تحية كبيرة كآمال شباب بلادنا، ممتدة كطموحاتهم، واسعة كأحلامهم بغدِ مشرق لهم فيه الكلمة الفصل والدور الذي ينقلهم من مقاعد المتفرجين إلى التشكيلة الأساسية في صنع القرار والمشاركة الفاعلة بكل أشكالها
لم يختلف معنى الاستقلال بالنسبة للشباب في أي مكان وأي مجتمع، فأينما كانوا ستكون إجابتهم عن الاستقلال واحدة لا تتغير: أن نملك هوية وطن ونقف على أرضه الصلبة أينما كنا، مسلحين بالعلم والمعرفة، نستطيع الاعتماد على أنفسنا ونملك قوت يومنا، تماماً كالدولة التي نأتي منها، آمنين غير مهددين في أمننا الغذائي ولا المائي ولا الاقنصادي ولدينا سيادة كاملة على قراراتنا، وبعيداً عن أي مؤثر خارجي، نعرف من نحن وماذا نريد.
فكم يشبه استقلالنا الشخصي استقلال دولنا، فكيف لنا أن لا نحتفل بالاستقلال؟ وكيف لا يكون هذا الاحتفال أعظم وأصدق ونحن نتحدث عن وطننا وأرضنا عشقنا وعشق آبائنا الأردن الشامخ، الأردن الغالي، الأردن الحنون على أبنائه وبناته؟
وإذ أننا ندرك أن الاستقلال والحفاظ عليه ليس بالأمر اليسير في ظل النظام العالمي المعاصر، القائم على تداخل المصالح وتشابكها والتمايز بين دول كبرى تملك قرارها السياسي، وتتمتّع بسيادتها وتتحكّم في السياسات الدولية، وبين الدول الصغيرة، التي أصبح استقلالها نسبيًا إلى حد بعيد، فعلى وقع المتغيرات المتنوعة التي يشهدها عالم اليوم، بات من الصعوبة بمكان أن تتحصّن الدول الصغيرة خلف أسوار حدودها الجغرافية أو السياسية أو الإيديولوجية أو الثقافية أو الإقتصادية، فالاستقلال بمفهومه الشمولي يأخذ بالإنحسار أمام تمدد العولمة بقواها العابرة للحدود والقارات، مهما كبرت الجيوش أو صغرت.
والذي يجعل بعض الدول أقدر على امتلاك سيادتها ومستقلة بمقاييس الاستقلال المتفق عليها، هو تمسك أبنائها وبناتها بقيم الاستقلال والحفاظ عليها بالقوة والمنعة الذاتية، وسعيهم للتحديث والنهضة، تماماً كما سعت الدول الغربية بتحفيز أدوات النهضة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، مما مكنها ليس فقط بالحفاظ على استقلالها بل التحكم والسيطرة على السياسة الدولية والعالمية، وكما قال المفكر العربي الدكتور عبدالله ولد أباه: ” إن التفسير الرائج لديناميكية النهوض الأوربي الحديث ينظر إليه كخيط ممتد ينطلق من النهضة الثقافية والأدبية، إلى الإصلاح الديني ثم التنوير، انتهاء بالثورات الصناعية والتقنية الحديثة بانعكاساتها الهائلة سياسياً ومجتمعياَ”.
وهنا في الأردن، نحن الشباب نريد أن ننهض، بل يجب أن ننهض، وأن نجاري العالم بتطوره وفهم مقاربات وجهات النظر العالمية على الأصعدة المختلفة وثوراته الصناعية والريادية والخدمية وغيرها.والذي سيحقق ذلك بنظرنا، هو انخراط الشباب في هذه الأصعدة والعمل عليها، لذا أصبحت مشاركتهم في جهود النهضة حاجة اكثر مما هو رفاهية، ففهم المنظومة الآن وكيفية الوصول والتأثير بالمجتمعات والتفاعل الحقيقي والمسؤول للشباب، يحتاج شباباً قادراً على التكيف وقادر على فهم المتغييرات وقبولها، شباب يعيش مواطنة عالمية، لكنه منتمي محلياً.
فئة الشباب اليوم تحمل أكثر من جيل شبابي بصفات منوعة نحتاجها جميعاً، وهذا الجيل جيلٌ جديد معني بتحقيق النهضة أكثر من أي جيل شبابي سابق، فهم يعيشون آثار غياب النهضة، ويرون الفرص الضائعة وعدم اتزان مواطن القوى والتوزيع الظالم لمكتسبات التنمية.
لذا أصبحت مشاركة الشباب في الحياة المدنية والسياسية وعلى كل ما فيها حاجة ملحة للشباب، فلا يمكن للشباب الاستمرار في العيش في حاضر لا يشاركوا في تنفيذه، أو مستقبل لن يشاركوا في تحضيره. فالشباب يريدون ان يكونوا على طاولة القرار وليس بانتظار نتائجها كمتفرجين ومعرفة ما تتمخض عنه الاجتماعات التي تقام من أجلهم وتخطط لهم وهم بمعزل عنها. لكن التحدي يبقى بأن مساحات التحرك والانخراط الحقيقية محدودة، وكلما قلت المساحات زادت معها المخاطر والتبعات والصعوبات.
ومن خلال الرصد والمشاهدات الكبيرة والتحليلات المتشعبة التي قمنا بها، ولمسناها أثناء عملنا في شبكة شباب النهضة والتحليلات، فقد تبين لنا أن الشباب يعيش اغتراباً عن مجتمعه وبيئته، وحتى عن مجريات يومه التي فرضت عليه، نظراً للواقع المؤلم الذي يعيشه من تهميش وفقر واضمحلال في الأفق. وبنفس الوقت، رصدنا أن الشباب يعيد وصف مشاكله وتحدياته في كل لقاء او تجمع منذ سنوات، ولم يتغير بنظرهم أي شيء سوى الشعارات، الشباب همّنا، والشباب مبادر ولا يمكن ان نكون بلا الشباب، وغيرها العديد من الجمل التي تكون في الخطاب الرسمي، أو في الحملات الانتخابية ونشرات الأخبار. كل ذلك جعل التذمر لغة الشباب التي لا ينجو منها لا حكومات، ولا إعلام، ولا مؤسسات المجتمع المدني، ولا القطاع الخاص وغيرهم، فالجميع مسؤول بنظرهم عن أزمة الثقة التي يعانون منها، وكان من نتائج غياب الثقة أن يغيب الشباب عن العمل العام والمشاركة فيه، لأنه يعي تماما أن ما يقال لا يعني في الغالب ما سيكون على ارض الواقع.
وقد رصدنا أيضاً أن الشباب أنفسهم لم يسلموا من النقد والمراجعة الذاتية القاسية في بعض الأحيان، إذ يعتبرون أن العديد من العوامل أسهمت في عدم النجاح الجماعي، وبقيت قصص النجاح فردية مغّلفة بالسعي والمثابرة والجد، لكنها في حقيقتها تعكس واقع مقلق من عدم وجود أهداف عامة كبيرة تتسع لنا جميعاً، وتعكس التفاوت في توزيع الفرص حسب المنطقة، والوضع الاجتماعي والقانوني، والجنس، فكن الفتيات الأقل حظوةً بفرص المحاولة والنجاح، وبقيت نسب مشاركتهن رغم أنهم الأعلى نسبةَ بالتعليم ضئيلة سياسياً واقتصادياً وحقوقياً.
مرة أخرى الشباب تلك المرحلة العمرية التي يكون مستوى التأثر والتأثير فيها أعلى من باقي المراحل العمرية للإنسان، وتكون القرارات فيها مبنية على أولويات الانتماءات لكل شخص، وترتيب هذه الأولويات يدخل فى الوعى والقناعات للأفراد، وفي لحظة يظن أنه مركز الكون ثم يبدأ بالسعي للاستقلال، لكنه يصدم حين يجد أنه مضطر للاعتماد على غيره ليعيش، وأن أحلامه مكبلة، وقراره بيد غيره الذي يصنع له مستقبله دون أن يكون له دور فيه. فيبقى في صراع مستمر ما بين نهضته ونهضة الوطن، واستقلاله واستقلال الوطن.
إذاً هناك فرصة أمامنا اليوم، فالشباب لأول مرة يسعون للتغيير والمشاركة الحقيقية، ويدركون أن الطريق غير معبد وعليهم المشاركة في تعبيده، لذا نحن في منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) ومن خلال شبكة شباب النهضة، ندعوكم كشباب لتشاركونا المهمة، ليحتفل شباب الأردن في عيد الاستقلال في مئويته الثانية ونكون قد قدمنا لهم ما عجز الآخرون عن تقديمه لنا. فالمسؤولية الآن علينا للتأثير الايجابي في المجتمع وتشجيع الآخرين أيضا على المشاركة في صنع القرار والتأثير وممارسة أدوارنا في الشأن العام. وكم نحن فخورون اليوم بهذا الحفل الكريم ولقاء أصحاب الفكر والقرار والحالمين شبابنا الجامعي المكافح من كل المحافظات، علها فرصة مضافة للشراكة والعمل معاً لقصص نجاح جماعية نبني عليها المستقبل الذي نريد للوطن الذي يعيش فينا من الوريد إلى الوريد.