بقلم إيناس سليمي وربى أحمد
يبدو أن تعريف المواطنة المسؤولة -والذي يمكن تأطيره بمواطنين ذوي معرفة بأدوارهم في مجتمعاتهم ودولهم والعالم، بالإضافة إلى دورهم النشط في جعل العالم مكانًا أفضل للعيش- قد صار أكثر تحديدًا خلال جائحة الكورونا.
فالرسائل التي شاركتها المنظمات الدولية والحكومات والمواطنون لا جدال فيها، فببقائك في المنزل، يمكنك إنقاذ الأرواح. كما أن تداول مصطلح “تثبيت المنحنى” ما زال مستمرًا، مما قد يشير إلى أن جائحة الكورونا ستبلغ ذروتها ثم تنخفض إلى أن يتم السيطرة على الفيروس وهزيمته بالكامل بحلول شهر معين، شريطة أن يلتزم الأفراد بالتدابير المفروضة من قبل السلطات الوطنية، بحيث يتحمل كل مواطن مسؤولية الحد من انتشار الفيروس في بلده والعالم بأسره. في بعض الحالات، يتسع هذا التعريف ليشمل أولئك الذين اختاروا العمل كصنّاع للتغيير وعملوا على حشد التأييد والمناصرة لإحقاق العدالة الاجتماعية، والاقتصادية، والبيئية.
أبرزت جائحة الكورونا، كغيرها من الأزمات، الطرق العديدة التي تنعكس بها اللامساواة بأنواعها على الواقع. ففي الحين الذي يتسبب فيه تطبيق أشكال مختلفة من عمليات الإغلاق وحظر التجول في بلدان ومحافظات أو بلديات مختلفة، بتداعيات فورية ومزعجة للشركات والاقتصادات على مختلف المستويات. يؤدي هذا الانقطاع -الذي يتم تسريعه وتكثيفه من خلال التدابير التي تقيد الحركة- إلى محدودية الوصول للإمدادات الغذائية ومرافق الرعاية الصحية، ليزيد من هشاشة المجتمعات الأكثر تأثرًا ويضع أفرادها في معضلة الاختيار بين الالتزام بتدابير الاستجابة الرسمية مع خطر الافتقار إلى الاحتياجات الأساسية وتدهور الظروف الصحية، أو محاولة مواصلة العمل والمخاطرة بتعريض صحتهم والصحة العامة للخطر، ومواجهة العقاب الذي قد ينجم عن انتهاك الإجراءات الحكومية.
وعليه، فإن من الضروري تسليط الضوء على المخاطر التي تعصف بالمجتمعات الأكثر تأثرًا والتي تفرضها التدابير الوقائية للاستجابة لفيروس الكورونا.
من المهم أيضًا التعرف على أوجه عدم المساواة بأنواعها ومدى قدرتها على إعادة تعريف الواقع الحالي بالنسبة للمجموعات المختلفة، والاعتراف بأن الفقر يشكل، بالنسبة للكثيرين، عقبة أمام المشاركة بما يعتبر فعل “المواطنة المسؤولة” خلال هذه الأزمة. ماذا يحدث إذن في الحين الذي لا تنطبق فيه عبارة “إذا بقيت في المنزل، فإنك تنقذ الأرواح” على حياتك الخاصة؟
ومع بقاء نموذج اللامساواة على حاله دون أن يطرأ أي تحول عليه، فإن الاحتمال البسيط لفيروس موسمي يشكل مخاطر جسيمة على الأنظمة التي يُحكم العالم بموجبها، وبشكل أساسي على صحتنا العامة والاقتصاد العالمي. بعيدًا عن التداعيات المختلفة جدًا لهذه الأزمة على الأشخاص الذين يعيشون في فقر، فإن هذا الوضع يمثل فرصة لإعادة التفكير في الصورة الأكبر: ما الذي تعنيه “العودة إلى الوضع الطبيعي” بمجرد أن ينحسر الوباء؟ هل من الممكن- أو من المقبول بالأحرى- العودة إلى الوضع القائم في عالم ما قبل فيروس الكورونا؟
الآن، وربما أكثر من أي وقت مضى، كُشفت العلاقة بين مستويات الفقر في جميع أنحاء العالم وأهمية وجود نظام صحي عام شامل وفعال. لقد حان الوقت لتصور “المواطنة المسؤولة” بطريقة تنطوي على إمكانية تحقيق تغيير دائم في العالم من خلال الشعور الجماعي بالمسؤولية. دون هذا التغيير، ودون معالجة التفاوتات الأساسية التي تؤثر على قابلية التأثر بالأزمات بأشكالها المتعددة، لا يمكن للعالم أن يكون مستعدًا أبدًا للتعامل مع الصدمات والتغيرات الحتمية.
بينت أزمة الكورونا أن الثقة في المؤسسات الحاكمة، والوصول إلى خدمات عالية الجودة، والمرونة على مستويات متعددة مجتمعة تشكل مكونات أساسية للاستجابة الفعالة. وعلى الأصعدة المختلفة من التعليم إلى الرعاية الصحية إلى الحماية الاجتماعية إلى الاقتصاد، أثبتت الظروف الحالية أن المواطنة والحوكمة المسؤولتان تسيران جنبًا إلى جنب. كما بدى جليًا أنه وللمضي قدمًا، فلا بد من اللجوء لسياسات مركزها الإنسان تمنع بطبيعتها المعاناة والضعف تحت أي ظرف من الظروف على جميع المستويات المحلية والوطنية، والإقليمية والعالمية.