بقلم جلال أبو صالح
هل يكون اختلاف المستوى الفكري والتعليمي بين الأزواج، سبباً في حدوث الطلاق؟ لعل هذا التساؤل قد يقارب الصواب في حالات زواج معينة، ويبتعد في حالات أخرى.
فمسألة تقارب الزوجين في الأفكار والثقافة والتعليم، والتي تعد من أسس التكافؤ الزوجي، تعود بالجانب الأول إلى الحالة النفسية للزوجين، والقدرة على مواصلة الحياة الزوجية دون نشوب خلافات أو قوع الطلاق.
إذن؛ فإن الأمور نسبية في هذا السياق، فقد يرى البعض في هذا الاختلاف ركيزة أساسية في تجسير العلاقة والتفاهمات الزوجية الجديدة، وتوليد أفكار متنوعة ومختلفة تغني الحياة الزوجية وتعززها، وآخرون قد يجدون أن حياتهم أصبحت سلسلة متصلة من الشجار والشقاق ولا يمكن مواصلتها بهذه الطريقة.
تسهم العلاقات الزوجية السعيدة في تكوين أسر قوية، وبالتالي مجتمع قادر على تغيير مسار المستقبل نحو الأفضل. لكن الاختلاف الثقافي أو الدراسي أو الفكري بين الزوجين قد يتسبب بحياة “تعيسة” تؤدي لوقوع الطلاق، ما يؤكد على ضرورة مراعاة هذه العوامل عند الإقبال على الزواج.
ولعل هذا بالذات، ما حصل بين فتاة (25 عاماً) وزوجها عندما اتفقا ببداية زواجهما على تأخير إنجاب الأطفال لحين إنهاء الزوج دراسة (الطب) ودفع الالتزامات المادية المترتبة عليه، ليصار لهما بعد ذلك التخطيط للإنجاب، فوافقت الزوجة دون تردد.
واستمر اتفاق الزوجة والتي آثرت على البقاء مع زوجها في الأردن، عندما سافرت عائلتها خارج البلاد خمس سنوات، أي بعد أن أنهى الأخير مسألة التخصص كطبيب جراح وبدأ بمزاولة المهنة.
عادت الزوجة، والتي تحمل درجة الدبلوم، وضمن الاتفاق مع زوجها، بطلب الإنجاب، وما كان من الزوج إلا الرفض الشديد والإخلال بكلامه، حتى وصل الأمر به إلى طرد زوجته من البيت، قائلاً لها: “واضح أنه أنا وياك ما في بينا تفاهم أبداً، ولا بعمرنا راح نلتقي على نقطة تفاهم، والبعد كبير بين فكري وفكرك ومستواي ومستواك”.
أصيبت الزوجة بـ “الصدمة والخذلان والحزن”، وحمّلت نفسها مسؤولية الفشل بعد خمس سنوات من الصبر والتحمل، وشعرت في داخلها أنها مقصرة وأنها لا (تستاهل) زواجها، للفرق العلمي والثقافي بينهما.
ذهبت الزوجة والتي تأزمت حالتها النفسية جداً بالواقعة، إلى شقيقتها الجامعية وأقامت معها في مكان سكنها. وبعد شهر من المشكلة توصلت شقيقتها إلى دائرة المساعدة القانونية في منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، والتي احتضنتها وقدمت لها الدعم النفسي والقانوني.
وكأولوية؛ بينت الدائرة القانونية للزوجة ما لها وما عليها، لكونها كانت في حالة “استسلام” ولم تطلب من زوجها حقوقها وتنتظر المجهول، لتفهم فيما بعد حقوقها القانونية، وتحصل على نفقة شهرية بملغ 180 دينار.
فيما نصت المادة 59 من قانون الأحوال الشخصية على أن “نفقة كل إنسان في ماله إلا الزوجة فنفتها على زوجها ولو كانت موسرة”.
حصول الزوجة على حقها بالقانون أحدث فارقاً في حياتها وعقليتها ونفسيتها، وعزز لديها الشعور بالانتصار واسترجاع حقوقها وعدم الاستسلام للحياة، لتكمل بعدها برفع قضية تفريق “شقاق ونزاع” على الزوج، وتحصل على جزء كبير من حقوقها، المسمى لها في قسيمة عقد زواجها من المهرين المعجل والمؤجل، الأمر الذي مكنها من استكمال دراستها.
وحدد قانون الأحوال الشخصية الأردني (لعام 2010) الحالات التي تُعد شقاقاً وتبرر طلب التفريق في المادة (126): “لأي من الزوجين أن يطلب التفريق للشقاق والنزاع إذا أدعى ضرراً لحق به من الطرف الآخر، يتعذر معه استمرار الحياة الزوجية، سواء كان الضرر حسياً كالإيذاء بالفعل أو بالقول، أو معنوياً، ويعتبر ضرراً معنوياً أي تصرف أو سلوك مشين أو مخل بالأخلاق الحميدة يُلحق بالطرف الآخر إساءة أدبية، وكذلك إصرار الطرف الآخر على الإخلال بالواجبات والحقوق الزوجية”.
حالة الفتاة تعيدنا هنا، إلى أهمية توفير التمكين النفسي والقانوني والفكري للنساء عندما تشتد المحن وتغلق الأبواب أمامهن، والالتفات إلى ضرورة تحقيق التقارب الثقافي على المستوين التعليمي والفكري بين الزوجين، ونشر التوعية بأهمية الاختيار المتوائم للشريكين، وضرورة عقد دورات توعية وإرشاد للمقبلين على الزواج تتضمن موضوعات حول الحقوق الزوجية والقضايا الاجتماعية.