بقلم فرانشيسكا ألبانيز
حظي المؤتمر الدولي لدعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” الذي عُقد مؤخراً في بروكسيل في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2021 برئاسة مشتركة من كلا الأردن والسويد، تغطية إعلامية بارزة، بما في ذلك في المنطقة العربية. وبشكل عام، لطالما كانت المؤتمرات الدولية بالنسبة للوكالة بمثابة فرصة لتقييم التحديات العالمية التي تواجهها الأونروا وحصرها والتغلب عليها بطريقة استراتيجية؛ ومن ثم تنسيق الموارد وفقاً لذلك. وكان بإمكان مؤتمر هذا العام (الذي أُعلن عنه بداية العام الماضي ومن ثم تم تأجيله عدة مرات) أن يكون مؤتمراً استراتيجياً للغاية؛ وذلك لسبب بسيط ألا وهو أن وجود الأونروا، وكذلك وضع اللاجئين الفلسطينيين والقضية الفلسطينية الأوسع نطاقاً، قد وصل إلى مرحلة حرجة للغاية. ولسوء الحظ، فقد أضاعت وكالة الأونروا فرصة تفرض نفسها مرة واحدة فقط كل عقدٍ أو نحو ذلك لتتأمل بشكل هادف في ولايتها وتوجهها الاستراتيجي كما في مؤتمر جنيف لعام 2004. إلا أن المؤتمر، وبعكس التوقعات أو بحكم الضرورة، كان في الأساس مؤتمراً آخر تعهد بحشد الأموال للأونروا لتتجاوز أزمتها المالية المتكررة (إذ تعاني الأونروا من عجز في الموازنة يبلغ نحو 100 مليون دولار في 2021) والمضي قُدماً نحو تمويل “أكثر ضماناً واستدامة” للسنوات المقبلة.
وقد ركز المؤتمر على التأكد من تلبية الاحتياجات المالية للأونروا. فيما لم يُتح المجال للاطلاع رؤية الأونروا المستقبلية أو إجراء تحليل سياقي سياسي مناسب أو استعراض استراتيجية للمستقبل. وأكد المؤتمر على اعتبار المانحين الوكالة أداة لإدارة مسألة اللاجئين والحالات الطارئة ذات الصلة بدلاً من الانخراط في خطاب سياسي فيما يتعلق بنهج أكثر جرأة للحماية والحلول العادلة والمستدامة. وعلاوة على ذلك، لم يؤتَ على ذكر نظام الاستعمار الاستيطاني الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة ولو حتى مرة واحدة. باختصار، بقيت الأمور على ما هي عليه.
بدأ المؤتمر بعرض فيديو (من إعداد الأونروا) لأطفال في غزة يدعو إلى التعليم وسط الأنقاض. ومن ثم تحدث المفوض العام لوكالة الأونروا فيليب لازاريني باستفاضة عن “رؤية واستراتيجية الأونروا”؛ حيث شدد على التزامها بالتعليم والتحديث والرقمنة، فضلاً عن التأكيد على الوضع المالي الحرج للأونروا. هذا وقد شدد بصورة مؤثرة على ضرورة ألا تتذرع الأطراف المختلفة بانتهاك الحيادية أو التسييس المزعوم للاجئي فلسطين لغايات إضعاف الوكالة. ودعم نائب المفوض العام كلمات لازاريني بالتشديد على دور الأونروا باعتبارها جهة إنسانية فاعلة ضرورية وسط السياق الإنساني (الإقليمي) الصعب.
وتمحور المؤتمر من بدايته لنهايته على ضمان توفير الدعم لتغطية التكاليف التشغيلية الأساسية للأونروا (بما في ذلك الـمائة مليون دولار التي تحتاجها الوكالة حتى نهاية عام 2021). كما تم التوافق إلى حد كبير على الاعتراف بحاجة الأونروا إلى تمويل مضمون من خلال اتفاقيات متعددة السنوات، إلا أن الغموض الذي يكتنف التعهدات لا يزال يفرض مشكلة؛ إذ تعهدت الدول الأعضاء بمنح ما مجموعة 38 مليون دولار كمساهمات جديدة للفترة المتبقية من عام 2021، لتبقى الأونروا بحاجة إلى قرابة 60 مليون دولار للوفاء بالتزاماتها المالية حتى نهاية هذا العام. وعليه، فإن المؤتمر وللأسف لم يحقق النجاح المأمول.
سجل المؤتمر عدداً جيدا للحضور من كلا البلدان المضيفة والجهات المانحة من كافة أنحاء العالم، مع غياب جهات فاعلة مؤثرة مثل الصين والمملكة العربية السعودية. هذا وبدت تصريحات معظم الحضور مكررة مع تركيز محدود للغاية على حقوق اللاجئين بعيداً عن حالات الطوارئ الإنسانية (بالرغم من أن بعض الدول أتت على ذكر حق العودة). وتم الاعتراف بضرورة توفير “تمويل مضمون/اتفاقيات متعددة السنوات”، إلا أن التركيز تمحور إلى حد كبير على حماية الأونروا باعتبارها “عامل استقرار في المنطقة” وأداة لتقديم “الدعم الإنساني” للاجئين”. وفيما يبدو فإن الرسالة الضمنية تمثلت في أن دعم الجهات المانحة للأونروا يعتمد بشكل أساسي على التزام الوكالة بمسارها وعدم “إثارة المشاكل” وزعزعة الوضع الراهن. وكان التزام الاتحاد الأوروبي والآخرين قوياً فيما يتعلق بتقاسم الأعباء وإجراء الإصلاحات، مع تشديد ممثل الأمم المتحدة والدول الأعضاء المرة تلو الأخرى على ضرورة دعم الأونروا كجزء من دعمهم لحل الدولتين. وعلاوة على ذلك، كان تأكيد الولايات المتحدة على تجديد دعمها للأونروا جلياً، إلا أنها عزت الأزمة المالية التي تمر بها الأونروا إلى “نموذج أعمال الأونروا غير المستدام” كما لو كانت الأونروا عملاً اعتيادياً وليست وكالة تابعة للأمم المتحدة تتعامل مع أكبر وأطول أزمة للاجئين منذ الحرب العالمية الثانية.
وكما ذكرتُ مسبقاً، فإن طريقة عمل الأونروا غير المستدامة ترجع إلى غياب حل سياسي للأسباب الجذرية لقضية اللاجئين الفلسطينيين، في الوقت الذي يستمر فيه نمو أعداد اللاجئين وتعرض الجزء الأكبر من المناطق التي تعمل فيها الأونروا لأزمات عميقة. ولن يتغير هذا إلا إذا تجرأ أحدهم على تسمية الوضع كما هو: حالة اقتصادية غير مستدامة وكارثة إنسانية من صنع الإنسان تجعل من شبه المستحيل حماية اللاجئين والفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال. ويحصل هذا كله في الوقت الذي تتقدم فيه دول الاحتلال بخططها “الاستيطانية” – بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان مع إبقاء ملايين المدنيين أسرى – بينما أصبح الأخرون، مثل أولئك الذين يحاولون المقاومة واللاجئين في البلدان المضيفة، مغيّبين تماماً سياسياً وباتوا بشكل متزايد هدفاً لحرب قانونية علنية. الوضع الراهن يتطلب حوارات جادة تتطلع للمستقبل إزاء وضع الأونروا واللاجئين الفلسطينيين.
وبلا شك، حقق المؤتمر تطوراً إيجابياً بدعوة عدد من منظمات المجتمع الدولي لـ”الاستماع” لأول مرة، وتحديداً منظمة النهضة العربية للديمقراطية والنهضة “أرض”، والشبكة (شبكة السياسات الفلسطينية)، وبادل، وماس (معهد أبحاث السياسية الاقتصادية الفلسطينية)، وبال ثينك للدراسات الاستراتيجية، ومؤسسة التعاون (التي تعمل مع الأونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان)؛ وشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية المكونة من 302 منظمة غير حكومية. وبالرغم من عدم تمكنها من التدخل، إلا أن هذه المشاركة تعتبر تطوراً هاماً لطالما نادت به منظمة النهضة “أرض” على وجه الخصوص. ونأمل أن تُمنح المنظمات غير الحكومية المعنية العاملة مع اللاجئين الفلسطينيين صوتاً أيضاً في المستقبل في فعاليات هامة كهذه.
وفي الختام، يسعدنا جميعاً حصول الأونروا على دعم مالي جديد (أو تعهدات به) للسنوات المقبلة. ومع ذلك، لا بدّ من عقد نقاشات سياقية ضرورية حول الحاجة إلى ضمان حماية أكثر فعالية للفلسطينيين. سيكون للأونروا قدرة وفرص أكبر لخدمة ملايين اللاجئين الفلسطينيين بفعالية في اليوم الذي تتجاوز حدود الخدمات الإنسانية التي تقدمها إلى دور فاعل في إيجاد الحلول.