الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

القيادة النسائية.. نهج تشاركي وتعاوني لا يستأثر بالسلطة

مشاركة

بقلم: إليونورا بانفي

مديرة الدراسات الجندرية في مركز النهضة الفكري

اتخذ مفهوم القيادة طبيعة متعددة الأوجه في الخطاب المعاصر المحيط به ليتحدى بذلك التعريفات الأحادية والمتجانسة، إذ يتجاوز مفاهيم السلطة والمنصب التقليدية، ويشمل عملية تأثير معقدة تنحو إلى تعبئة الأفراد أو الجماعات نحو تحقيق أهداف محددة أو تسهيل حدوث التغييرات الانتقالية. في الوقت الذي تتعدد فيه تعريفات القيادة وتتنوع، إلا أنها تتقارب في فرضية مركزية مفادها أن القيادة تنطوي على فعل التأثير على الآخرين في المقام الأول. ومن ناحية أخرى، غالبًا ما تتميز السمات البارزة للقيادة النسائية بلجوئها إلى استخدام النهج التشاركية والتعاونية.

تميل القيادات النسائية، في سعيها إلى تحقيق التقدم الجماعي، إلى الانحراف عن الهياكل الهرمية التقليدية، مع التركيز على اتباع الممارسات الشاملة ونهج المسؤولية المشتركة، ومن خلال تعزيز المشاركة النشطة وتقييم وجهات النظر المتنوعة، تنشئ هذه القيادات بيئة تمتاز بتشجيعها النمو الجماعي وتعزيز الابتكار.

وتكمن أهمية القيادة النسائية في قدرتها على تعزيز التعاون وتمكين الأفراد في مجالات نفوذهم، كما وتبتعد أساليب القيادة هذه عن المفاهيم التقليدية للتسلسل الهرمي للسلطة، وتتبنى أخلاقيات تميل إلى إحقاق المزيد من المساواة بين الأفراد. وبتسخير جوهر القيادة النسائية، نفتح عالمًا من الإمكانات يكون فيه للأصوات المتنوعة صداها، وتظهر فيه الإنجازات الجماعية بوصفها قوة دافعة نحو إحداث التغيير الانتقالي. مع استمرار التوسع والتطور في فهمنا للقيادة، أصبح من الضروري جدًا الاعتراف بمساهمات المرأة والاحتفاء بها، إذ تشكل نهجها الشاملة والتعاونية مستقبلًا أكثر إنصافًا وتقدمًا.

ولذلك، يمكن القول إن معظم التعريفات تتفق على انطواء القيادة على سعي الفرد إلى ممارسة التأثير على جماعات أو مجموعات من الأتباع، بغرض تحقيق أهداف محددة أو إحداث التغيير المنشود. تشير الأدبيات أيضًا إلى النهج والأساليب التي يحتاج القادة إلى تبنيها، ومن بين أمور أخرى، يمكننا دراسة أسلوبين متفردين للقيادة: أولهما النهج التقليدي، الذي عادة ما يرتبط بالقيادة الذكورية، والذي يتضمن اتخاذ القرارات وتقديم التوجيهات، وثانيهما، أسلوب القيادة الأكثر أنثوية والذي يتميز بالمبادئ الديمقراطية، ويهدف إلى توحيد الناس سعيًا إلى تحقيق هدف مشترك.

في الماضي، وفي عالم كان يعيش تحت هيمنة الذكور، غالبًا ما كان يُنظر إلى الأسلوب الأنثوي للقيادة بوصفه أسلوبًا متأرجحًا وضعيفًا، الأمر الذي دفع النساء إلى تبني سلوكيات أكثر ذكورية، كما شاع الاعتقاد القائل بوجوب محاكاة النساء في مناصب السلطة خصائص الذكور من أجل الوصول إلى امتيازات النظام الذكوري وسلطته. ومع ذلك، توضح الأدلة المعاصرة، التي تجسدها العديد من النساء المتميزات اللواتي يشغلن مناصب رفيعة المستوى، مرور القيادة النسائية بتحولات أدت إلى ظهور أسلوب متميز وبديل. قادنا هذا الإدراك إلى التفكير في البيئة الصعبة التي يجب على المرأة أن تتنقل فيها للوصول إلى مناصب السلطة في عالم يسيطر عليه الذكور، ما يثير التساؤلات حول التوقعات والسلوكيات التي تضطر المرأة إلى تبنيها من أجل إنشاء أدوارها القيادية والحفاظ عليها.

ولذلك، يمكن لنا أن نتساْل: هل ما تزال المرأة تواجه تلك التوقعات التي تطلب إليها التصرف بسلوك ذكوري؟ أم هل يمكن للنساء تبني سلوكياتهن الأنثوية مع اكتساب احترام أقرانهن في ذات الوقت؟

يتسم المشهد الحالي بتغير الزمن وتطور السياقات واختلافها، فيظهر اتجاه ملحوظ يتمثل في تزايد وجود المرأة التي تتولى أدوارًا قيادية داخل مجتمعها، ما يعني انخراط النساء الفاعل مع صانعي السياسات المحليين والوطنيين، الأمر الذي يضمن سماع أصواتهن وتأثيرهن على عمليات صنع القرار.

علاوة على ذلك، لا يعد التمييز بين أساليب القيادة الذكورية والأنثوية جوهريًا، وإنما يتمحور حول كونه مسألة اختلاف في وجهات النظر. ويمكن القول بامتداد القيادة إلى ما هو أبعد من ممارسة القوة أو السلطة، وميل الرجال إلى النظر إلى القيادة بوصفها إرشادًا وتوجيهًا، بينما تنظر إليها النساء على أنها وسيلة تسهل التعاون وتعززه. من الناحية العملية، تركز النساء في مناصب السلطة بشكل ملحوظ على إقامة العلاقات وتبادل الخبرات فيما يمثل رحلة جماعية تشمل الجميع، في حين يميل الرجال إلى إعطاء الأولوية للوفاء بالمسؤوليات وتحقيق الأهداف والانتصارات (سينكلير 2014). علاوة على ذلك، فإن القيادة هي ظاهرة علائقية، وخطابية وذاتية تظهر من خلال التفاعلات بين الأفراد.

ولذا، تمثل القيادة النسائية شكلًا مميزًا من أشكال القيادة يتميز بخصائص وأساليب محددة، وعبر التاريخ، كانت المرأة أقل نشاطًا في شغل المناصب القيادية الرسمية مقارنة بالرجل، إذ واجهت قيودًا مؤسسية، واجتماعية، واقتصادية وثقافية. ومع ذلك، فإن الزمن يتغير، ويتزايد الاعتراف بأن بمقدور المرأة المساهمة إلى حد كبير في شؤون المجتمع، بما في ذلك قضايا الأمن والتنمية والتقدم.

وفي الواقع، لا تقتصر القيادة النسائية على المناصب العليا، بل يمكن أن تمارسها النساء على مستويات مختلفة داخل المنظمات أو المجتمعات. وباستطاعة القيادة النسائية دعم المجموعات في مواجهة الواقع وقبول المسؤوليات، وخلق الفرص، وتشجيع القادة الطموحين على تعزيز التعلم الاجتماعي أو تقديم حل مستدام للمشاكل (تدريبات القيادة في المجتمعات). في هذه الحالات، من غير المرجح أن يتمتع القادة بالصراحة مع الآخرين وعادة ما يعملون في مجموعات (سينكلير 2012). تتكرر هذه الصور من القيادة في البيئات المجتمعية بصورة ملحوظة، حيث تتولى المرأة أدوارًا بارزة وتقدم التوجيه والدعم للنساء الأخريات أو أفراد المجتمع في جهودهم الرامية إلى دفع التغيير. ويمكن أن تشمل هذه المساعي نطاقًا واسعًا من المبادرات، مثل تقديم الخدمات الحيوية، أو الدعوة إلى الاعتراف بالحقوق وإعمالها. ولا يرتبط هذا النوع من النشاط بحقوق المرأة بالضرورة؛ بل تحاول المنظمات التي تقودها النساء توفير احتياجات المجتمع بأكمله. كما تواجه القيادات النسائية في كثير من الأحيان تحديات فريدة من نوعها، مثل مقاومة بعض الأعضاء لها، والنقص في  التمويل، والموازنة بين أدوارهن كنساء وقائدات. ولمواجهة هذه التحديات، فإنهن عادة ما يتبنين استراتيجيات كأساليب القيادة التعاونية. ولذلك، تتميز القيادة النسائية في تنمية المجتمع بنهج شمولي ينطلق من أسفل الهرم إلى أعلاه، وذلك على النقيض من النهج الذي ينطلق من أعلى الهرم إلى أسفله والذي عادة ما يرتبط بالقادة الذكور. وقد أثبت هذا النهج نجاحًا وتأثيرًا أكبر في مبادرات تنمية المجتمع (دودينج 2008).

لقد خاض علماء ما بعد الاستعمار، والنسويات والسكان الأصليون وغيرهم من المجموعات النسائية حوارًا واسع النطاق بشأن مبادئ التنظيم، خاصة في مجال التنمية الدولية والشبكات العابرة للحدود الوطنية، وقد تبين رفض النساء المنخرطات في التنظيم الهياكل الهرمية على الدوام، وتكريسهن الجهود لتعزيز العلاقات بين الأشخاص وتمكين الآخرين. علاوة على ذلك، تؤثر النساء منح الأولوية للإنجازات والمسؤوليات الجماعية على القيادة الفردية. (سينكلير 2014).

وفي المشهد الديناميكي الذي نعيشه اليوم، تشهد القيادات النسائية حقبة رائعة من الزمن تتسم بتفكيك الحواجز وتشكيل مسارات جديدة للأجيال القادمة. يمثل هذا الواقع فصلاً استثنائيًا في تاريخ القيادة النسائية، بما يشمل مجالات متنوعة مثل السياسة، والأعمال والمجتمع المدني. لقد خلقت المرأة المعاصرة بيئة توفر العديد من الإمكانيات والخيارات، وسواء أتولت أدوارًا قيادية في مجالس الإدارة، أو المجتمعات، أو الأسر، أو وسائل الإعلام، أو الشبكات الرقمية، تمتلك القيادات النسائية موهبة فطرية في إلهام الآخرين وتعزيز العلاقات الهادفة، وإن قدرتهن الأصيلة هي ما يشكل حجر الأساس في قيادة التغيير العميق وتحقيق نتائج مهمة ودائمة (مورغان، 2021).

عند دراسة القيادة النسائية في السياق المحدد للمنطقة العربية، يصبح من الواضح وجود عقبات كبيرة ما تزال قائمة في رحلة النساء نحو الوصول إلى مناصب السلطة والاحتفاظ بها، إذ ترى العقلية الثقافية السائدة في العالم العربي أن القيادة مجال ذكوري بطبيعته، ما يؤدي إلى إدامة التحيز بين الجنسين وإعاقة تقدم المرأة. وعلى الرغم من المبادرات الملحوظة التي تم اتخاذها في السنوات الأخيرة لتعزيز المساواة بين الجنسين وتوسيع الفرص المتاحة للمرأة في تبوء المناصب القيادية، ما يزال تمثيل المرأة في مثل هذه الأدوار، وخاصة في المجال السياسي، يعاني من محدوديته. ومن الملاحظ زيادة احتمال أن تشغل النساء مناصب قيادية في المجالات المرتبطة تقليديًا بالأنوثة، بما في ذلك التعليم والصحة والأدوار الدينية، حيث يجدن أنفسهن بين نظيراتهن من الإناث. تعكس هذه الظروف السياق الاجتماعي والثقافي الأوسع الذي يتم من خلاله فهم القيادة النسائية وتجربتها في المنطقة العربية.

تُبذل الجهود لمواجهة هذه التحديات وتعزيز القيادة النسائية في العالم العربي، فنفذت بعض البلدان سياسات ومبادرات لتعزيز المساواة بين الجنسين، بما في ذلك إقرار حصص تمثيل المرأة (الكوتا) في هيئات صنع القرار، أما الناشطون ومنظمات حقوق المرأة، فيعملون بلا كلل لتحدي الأعراف المجتمعية والدعوة إلى تكافؤ الفرص المتاحة للمرأة من حيث توليها زمام القيادة.

ومن الأهمية بمكان أن ندرك الإمكانات والمساهمات الهائلة للمرأة في مجال القيادة، لا في البيئات النسائية وحسب ولكن في جميع القطاعات والصناعات. إن إدراج أصوات النساء ووجهات نظرهن في عمليات صنع القرار أمر حيوي لتحقيق قيادة أكثر توازنًا وفعالية. ومن خلال كسر الحواجز، وتحدي الصور النمطية، وتوفير الفرص المتساوية، تستطيع المنطقة العربية تسخير الإمكانات الكاملة للقيادة النسائية وإنشاء مجتمع أكثر شمولًا وتقدمًا.

وبينما نواصل سعينا لتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، فمن الضروري دعم أصوات القيادات النسائية العربية وتضخيمها، والاحتفال بإنجازاتها، والدعوة إلى تغييرات منهجية تعزز تكافؤ الفرص للجميع.