عمان-جلال أبو صالح
إنه القدر! قد يسوق البشر، أطفالاً كانوا أم بالغين، إلى ارتكاب ممارسات وأفعال قد تكون في أغلبها غير محبّبة أو خاطئة، ولكنها تحمل وراءها قصصاً كثيرة، تحاكينا ونحاكيها، وتدخل في واقعنا المعيشي. ولعل، هذا بالذات ما حدث مع طفلين لم يبلغا سن الرشد (من الأحداث) بعد أن سرقا صندوق تبرعات من داخل مسجد. الطفلان، أحيلا إلى القضاء الأردني بتهمة السرقة المشددة (تصل عقوبة السرقة المشددة في قانون العقوبات الأردني من سنة إلى 3 سنوات، وتقع دور العبادة تحت بنود السرقة المشددة).
في دراسة بحثية، أعدها باحثون من شرطة الأحداث ومؤسسة نور الحسين، العام الماضي، تبين أن “نحو 80% من الأطفال في نزاع مع القانون يعيشون بأسر بدخل شهري دون حد الفقر”. ووفقاً للدراسة، فإن أعلى فئة عمرية تعرضت لظاهرة جنوح الأحداث كنت تلك الواقعة من (15-17 سنة) حيث بلغت نسبتهم نحو 80%، في حين ظهر أن أعلى عدد من جنوح الأحداث يقع في منطقة وسط المملكة، إذ بلغت 59%، يليها الشمال بنسبة 31%، وإقليم الجنوب كان الأدنى نسبة بواقع 10%.
وفي الدخول إلى مفاصل القضية، التي وصلت للدائرة القانونية في منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) للترافع عن الطفلين، تبين أن أحدهما مصاب بمرض مزمن بحاجة لعلاج مكلف أسبوعياً، وليس لديه القدرة على دفع تكلفة العلاج، إذ تعاني عائلته من انعدام الحالة المادية، لذا قام بسرقة الصندوق، وبمشاركة رفيقه.
وقتها؛ أمسك شيخ المسجد بالطفلين، ليتواصل، وبشكل قانوني، مع الجهات الأمنية للمباشرة في عمل الإجراء المناسب. دون الالتفات لقصتهما في البداية، أو الدوافع النفسية، والاجتماعية، والسلوكية التي جعلت من هذين الطفلين جانحين “بعين القانون” وبعض الناس!
ومن ناحية أخرى، فالسرقة مرفوضة كمبدأ أخلاقي وإنساني، وتستوجب على مرتكبها العقوبة. ومهما بلغت بالإنسان، فهي لا تبرر ممارستها. إلا أن هناك حالات كثيرة قد تجد تعاطفاً وتسامحاً كبيرين حين تسمع قصتها التي تكون، في كثير من الأحيان، خارجة عن إرادة أصحابها. وهو ما حدث فعلاً مع الطفلين بعد أن قام المحامي الموكل بالقضية، وبالوساطة القانونية، بشرح حالة الطفل المريض لشيخ المسجد، وأن السرقة كانت بدافع تكلفة مصاريف العلاج، لا شيء آخر، إلى أن تنازل عن حقه الشخصي.
لكن، كما هو معلوم، ففي هذه القضايا، وحتى لو تم التنازل الشخصي (الذي يعد سبباً مخففاً تقديراً) يبقى الحق العام. إلا أنه وبعد استكمال إجراءات التقاضي، أصدرت المحكمة قرارها بإدانة الحدثين بجرم السرقة المشددة والحكم بوضعهما في دار تربية وتأهيل الأحداث لمدة سنة، ونظراً لظروف القضية ولاعتراف الحدثين والتماسهما رحمة المحكمة، قررت المحكمة تخفيف الحكم الصادر بحقهما ووقف تنفيذه والاكتفاء بلوم الحدثين وتوبيخهما على أن لا يعودا إلى تكرار الجرم مرة أخرى، استناداً لقانون الأحداث والذي نص على هذا النوع من الاجراءات كإجراء بديل عن التوقيف.
تكمن الجزئية الأهم في هذه القضية في استيعاب السبب الكامن وراء السرقة، ما يعني أننا أمام مشكلة كبيرة تواجه أطفالنا وعائلاتنا، تتمثل بغياب الحماية الاجتماعية، وعدم تقديم خدمات صحية، وتعليمية، ومادية كافية تعينهم على العيش. الأمر إذاً هو أننا بحاجة إلى هيئات قضائية مؤهلة للتعامل مع الأحداث وقضاياهم بما ينسجم مع العدالة الإصلاحية، ومن منظور اجتماعي، ونفسي، وإصلاحي شامل، مع مراعاة مصلحة الطفل الفضلى. فضلاً عن استحداث نظام تسوية قضايا الأحداث لدى الجهات الأمنية والقضائية المختلفة بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني، خصوصاً في حالة المخالفات والجنح الصلحية البسيطة. وأيضاً، نحن بحاجة إستراتيجيات وطنية لتوعية الأسر بآليات التفاعل مع أطفالهم الذين قد يقعون ضحية ظروف إنسانية أو اجتماعية صعبة تدفعهم لارتكاب الجنح، دون التفكير بالعواقب.
هذه القصص هي جزء من أنشطة مشروع تعزيز بيئة الحماية للأطفال الأردنيين والسوريين والذي ينفذ بالشراكة مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). و يهدف المشروع إلى المساهمة في تعزيز البيئة الوقائية للفتيان والفتيات السوريين والأردنيين المعرضين للخطر بمن فيهم الأطفال من ذوي الإعاقة الذين يعيشون في المجتمعات الأكثر ضعفًا وتضررًا من جائحة كوفيد-19، وذلك من خلال توفير الخدمات القانونية والدعم النقدي لهم.