لو لم يكن مؤمناً بسمو رسالته القانونية والإنسانية، ومثابرته بحثاً عن العدالة والإنصاف، لما واصل وسهر المحامي سامر حمامة، من فريق منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، الليل بالنهار ليعفي فتاة يافعة من السجن في مركز تأهيل الأحداث لسنوات ثلاث، كان يمكن لها أن تقضي على مستقبلها وتتركها كشراع مكسور في مواجهة أعاصير الحياة.
لم تتجاوز الفتاة الخامسة عشرة من عمرها عندما وقعت في مشكلة قانونية “عويصة”، فوجدت نفسها رسمياً أمام القضاء بشهادة الزور، وعقوبتها القانونية ثلاث سنوات.
وتعود القصة إلى فتاة تعيش في منطقة الرصيفة، وطالبة في الصف الأول ثانوي، دخلت في علاقة غرامية مع أحد الأشخاص، وكانت تعاني من تفكك أسري، وباتت تخرج معه وتواعده، وفي إحدى المرات أخبرت أهلها أنها تريد الذهاب إلى منزل صديقتها، وتواصلت مع ذلك الشخص عبر هاتف أخيها، ولظروف ما، ولأنها شعرت أنه لا يحبها ولا يريد أن يتزوجها، فتقدمت بشكوى أمام مدعي عام الرصيفة بحق الشخص تتهمه فيها بهتك عرضها. وأحال وقتها، مدعي عام الرصيفة، القضية حسب الاختصاص القانوني إلى مدعي عام الجنايات الكبرى، لاستكمال التحقيق، حيث أن النظر في جرائم هتك العرض هي من اختصاص مدعي عام الجنايات الكبرى. لتعود المشتكية بعدها للتراجع عن ادعائها أمام مدعي عام الجنايات الكبرى، حيث أفادت أنه لم يقع عليها أي اعتداء، معللة شكواها بأنها أحبته لكنه لم يحبها ولم يرد أن يتزوجها و”أنني كذبت أمام مدعي عام الرصيفة بشهادتي ولا أستطيع الاستمرار بالكذب” حسب قولها.
يقول حمامة: “إن مدعي عام الجنايات الكبرى، وبعد الاستماع لشهادة المشتكية الجديدة وتراجعها عن اتهامها، تم إسناد جرم شهادة الزور لها وإحالتها مباشرة إلى مدعي عام الأحداث، حيث أنها لم تقم بحضور الجلسات وحوكمت غيابياً وصدر قرار الحكم بوضعها بدار تأهيل الفتيات لمدة 3 سنوات عن جرم شهادة الزور. من حسن حظ هذه الفتاة أنها راجعت منظمة النهضة العربية (أرض) لمتابعة قضيتها، فبادر المحامي بتقديم اعتراض على الحكم، وبعد استكمال إجراءات التقاضي صدر قرار محكمة الأحداث بتخفيف الحكم بوضعها بدار تأهيل الفتيات لسنة بدلاً من ثلاث. لم يكتف المحامي بهذه النتيجة، خاصة وأن اليافعة تجهل القانون هي وأهلها، وأن مستقبلها على المحك، فبادر المحامي إلى الاستئناف على قرار الحبس لمدة عام، ليصدر قرار قطعي بإعفاء الفتاة من العقوبة كاملة والتي كانت حكمت بها ومدتها سنة.
لكن كيف تم إعفاء الفتاة المحكومة بعام من السجن؟ يوضح حمامة “أن لائحة الاستئناف التي قدمناها، استندت إلى وجود نقطة قانونية في صالح المستفيدة، إلا أن محكمة الجنايات الكبرى ومدعي عام الأحداث ومحكمة جنايات الأحداث، قد غفلوا عن هذه النقطة، ولم يأخذوا بها”. ويزيد موضحاً “كان يتوجب إعفاء الفتاة من العقوبة بالجرم المسند اليها، وهو شهادة الزور، وذلك استناداً إلى نص المادة 215 من قانون العقوبات الأردني، القاضي بأن: يُعفى من العقوبة رقم 1 الشاهد الذي أدى الشهادة أثناء تحقيق جزئي إذا رجع عن الإفادة الكاذبة قبل أن يختتم التحقيق ويقدم إخبار في حقه، كما يعفى من العقوبة الشاهد الذي شهد في أي محاكمة إذا رجع عن شهادته الكاذبة قبل أي حكم في أساس الدعوى ولو غير مبرم”.وقد أصدرت محكمة الاستئناف قرارها بأن حالتي الإعفاء المنصوص عليهما بالمادة 215 من قانون العقوبات قد تحققت كما ذكر المحامي في استئنافه، وتكون واجبة التطبيق في هذه الحالة، والحكم بإعفاء الفتاة من العقوبة، واكتسب الحكم الدرجة القطعية.
فيما تعدينا قصة هذه الفتاة، إلى ضرورة رفع الوعي القانوني لدى الأحداث، في ظل عدم إدراكهم لخطورة ارتكاب الجريمة، سواء جنايات أو جنح، وما يترتب عليها من أبعاد وآثار مختلفة، الأمر الذي يجب تسليط الضوء عليه في المدارس والإعلام، مع أهمية تزويدهم بالمعلومات والحقائق التي تترتب عليهم في حال قاموا بمشكلات يعاقب عليها القانون.
يقول حمامة: “واجب المحامي أن يقدم الدعم للناس كافة، من حيث القانون المهني والواجب الإنساني”، وهو يدرك من خلال خبرته التي تمتد على مدى 20 عاماً، منها ست سنوات في الفريق القانوني للنهضة العربية (أرض)، أنه “يجب أن يكون لدى المحامي إيمان قوي بالقيم الذي يقدمها” بحسبه.
بالمحصلة؛ ينصح حمامة المحامين الجدد، بأن تكون “رسالة المحاماة إنسانية بصورة أساسية، وليست فقط وظيفة وهذا أهم شيء، وأن يكون لديهم إيمان مطلق بدورهم، وليس فقط الأجر أو الراتب، فهذا عمل إنساني أولاً يجب أن تؤمن به بكل ضميرك”.