بقلم إيلون غرانستون، متدرب في مركز النهضة الفكري
هناك أشياء قليلة أكثر ضرراً على المجتمع من النشاط الإجرامي. يخشى الناس على سلامتهم، ويشككون في محيطهم، ويفقدون الثقة في المؤسسات التي تهدف إلى حمايتهم. ولكن في الوقت نفسه، هناك أشياء قليلة أكثر تهديداً للحرية الفردية من السلطة القانونية التي تتمتع بها الحكومة لحبس الناس في السجن. علاوة على ذلك؛ لا يتم ارتكاب الجرائم على قدم المساواة. فليست كل جريمة تستحق السجن. لكن كل جريمة لا تستحق العفو الشامل.
وهذه الفكرة هي التي تشكل أساس أحد المبادئ الأساسية لاستراتيجية الحكومة الأردنية الجديدة لقطاع العدالة للأعوام 2022-2026. وتقوم الاستراتيجية الجديدة على خمس ركائز أساسية: تطوير إجراءات التقاضي؛ وتطوير الهيئات القضائية؛ وتسهيل الوصول إلى العدالة؛ وتطوير البنية التحتية؛ وتحديث التشريعات.
وفي حين أن الحكومة خطت خطوات كبيرة في العديد من هذه المجالات منذ إعلان الاستراتيجية، إلا أن هناك مجالاً واحداً يبرز على وجه الخصوص. ومن الأهداف الفرعية للركيزة الأولى تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، والتي تتضمن مشاريع للتوسع في تنفيذ بدائل الاحتجاز.
في الأردن؛ تتخذ هذه البدائل في كثير من الأحيان شكل برامج إعادة التأهيل السلوكي، ومتطلبات الخدمة المجتمعية، وحظر السفر، والمراقبة الإلكترونية بدلاً من أحكام السجن في الجرائم الأقل خطورة. وفي عام 2022، أصدر القضاة في الأردن ما مجموعه 4193 حكماً بالعقوبات البديلة، بما في ذلك الحكم على 1400 مخالف لأول مرة بخدمة المجتمع. وفي حين لا توجد بيانات كاملة حتى الآن عن عدد الأشخاص المحكوم عليهم بعقوبات بديلة في عام 2023، إلا أن هناك بيانات محدودة تشير إلى استمرار التركيز على هذه البدائل. على سبيل المثال؛ أصدرت المحاكم في أيار/مايو 300 حكم بديل للمتهمين.
لقد ثبت أن مثل هذه البدائل تفيد المجتمع وتوفر العديد من المزايا مقارنة بحبس كل مجرم. ومقارنة بالحبس في السجن، فإن العقوبات المجتمعية ليست أرخص فحسب؛ بل إنها أكثر احتمالاً لردع الجرائم في المستقبل دون أي من الآثار الأخرى الضارة اجتماعياً التي يفرضها السجن.
يتم تخفيف العديد من الأسباب المؤكَّدة للجريمة بما في ذلك النشأة في أسرة يرأسها (أو يرعاها) والد وحيد (أو والدة وحيدة، والفقر، وأصدقاء السوء من خلال هذه العقوبات البديلة، بينما تتفاقم بشكل مباشر بسبب السجن. على سبيل المثال؛ إذا كان رجل مسجوناً، فقد تفقد أسرته جزءاً من أو كامل دخلها السابق، وسينشأ أطفاله في أسرة ذات والد واحد، وسيقتصر اتصاله في المقام الأول مع المجرمين الآخرين أثناء وجوده في السجن، وجميعها لا تزيد من احتمالية ارتكابه الجرائم في المستقبل فحسب؛ بل من احتمالية ارتكاب الآخرين لها أيضاً.
تقدم الولايات المتحدة حالياً “دراسة حالة” رائعة حول الضرر الذي يلحق بالمجتمع عندما لا يتم استخدام هذه البدائل الفعالة للسجن بشكل كافٍ. ويتجلى فشل البلاد في تنفيذ البدائل المجتمعية للسجن بشكل صحيح في حقيقة أنها تعاني من أزمة السجن الجماعي. تحتفظ الولايات المتحدة حالياً بثاني أعلى عدد من نزلاء السجون في العالم، بما يقرب من 1.68 مليون شخص . علاوة على ذلك؛ فهي تسجن 716 شخصاً لكل 100 ألف ساكن ، وهو أعلى معدل في العالم وأكثر من خمسة أضعاف معظم الدول. وعلى النقيض من ذلك؛ يسجن الأردن 185 شخصاً فقط لكل 100 ألف مواطن، وهو رقم، رغم أنه لا يزال أعلى من العديد من البلدان، إلا أنه أقل بنحو أربع مرات من معدل السجن في الولايات المتحدة.
على الرغم من ارتفاع معدلات السجن في الولايات المتحدة، إلا أن الجريمة لا تزال منتشرة في جميع أنحاء البلاد. وذلك لأن هذه المستويات المرتفعة من السجن لا تقلل من معدلات الجريمة، بل تساهم في زيادة الإجرام، غالباً من خلال العودة الجريمة. في الولايات المتحدة، 70% من السجناء سوف يعودون إلى ارتكاب الجرائم مرة أخرى في غضون 5 سنوات، وهو معدل العودة إلى الجريمة الذي تشير الدراسات إلى أنه سيكون أقل في مواجهة البدائل المجتمعية المنفذة بشكل صحيح، مثل تلك التي تبنتها الحكومة الأردنية.
وبالتالي؛ فإن الإصلاحات الأخيرة التي أجرتها الحكومة الأردنية على قانون أصول المحاكمات الجزائية توفر تقدماً كبيراً ومطلوباً بشدة في إصلاح العدالة الجنائية. فهي لا تزيد من الحرية الفردية من خلال فرض عقوبات أشد على الجرائم الأكثر فظاعة فحسب، بل سيكون لها أيضاً تأثير أكثر إيجابية وطويل الأمد على المجتمع الأردني مع تجنب آثار الإفراط في السجن. وينبغي لنا أن نتشجع أكثر من اللقاء الأخير الذي عقده جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين مع رئيس المجلس القضائي محمد غازو، والذي أكد فيه الملك عبد الله على أهمية الاستمرار في توسيع نطاق تطبيق العقوبات البديلة في الأردن.