الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

بنيامين نتنياهو والصهيونية المراجعية

مشاركة

 

جان بيار فيليو مؤرخ فرنسي بارز، متخصص في شؤون الشرق الأوسط، كتب سنة 2019 كتابًا هامًا بعنوان “وضع اليد على إسرائيل: نتنياهو ونهاية الحلم الصهيوني”. وكما هو واضح من الكتاب، يتحدث المؤلف عن وضعية إسرائيل الراهنة في عهد رئيس الحكومة الحالي نتنياهو الذي يعتبر أنه يشكل لحظة تحول وقطيعة في تاريخ الدولة العبرية، بالانتقال من الصهيونية الاشتراكية العلمانية إلى الصهيونية القومية المتشددة التي تعرف بالصهيونية “المراجعية Revisionist”.

تعود جذور هذه النزعة إلى زئيف جابوتنسكي، وهو سياسي وكاتب منحدر من أصول روسية أوكرانية، وهو مؤسس الكتيبة اليهودية خلال الحرب العالمية الأولى برعاية بريطانية، أسس سنة 1925 الحزب المراجعي الصهيوني الذي يتبنى الدولة اليهودية الكبرى على ضفتي نهر الأردن، كما أنه الزعيم الروحي للعصابات الصهيونية العنيفة المتطرفة مثل الإرغون.

ما بين سنتي 1928 و1929 عاش جابوتنسكي في فلسطين قبل أن تطرده سلطات الانتداب البريطاني نتيجة مواقفه العنيفة المتشددة. عُرف جابوتنسكي بعلاقاته الوثيقة بالنازية والفاشستية وقد أراد بناء منظمة صهيونية على غرار الحركات التي قادها هتلر وموسولوني، وفق الاتهام الذي وجهه له مؤسس الدولة اليهودية بن غوريون .

بداية من سنة 1935، أشرف على أعمال العنف، والتقتيل والتهجير التي قامت بها العصابات المسلحة (الإرغون والهاغانا) ضد الفلسطينيين .

توفي جابوتنسكي سنة 1940 خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، أي قبل إعلان الدولة العبرية. لكن أفكاره شكلت نزعة قوية في الحقل السياسي الإسرائيلي، وإن تعارضت مع الخط الرسمي الأصلي للصهيونية الحاكمة في تل أبيب.

ترك جابوتنسكي عددًا من الكتابات الأدبية والسياسية وسيرة ذاتية تحدث فيها عن أهم محطات حياته. بيد أن أطروحته السياسية تمحورت حول نظرية “الجدار الحديدي” التي عبر عنها في عدة مقالات تشكل جوهر برنامجه السياسي .

في مقال يعود لسنة 1923، كتب جابوتنسكي: لا سبيل لأي حل سياسي أو سلمي بين إسرائيل والعرب، بل يتمثل الحل الوحيد الممكن بإقامة جدار صلب عازل بين الدولة اليهودية المسيطرة على ضفتي الأردن والعرب الذين لا يشكلون شعبًا أو أمة بل مجرد سكان لا هوية لهم ولا حقوق في الأرض.

بالنسبة له، يتشكل هدف المشروع الصهيوني في تأسيس الدولة اليهودية عن طريق الاستيطان المكثف والعسكرة الشاملة تحت حماية دولية، ويتمثل الخطر الأكبر على الدولة في الرضوخ لسياسة التوافق والتعايش القسري مع العرب.

ولقد تبنى حزب الليكود اليميني هذه الأفكار العنصرية المتشددة، ومن أكثر المدافعين عنها وناشريها على نطاق واسع والد رئيس الحكومة الحالي “بنزيون نتنياهو” الذي صرح لصحيفة معاريف الإسرائيلية (في 3 نيسان/أبريل 2009) بأن “العربي عدو في الجوهر، لا يمكن من حيث شخصيته أن يتم التوافق معه، فوجوده يتمثل في الحرب المستمرة، ومن ثم لا سبيل لأي سلم معه.” ثم يضيف في نفس المقابلة أن حل الدولتين لا معنى له “ففي هذه الأرض ليس لنا شعبان، بل شعب واحد هو الشعب اليهودي وسكان عرب، إذ لا يوجد شعب فلسطيني. ومن ثم لا يمكن إقامة دولة لأمة خيالية “.

أما الحل الوحيد الذي يراه في المستقبل فهو حسب عباراته “لا يوجد حل إلا القوة، أي فرض سيطرة عسكرية كاملة”.

تشكل هذه الأفكار جوهر المشروع السياسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما بين جان بيار فيليو في كتابه المذكور. فبالنسبة له يتأسس خط “الشعبوية العدوانية” لدى بنيامين نتنياهو على ركيزتين أساسيتين هما: النظرة التشاؤمية لمستقبل الشرق الأوسط بما يفرض على إسرائيل أن تدافع عن وجودها ومصالحها بالقوة والعنف وترفض بشدة أي مقاربات، أو حلول توفيقية أو سلمية مع الفلسطينيين والعرب، والتحالف مع القوى اليمينية المتطرفة في الغرب على أساس مواجهة الإرهاب الذي يدخل فيه أي استراتيجية للمقاومة الوطنية الفلسطينية عسكرية أو مدنية، ولو اقتضى الأمر التنسيق مع التيارات المعروفة بعدائها للسامية وقربها من النازية (ومن هنا قول نتنياهو إن المسؤول عن جرائم الإبادة اليهودية ليس هتلر وإنما المفتي الحسيني الذي نصح القائد النازي بالقضاء على الشعوب اليهودية).

ولقد خلص جان بيار فيليو إلى أن المشروع الصهيوني قد دخل في نفق مسدود مع وصول نتنياهو إلى السلطة وما أفضت إليه سنوات حكمه من سياسات خرقاء كشفت عن الوجه العنصري المتشدد للتيار المسيطر على السلطة في تل أبيب .

في 20 كانون الأول/ديسمبر 2018 كتب موشيه ماشوفر أن تحكم الصهيونية المراجعية في إسرائيل أدى بها إلى أن تصبح دولة عنصرية تقوم على التمييز المؤسسي بين مكونات سكانها، بما يسمح بالقول إنها شبه ديمقراطية غير ليبرالية تقوم على الاستبداد العسكري وتعتمد نظام الأبارتايد وفق تحديدات القانون الدولي. ولقد أصدرت الحكومة الإسرائيلية 65 قانونًا للتمييز ضد مواطنيها الفلسطينيين وسكان المناطق المحتلة سنة 1967، بالإضافة إلى الكثير من الإجراءات والقرارات الإدارية الأخرى. ومن هنا ندرك أن الائتلاف الحاكم حاليًا في إسرائيل ليس نشازا أو غير طبيعي، بل يعبر عن تحول داخلي طبيعي في الأيديولوجيا الصهيونية في نسختها الأكثر عنصرية وتشددًا.