لم تكن لغة الأرقام تثير الهوس والرغبة في نفسها كي تحقق تطلعاتها وأحلامها المستقبلية، وذلك رغم حصولها على دورة تأهيل تربوي في الرياضيات بعد نجاحها في امتحان الثانوية العامة (التوجيهي)، في ثمانينيات القرن الماضي. لكن الوقت لم يمض كثيراً بعد ذلك، لتعقد المحامية والمستشارة القانونية في اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، الدكتورة آمال حدادين، العزم على دراسة الحقوق في الجامعة الأردنية.وكان لها ذلك، لتلعب الصدفة دورها مع حدادين بأن جعلت ابنها زميلاً لها على مقاعد الدراسة. وتقول حدادين بنبرة مازحة في هذا السياق: “لم ينجُ ولدي من مراقبتي لا في البيت ولا الجامعة حتى”.
وبعد أكثر من 30 عاماً قضتها في مهنة المحاماة بعد تخرجها عام 1989، تجد حدادين أن قطاع العدالة تطور “بشكل ملحوظ” بداية من التوسع في المحاكم وتطور التشريعات، فضلاً عن وجود كفاءات كبيرة بين أوساط القضاة والمحامين.
ولكن ذلك، بحسبها، لا يمنع وجود تحديات وأزمات كثيرة تطفو على السطح؛ من تعقيد إجراءات التقاضي، ومشكلة غياب المؤشرات والإحصاءات الدقيقة عند التعامل مع الأرقام القضائية، إلى افتقار قطاع العدالة إلى وجود أنظمة رقمية مجهزة، وفعالة ومتقدمة. ترى حدادين أن الغرض الأساسي من الحق بالتقاضي هو “حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية”، مؤكدة وجود حاجة ملحة لتوفير سبل الانتصاف الفعالة للأفراد على المستوى الوطني؛ تسمح بالوصول إلى حقوق الإنسان كاملة والتمتع بها، وهو ما يشكل ركناً أساسياً في حماية حق الأفراد.
وبنظرها، يتطلب الوصول إلى العدالة سبلاً فعالة للانتصاف القانوني، من خلال رفع الظلم الواقع على الأفراد الذين تنتهك حقوقهم وحرياتهم، مع توفير نظم وإجراءات مراعية للمساواة بين الجنسين، وملبية لمتطلبات الإعمال الفعلي لحقوق الأفراد على أساس المساواة في القانون وأمامه. في سياق متصل، تؤكد حدادين أن هناك معوقات وتحديات كبيرة تواجه المرأة وتعجِزها عن اللجوء إلى حماية القانون؛ إما بسبب الوصم الاجتماعي أو ارتفاع التكاليف المالية من رسوم ونفقات أو تحمل أتعاب المحامين، وغيرها، ما يشكل قيوداً على خياراتها في اللجوء إلى القضاء ويحد من استقلاليتها في اتخاذ القرار.
أما بشأن تطوير الجهاز القضائي، فخلصت الدكتورة إلى أهمية توطيد استقلال القضاء والقضاة، وتحديث الإدارة القضائية وتطويرها، وتحديث العدالة الجزائية وتنفيذ الأحكام أيضاً، إلى جانب استحداث إجراءات الدعاوى الحقوقية.
وحول مبدأ سيادة القانون، تقول حدادين “لا يمكن أن يترسخ هذا المبدأ إلا بوجود جهاز قضائي كفؤ وفاعل، إذ يشكل تطوير الجهاز القضائي دعامة أساسية من دعائم سيادة القانون بتوفير الضمانات اللازمة لاستقلال القضاء وتوفير ضمانات المحاكمة العادلة. وبحسبها، فإن المرحلة الحالية تتطلب من جميع سلطات الدولة والمعنيين بالعمل القضائي العمل بروح المسؤولية الوطنية ليشمل التحديث تأهيل العناصر البشرية والأجهزة المساهمة في عملية التقاضي، والبيئة المناسبة لعمل القاضي، وبناء أسس نظام قضائي قائم على التخصص، وتطوير البنى التحتية للمحاكم وتعزيز قيم النزاهة في المهن القضائية، وإيلاء العناية اللازمة للتكوين الأساسي، والتأهيل المستمر للعاملين في الجهاز القضائي وأجهزته المساندة.
وأوصت بضرورة ضمان عدالة ناجزة وفاعلة للمواطنين، الأمر الذي يتطلب تبسيط إجراءات التقاضي وتسريعها، وصولاً إلى تحقيق العدالة، مدركة أن “العدالة البطيئة قد تكون أقرب إلى إنكار العدالة نفسها”. وقدمت حدادين رأياً من حيث تحسين تقديم المعلومات والمشورة القانونية للمجتمع، وذلك من خلال تدريب القضاة لتمكينهم من الخروج باجتهادات قضائية تتغلب على إشكاليات عدم المواءمة مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها الأردن. وأكدت أيضاً على أهمية تيسير إجراءات دعوة الشهود والاستماع لشهاداتهم، بالإضافة لتحديث إجراءات التبليغ القضائي وتيسيرها وضبطها، لتحقيق السرعة المطلوبة في فصل القضايا.
وتختتم حدادين حديثها بالتذكير بأن على الحكومة، بالتشارك مع مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، تعزيز الدعم العام لمنتدى قطاع العدالة؛ بهدف زيادة الوعي العام بمبادرات الإصلاح الرئيسة في هذا القطاع، إضافة إلى تعزيز قيم العدالة، وسيادة القانون والمساءلة. يشار إلى أن حدادين وهي مشاركة نشطة في منتدى تطوير قطاع العدالة، قدمت إسهامات عديدة خلال مسيرتها المهنية، خصوصاً في مجال مناهضة كافة أشكال التمييز والعنف ضد المرأة من خلال إعداد تقارير قانونية وأوراق بحثية كثيرة في هذا المجال. كما كان لها دور بارز في تقديم العديد من الاستشارات والمرافعات القانونية على المستوى المحلي.