بقلم رمزي منصور
كي تنجو أغلبية المشاريع الصغيرة والمتوسطة من الأزمة الاقتصادية الناجمة عن كوفيد-19، فلا بديل عن ضخ السيولة في الاقتصاد. لطالما عانت المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الأردن من صعوبة في الحصول على التمويل من مصادره التقليدية، ومع زيادة حالة عدم الاستقرار تتفاقم هذه المشكلة. تقوم البنوك الأردنية بالإقراض الآمن لبعض القطاعات (إذ تقرض المال للشركات الكبيرة وللحكومة، وتوفر القروض العقارية)، وعليه، تجد المشاريع الصغيرة والمتوسطة نفسها محاصرة بين الإقراض الحذر الذي تمارسه البنوك، والطلب الحذر للمستهلكين.
ستضطر المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم إلى تقليل التكاليف إلى الحد الأدنى، مما سيكون له أثر سيئ على العمالة، كما ستحتاج للحصول على التمويل لتجنب الإفلاس، في ظل تقصير التدابير الحكومية في هذا الصدد. وفي الوقت الذي تعتبر فيه مبادرة تقديم قروض ميسّرة بفترة سماح مدتها سنة واحدة من قبل البنك المركزي الأردني، والتي تبلغ قيمتها 500 مليون دينار، خطوة في الاتجاه الصحيح نظرياً، فهل تعد هذه المبادرة كافية وهي التي تشكل ما نسبته %1.7 فقط من إجمالي الناتج المحلي الأردني في عام 2018؟ وما الذي تم الإفصاح عنه من حيث تطبيقها الفعلي؟ وفي حين أن الحكومة الأردنية قد رفعت راية الشفافية، إلا أنه لا يوجد الكثير من المعلومات فيما يخص سبل التمكن من قياس نجاح هذه المبادرة، إذ لا توجد أرقام متاحة بخصوصها.
بالمقارنة مع البلدان الأخرى التي اتخذت مبادرات مماثلة، لا تحمل هذه المبادرة الكثير من حيث باقة الحوافز التي تقدمها. وكنقطة مقارنة، وبالنظر إلى تايلند كمثال، يبلغ إجمالي التمويل الذي يتيحه البنك المركزي الأردني ما قيمته 704 ملايين دولار أمريكي، أي حوالي 70.4 دولار أمريكي للفرد ويشكل حوالي 1.7% من إجمالي الناتج المحلي الإسمي، في حين تبلغ قيمة مبادرة مماثلة في تايلاند 58 مليار دولار أمريكي، أو 828.57 دولار أمريكي للفرد وتشكل 11.5% من الناتج المحلي الإجمالي. ومما لا شك فيه أن هناك اختلافات بين البلدين، ولكن يأتي استخدام هذا المثال لإظهار مدى محدودية التدخل في الأردن. ومع ذلك، فقد واجه توفير هذا المبلغ الصغير، نسبيًا، مشاكل أخرى، ونُحيّت ضرورة النفعية في هذه الاستجابة من خلال عمليات طويلة وصعبة رافقها قلة في الموافقات. وتواجه الشركات الكبرى أيضًا صعوبات شديدة في الحصول على هذا التمويل ذلك أن شروطه أكثر صرامة من المعتاد. وبعبارة أخرى، في حين تم اعتبار هذا التدخل خطوة إلى الأمام، فإنه في الواقع غير فعّال.
وقد أثبتت سياسة خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي على الودائع لدى البنوك من 7% إلى 5% في محاولة لضخ السيولة قصورها، حيث تمسكت البنوك بالأموال بشكل واضح وذلك تحسبًا لما هو آت. وفي الوقت الذي خفضت فيه نسبة الاحتياطي الإلزامي، فلا يوجد ما هو أبعد من ذلك لضمان وصول السيولة إلى السوق، وبالتالي، فإن هذه السياسة غير فعالة بدورها. وعلاوة على ذلك، يتمتع البنك المركزي الأردني بالأهلية القانونية لإجبار البنوك الخاصة على تحديد أسعار فائدة معينة، غير أنه ترك لها حرية التصرف في هذا الأمر. ومع أن خفض أسعار الفائدة هو سياسة أساسية في الاقتصاد الكلي لحفز النمو الاقتصادي من خلال خفض تكلفة الاقتراض، لم يفعل البنك المركزي في الواقع سوى القليل جدًا، إذ لم يفرض نسب فائدة أقل على البنوك. فضلًا عن ذلك، قد يؤدي الاقتراض الحكومي الأخير من المصادر المحلية إلى زيادة حدة الإقراض الآمن، إذ مع عدم وجود نهاية تلوح في الأفق فيما يتعلق بآثار الجائحة أو قضايا الحكومات المالية، تتحفز البنوك للتصرف بحذر وانتظار فرص إقراض آمنة كذلك.
وعلاوة على ذلك، تمتد سلاسل القيمة لجزء كبير من القطاعات إلى خارج الأردن في حيث المدخلات والأسواق اللازمة لها. ومع وجود القليل من العناقيد محلية، فتبرز أهميتها بالنسبة للأردن على وجه الخصوص. على سبيل المثال، تتطلب الصناعة مخرجات من خارج البلاد وتلبي تكنولوجيا المعلومات احتياجات العملاء في الخارج أيضًا، وبدون دعم مالي سليم وواسع النطاق، يمكننا توقع معاناة هذه الصناعات. وزيادة على ذلك، نتوافر على قطاع إعادة تصدير كبير، كما نعتمد بشكل كبير على واردات المواد الاستهلاكية والمواد الغنية بالسعرات الحرارية، ومع استمرار عمليات الإغلاق في بلدان أخرى، ستصبح هذه مسألة رئيسية. ومن المأمول أن تكون هذه فرصة للموردين المحليين، ولكن بدون التمويل اللازم لتحقيق وفورات الحجم، فمن المرجح أن تتجاوزنا هذه الفرصة.
ويخاطر الأردن بإغلاق أعداد كبيرة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة في حال عدم اتخاذ إجراءات فعالة في الوقت المناسب، حيث كانت هذه المشاريع في وضع حرج بالفعل في ظل اقتصاد راكد ونظام ضريبي مشوه ومثبط للتحفيز؛ كما تبرز هذه الجائحة أوجه القصور المؤسسية في الأردن بشكل متزايد. تعتبر المشاريع الصغيرة والمتوسطة محرّكًا اقتصاديًا رئيسيًا ومصدرًا هامًا للعمالة، ولذا، فإن الآثار المترتبة على عدم توفير التمويل أو تسهيل الحصول عليه ستكون لها أصداء على المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية في المملكة. أيضًا، وبدون توفر الدعم، فإن هناك خطرًا متزايدًا لانضمام المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم إلى القطاع غير الرسمي مع جميع المشاكل المرتبطة به، كما يمكن أن تتدهور ظروف العمل والضمان الاجتماعي للموظفين وأجورهم، مع إجبار المزيد من الجهات الفاعلة على سلوك طريق العمل غير المنظم. قبل انتشار هذا الوباء، كان قطاع العمل غير المنظم في الأردن واسع بالفعل، ومع وجود القليل من فرص الحصول على التمويل كحافز للبقاء والعمل بشكل رسمي، فمن المتوقع انضمام المزيد من الشركات الصغيرة إلى القطاع غير الرسمي أو غير المنظم.
ينبغي إتاحة تدابير محددة ومنفصلة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة المملوكة للنساء، وتنطوي الأدوار المتعددة التي تؤديها المرأة في المجتمع على مخاطر إضافية فيما يختص بهذه الأعمال التجارية. فعلى سبيل المثال، استلزم إغلاق المدارس بسبب أزمة كورونا شيوع التعليم المنزلي الأمر الذي يؤدي، في معظم الأحيان، إلى مسؤولية إضافية تقع على عاتق المرأة، إذ من المرجح أن تكون هي الطرف الذي يضطر للبقاء في المنزل لرعاية الأطفال في قابل الأيام. وفي نواح كثيرة، تصبح القضايا القائمة التي تواجه المرأة فيما يتعلق بالعمل واقتصاد الرعاية مبالغًا بها أكثر مع تحول الأردن بسرعة من الكساد الاقتصادي، إلى الأزمة الصحية التي يعانيها حاليًا، إلى الأزمة الاقتصادية جراءها. وبناء على ذلك، يجب اتخاذ تدابير لضمان عدم تعثر الأعمال التجارية المملوكة للنساء نتيجة للحالة الاقتصادية الوشيكة التي ستكون لها عواقب اجتماعية واقتصادية وخيمة. وقد واجهت النساء من مالكات المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم، مثل غيرهن، صعوبة دائمة في الحصول على التمويل، كما يجب تصحيح الافتقار للوصول إلى مصادر التمويل هذا. ينبغي إنشاء صندوق، بإجراءات مبسطة، بحيث يخصص لتزويد الأعمال التجارية المملوكة للنساء بقروض ذات أسعار تفضيلية مع فترة سماح تتراوح بين 12 و18 شهرًا.
كما ينبغي أن تتمتع الأعمال التجارية المملوكة للنساء بالقدرة على الوصول إلى هذا الصندوق، فضلًا عن أي صندوق آخر. ومن شأن هذه القروض أن تسمح للشركات المملوكة للنساء بالحفاظ على سير عملياتها خلال الأزمة الاقتصادية، مما يستوجب تاليًا الحفاظ على المشاركة الاقتصادية للمرأة ومعدلات العمالة المنخفضة لكليهما. لماذا يجب إنشاء صندوق مخصص للأعمال المملوكة للنساء؟ كما هو مبين أعلاه، فإن هذه الشركات هي في وضع غير مؤات بالفعل منذ البداية إذ أنها خارج نطاق المنافسة الاقتصادية، ومن الواجب إبطال هذا العيب للسماح بتكافؤ الفرص، فالأدوار المجتمعية والثقافية والأسرية، تعرض الأعمال التجارية النسائية لخطر إضافي ينبغي التخفيف منه، كما لا ينبغي السماح بإعاقة التقدم البسيط المحرز في العقود الأخيرة فيما يتعلق بالتمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة بذريعة انتشار كوفيد-19.
لقد جاء الانفتاح الاقتصادي مع الشروط والأحكام اللازمة لسلامة الأردنيين، ومع ذلك، فلا يمكن تحقيق أي من شروط السلامة هذه ومتطلباتها دون تكلفة. وفي حين أن الشركات الكبيرة قد تتحمل تكلفة هذا، فلا يمكن قول نفس الشيء فيما يخص المشاريع الصغيرة والمتوسطة. ومع ذلك، فحتى الشركات الكبيرة، ينبغي أن تحصل على حوافز بحيث لا تأتي عملية الانتقال هذه على حساب مستويات العمالة. وحتى على المستوى الأساسي، مثل توفير معدات الحماية الشخصية والأقنعة والقفازات للموظفين، فإن هذه التكلفة ستكون كبيرة على المشاريع الصغيرة والمتوسطة؛ خصوصا عند استنزافها على مدى أشهر وربما سنوات. غير أن معدات الحماية هي أقل الشروط، فماذا عن متطلبات المساحة التي يفرضها التباعد الاجتماعي؟ كيف ينبغي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم أن تتبع هذه المتطلبات مع مشاكل السيولة القائمة بالفعل، سواء في فترة ما قبل الجائحة أو بسببه. إن التباعد الجسدي، كالكثير من الأنظمة البيئية، سيؤتي ثماره في النهاية، إلا أنه لن يكون مجانيًا، كما أن المساعدة والحوافز المقدمة للانتقال إلى الالتزام بأنظمة السلامة هو أمر ضروري. وإلا فإن التكاليف الإضافية والحذر سيترجمان إما إلى إغلاق للأعمال أو زيادة في البطالة أو كليهما، وذلك في ظل اقتصاد راكد بالفعل لم يتعاف من الأزمة المالية للآن حتى بعد عقد من الزمن.