدف إلى النهوض بالمساواة بين الجنسين والقضاء على العنف ضد النساء والفتيات أن تعالج الأسباب النظامية والهيكلية المتجذرة لعدم المساواة بين الجنسين. وإن الوضع المستمر في غزة يأتي بمثابة تذكير صارخ بمخاطر التصدي للعنف ضد المرأة دون تحليل أوجه عدم المساواة الهيكلية المتقاطعة والاعتراف بأن مفهوم الجندر، الذي لا يترادف مع المرأة وحدها، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالطبقة والعرق والاستعمار وغيرها من التسلسلات الهرمية القمعية. ويؤكد هذا على ضرورة اتباع نهج شامل ودامج يواجه الأسباب الجذرية للعنف االجندري وعدم المساواة بين الجنسين.

بالنظر إلى مركزكم القيادي والرائد كمعهد يركز على السلام والأمن، فإننا نطالبكم باتخاذ موقف واضح يدعو إلى وقف إطلاق النار ووضع حد للعدوان المتواصل في قطاع غزة. ونحن نؤمن إيماناً راسخاً بأن النأي عن تصريح السيدة كلنتون له أهمية بالغة بالنسبة لموقفكم والجهود الحيوية التي يبذلها المجتمع المدني العربي. وإن المعاناة التي يقاسيها كل من النساء والأطفال في غزة تؤكد الحاجة الملحة لتعزيز السلام وضمان سلامتهم. نؤمن بأن حماية المرأة وتمكينها من المشاركة الهادفة في عمليات السلام ومنحها فرصاً متكافئة ليست مجرد شعارات نظرية وإنما هو ضرورة مطلقة أيضاً لتحقيق السلام الدائم والعادل والشامل، حتى في الوضع الراهن. ومن واجبنا الجماعي إعطاء الأولية لهذه المبادئ في السعي الحقيقي للوصول إلى عالم أكثر سلاماً.

باعتبارنا منظمة ملتزمة بأجندة المرأة والأمن والسلام، فإننا نحث على الوضوح والتوافق بين التصريحات التي تُدلي بها الشخصيات ذات الصلة بمعهدكم والمبادئ الأساسية التي يمثلها ويُنادي بها، إذ نتوقع من المعهد الاستمرار في الدفاع عن حقوق المرأة والمساواة والسلام الدائم بما يتماشى مع أجندة المرأة والأمن والسلام.

إننا نسعى إلى الوصول إلى فهم يفسر المنطق الذي يقف وراء هذه التناقضات، ونطالب المعهد بتقديم تصحيح لها في استجابة لهذه المخاوف، وذلك على الرغم من أن معهد جورج تاون يلتزم الصمت بشكل صارخ منذ بداية الحرب على غزة.

مع التحية،

سمر محارب،

الرئيسة التنفيذية لمنظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) ومنسقة التحالف الوطني الأردني للمنظمات غير الحكومية (جوناف)