بقلم ماريا ديل مار لوجرونو ناربونا، مستشارة أولى في منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)
فشل القائمون على منتدى دافوس مجدداً في الاعتراف بعجز النموذج الحالي عن التصدي للتحديات الراهنة التي تواجه العالم، إذ ركز المؤتمر المنعقد تحت عنوان “التعاون في عالم مجزّأ”، على تأثير الانقسامات السياسية على الاقتصاد العالمي بدلاً من التركيز على التفكك الاجتماعي والاقتصادي الذي تتركه السياسات المالية الحالية أو التغير المناخي على السكان في جميع أنحاء العالم، وقد كنا نتوقع أن تترافق مع مثل هذا العنوان الهام رؤية متعمقة في مغزاه أكثر.
ألقى تقرير أوكسفام حول اللامساواة الظل على منتدى دافوس موضحاً أن ما نسبته واحد بالمئة من أغنى البشر تستحوذ على ما يقارب ضعف حصة باقي العالم (99%) من الثروة المتراكمة منذ 2020. (أوكسفام 2023). وبالمثل، حذر ناشطون في مجال التغير المناخي مرة أخرى من أننا نتجه نحو تدمير الذات مع غياب اتخاذ إجراءات عاجلة وثابتة حيال هذه القضية، وذكّرونا بأن التغير المناخي يُهدد بالفعل الفئات السكانية الأشد ضعفاً وتأثراً، إلى حد سلط فيه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الضوء على التغير المناخي باعتباره “تحدياً وجودياً” خلال تأملٍ حمل طابعاً تشاؤمياً عاماً في وضع العالم الراهن، بما في ذلك اتساع نطاق اللامساواة، وأزمة تكاليف المعيشة، والآثار التي خلفتها جائحة كوفيد-19، وتعطل سلاسل الإمداد وغيرها من الأمور.
ومع ذلك، فقد انتهى دافوس كما بدأ؛ أي بكونه اجتماعاً نخبوياً لخدمة أغراض ذاتية. وكما كشف عدد من المفكرين المستقلين حول العالم في مقالات رأي صدرت في الأيام السابقة، فإن هذا المنتدى مخصص لأثرياء العالم، وعلى الرغم من أنه يدّعي الاهتمام بالتنمية بالبشرية، إلا أن هؤلاء الأثرياء يناقشون سبل زيادة أرباحهم، وطرق تشكيل الأمم لخدمة أهدافهم. وقد ذهب بعض النقاد إلى حدّ القول بأن دافوس “كان… وما يزال دائرة فاسدة من الحمقى”. (جيل أبرامسون، محررة سابقة في صحيفة نيويورك تايمز).
من وجهة نظر شرق أوسطية، كان الإدراك الأكثر إيلاماً هو رؤية التركيز المكثف على الدور الذي ينبغي أن تقوم به الحكومات في دعم دولة واحدة ونزاع واحد، والذي تناسى تضرّر العديد من البلدان في العالم، بما فيها اليمن وليبيا وسوريا في الشرق الأوسط، منذ سنوات جراء النزاعات المدمرة، واستحقاقها الاهتمام أيضًا. علاوة على ذلك، جرت محادثات صريحة حول توريد الأسلحة، ورفع التأهب العسكري، وطرود المساعدات الكبيرة لأوكرانيا دون اعتبار لجهود بناء السلام ومحاربة تجارة الأسلحة العالمية المزدهرة.
ومن المثير للإحباط وإن لم يكن مستغرباً بأي حال من الأحوال، حقيقة عدم الإتيان على ذكر الثمن الناجم عن الاحتلال الإسرائيلي، أو الثمن الاجتماعي لبرامج المساعدات الكبيرة والتي، في ظل عدم وجود إجراءات لتخفيف الديون في الأفق، تُهدد البلدان النامية والفقيرة الآن بالتخلف الشديد عن سداد ديونها وقدرتها على تلبية التزاماتها تجاه مواطنيها، ما يؤدي في النهاية إلى خطر حدوث اضطرابات داخلية فيها.
كما هو الحال في أماكن أخرى حول العالم، فإن الحكومات في العالم العربي ليست مستعدة أو قادرة على قمع جماعات الضغط المالية المتنفّذة، سواء أكانت شركات عبر وطنية أم بنوكاً أم مؤسسات مالية دولية؛ ما يعني أن يجد المواطنون العاديون في المنطقة أنفسهم في مواجهة تهديد حقيقي لأي محاولات تسعى إلى بناء مؤسسات وعمليات ديمقراطية، إذ تحوّل المصالح الاقتصادية لفئة قليلة البلدان إلى مصدر للعمالة الرخيصة مع تدهور تدريجي وثابت لأنظمة حماية الطبقة العاملة.
تتحكم المصالح الذاتية الأنانية لفئة القلّة المذكورة آنفاً بسياسات بلدان بأكملها، وليست القيم الإنسانية وأهداف التنمية التي تسعى إلى ضمان مستويات معيشة أفضل للناس هي المتحكمة في ذلك. وكما صرحت الناشطة المناخية غريتا ثانبيرغ فيما يتعلق بالعمل المناخي: “من غير المرجح أن تأتي التغييرات التي نحتاجها من الداخل (من اجتماع دافوس)، بل أعتقد أنها ستأتي من القاعدة للقمة. دون ضغط شعبي كبير من الخارج، على الأقل من واقع تجربتي، فإن هؤلاء الأشخاص سيذهبون إلى أبعد مدى ممكن؛ فطالما بإمكانهم الإفلات بفعلتهم، فإنهم سوف يستمرون في الاستثمار في الوقود الأحفوري ويواصلون التضحية بالناس من أجل تحقيق مكاسبهم الخاصة”.