أصبح مسلسل رفع أسعار المحروقات ومشتقات الطاقة والتخوف من قيمة فاتورة الكهرباء المتصاعدة هاجسا شهرياً يرافق أغلب المواطنين ويضاف إلى سلسلة الضغوط الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والنفسية المتراكمة والمتزايدة التي يعيشها الغالبية العظمى من المواطنين الأردنيين بشكل يومي ودائم، والتي أضافت اليها – بلا شك – ضغوط الإجراءات المتبعة والمتجددة وقوانين الدفاع الصادرة منذ ظهور جائحة كورونا ومتحوراته المستجدة منذ بداية 2020 حتى اليوم، والتي يبدو أن لا أفق واضح لانتهائها قريبا. وتبرز مظاهر سلسلة الضغوط المتعددة هذه بارتفاع نسب البطالة بين المواطنين في سن العمل من الجنسين – وبنسب أكبر بين الإناث -، وبين فئة الشباب منهم بنسبة أكبر، وارتفاع نسب الفقر واتساع رقعة انتشاره في المحافظات، وتباطؤ أنماط الاستهلاك والشراء وحركة الأسواق.
وفي كل مرة تقرر الحكومة فيها رفع أسعار الكهرباء يزداد الوضع تأزما، وتتسع الفجوة بين المؤسسات الرسمية وبين المواطن الغاضب وشعوره بالقهر والظلم وعدم الأمان من لجوء الحكومات المتعاقبة إلى جيبه كحل سهل ووحيد ومتكرر لسد المديونية والعجز، وتبرر الحكومات المتعاقبة قراراتها هذه بالتزاماتها بشروط برامج صندوق النقد الدولي وبخطة مدتها ثلاث سنوات ابتداء من عام 2021 لتعديل تعرفة الكهرباء.
ومهما تكن المبررات التي تقدمها الحكومات المتعاقبة، فإن من النتائج السلبية الهامة التي يتم تجاهلها دائما هو أثر هذه القرارات على الواقع المعيشي لغالبية المواطنين من الجنسين وأسرهم، وبالأخص على أوضاع غير العاملين منهم من الأطفال وكبار السن، وعلى النساء المعيلات لأسرهن والمعيلات لأنفسهن، وأثرها السلبي على تنامي وانتشار المشاكل المجتمعية والأسرية، وزيادة هشاشة أوضاع الشباب خاصة تجاه المخدرات، وفي تعدد صور التعبير عن الغضب الكامن والتنمر في التعامل في الفضاء العام والافتراضي كما يظهر واضحا في الشوارع ، وفي نبرة الخطاب العام، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وفي ارتفاع نسب الانتحار خاصة بين الشباب، ومظاهر الهروب والانسحاب المجتمعي وضعف المشاركة في الحياة العامة.
“لا أعرف من يتولى تسعير المحروقات ومشتقات الطاقة، وكيف يتم التسعير وما هي آلية احتسابه، وما هي أسسه وقواعد التسعير، ومتى سينتهي مسلسل رفع الأسعار الشهري، ولماذا ترتفع أسعار المحروقات محليا بينما تشهد أسعار الطاقة ومشتقاتها انخفاضا عالميا ….. ” هذه عينة من الأسئلة التي يمكن أن نسمعها من المواطنين ونقرأها كتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن – للأسف – لا تسمعها الحكومات المتعاقبة وأصحاب القرار، وتتجاهل تقديم أجوبة مقنعة لها، وتتجاهل انعكاساتها السلبية والمتراكمة اقتصاديا واجتماعيا بشكل خاص.
وضمن سلسلة حوارات “نقش” الأسبوعية التي تطرحها شبكة نساء النهضة وهي إحدى الشبكات المنبثقة عن منظمة النهضة للديمقراطية والتنمية (أرض) على عضواتها لقراءة وتحليل قضايا وطنية تشغل الرأي العام لإتاحة المجال أمامهن لإبداء الرأي بعين وضمير نصف المجتمع، ومناقشة مواضيع تساند مراحل الوصول الى نهضة شاملة في مجتمعاتنا، ولإيصال صوت العضوات وما يمثلنه من شريحة اجتماعية ومهنية وتعليمية نشطة وفاعلة للجهات المعنية وصناع القرار.
“نقش” سألت عضوات الشبكة: كيف تقرأ نساء النهضة رفع أسعار المحروقات والتوجه لرفع أسعار الكهرباء؟ وما إذا كان ذلك سيؤدي لرفع تكاليف المعيشة على العديد من الأسر والعائلات التي تعيلها النساء، أم أن المتأثر الأكبر هو القطاع الخاص وبالتالي ستتأثر به باقي القطاعات؟
وجاءت الإجابات متنوعة تعكس تنوع خلفيات عضوات الشبكة. لكنها أجمعت على التحذير من عواقب هذا الإجراء وانعكاساته. فشددت إحدى العضوات على إن هذا من المواضيع التي يجب أن نعلي الصوت فيها، فلا يكفي أن تكون من تتولى حقيبة الطاقة الوزارية امرأة لكي نعتقد – نحن النساء خاصة – أن هذا الأمر سيكون له انعكاسات إيجابية على المرأة بشكل خاص أو أنه سيحابي النساء، فالحكومة مطالبة بجهد أكبر كي لا يكون جيب المواطن هو الحل الأسهل الذي تلجأ له خاصة في ظل مرحلة صعبة يمر بها اقتصادنا ومجتمعنا، لافتة إلى أن ارتفاع تكاليف المعيشة بالأردن أصبح غير مبرر ويتجاوز قدرة السواد الأعظم من المواطنين، وفِي هذا تهديد على أمن العائلات واستقرارها ، وعلى ازدياد نسب العنف وعمالة الأطفال وغيرها من المشاكل المجتمعية التي لن يستطيع أن يحل تراكمها أي مشروع إصلاح اقتصادي الآن ومستقبلا.
وأضافت أنه على الرغم من استمرار الحكومات المتعاقبة في رفع أسعار الكهرباء إلا أن هذا التوجه لم يسهم في إنقاذ خسائر شركة الكهرباء التي يقدر دينها بأكثر من خمس مليارات دينار، فضلاً عن ان الإجراءات والسياسات الحكومية الخاطئة وشروط برامج الإصلاح قد ساهمت في قصور التوسع في استغلال مصادر طاقة أرخص وأنظف مثل الطاقة المتجددة.
وأكدت على هذا الرأي عضوة أخرى من عضوات شبكة نساء النهضة فقالت إن الارتفاع المستمر سيكون له أثر سلبي ملموس على المستهلكين بدءاً من الأسر الفقيرة إلى القطاعات الاقتصادية المختلفة، التشغيلية العامة والخاصة، إضافة إلى العمال والمالكين والمستأجرين. ويزيد الأمر سوءا وخطورة الأوضاع التي خلفتها وما تزال جائحة كورونا وما نتج عنها من قرارات اقتصادية وقوانين دفاع وإجراءات فاقمت من صعوبة الأوضاع على المواطن. في حين تتسابق الدول لتقديم الدعم فيها للقطاعات المتضررة بسبب جائحة كورونا خاصة قطاعي الاقتصاد والصحة. وبرأي إحدى عضوات الشبكة إن الحكومة صارت “تتفنن” بابتكار الضرائب والرسوم وأشكال الجباية من جيب المواطن. وأشارت إلى أن القطاع الخاص هو أكثر القطاعات تضرراً، لكونه عانى من الإغلاقات الطويلة، ولم تحصل الشركات أو الموظفين على أي دعم باستثناء برامج الضمان، وزاد الأمر سوءا ارتفاع الإيجارات والمصاريف الثابتة بأكملها في الوقت الذي كانت فيه عجلة الاقتصاد وكل القطاعات متوقفة بالكامل، بينما كانت المناطق التنموية الاستثمارية والحرة في غيبوبة رغم أنها الأكثر دراية بالوضع، وختمت مداخلتها بالقول : “ارتفاع الأسعار إن لم يصاحبه ارتفاع في الأجور فلن تكتمل الحلقة، لا على مستوى شركات القطاع الخاص ولا على مستوى الأفراد ..”
وتساءلت أحد البرامج الإذاعية المحلية عن شكل العدالة التي ستحققها التعرفة الكهربائية الجديدة والتي تنوي الحكومة تطبيقها ابتداء من الربع الثاني من هذا العام 2022، ففي حين – حسب جدول شرائح الاستهلاك والأسعار الذي عممته الحكومة – وحسب رأيها فإن 90% من مجموع المواطنين لن يتأثر بالتعرفة الجديدة، وفند التعليق ما ذهبت آلية الحكومة من مبررات بأن فقط 10% من المواطنين هم من سيتأثرون بالتعرفة الجديدة، وأن ما سيتم تحصيله منهم سيذهب لدعم القطاعين الصناعي والزراعي. متسائلا أين العدالة في مضاعفة فاتورة الكهرباء على غير الأردني ذو الدخل المنخفض بينما الأردني وغير الأردني من ذوي الدخول المرتفعة والمقتدرين ماديا ستنخفض فاتورتهم الشهرية المرتفعة استهلاكا وقيمة من الكهرباء؟
أما المواطن الذي لجأ الى تركيب أنظمة توفير استهلاك للطاقة متكبدا مبالغ طائلة، فبالإضافة الى أنه لن يتمكن من الاستفادة من خاصية توفير الطاقة وخفض قيمة فاتورته كما كان يرجو، فإنه سيضطر الى دفع فاتورة استهلاك كهرباء بقيمة مرتفعة. ويمكن أن نضيف أيضا إلى الفئات الهشة اقتصاديا واجتماعيا والتي حتما ستتأثر سلبا بالتعرفة الجديدة لأسعار الكهرباء هن النساء اللاجئات اللواتي خلص تقرير لمنظمة النهضة (أرض) الى أن 93% منهن مدينات ويعانين من الفقر، الأمر الذي يظهر الهشاشة المضاعفة لهن: بسبب كونهن نساء لاجئات، وبسبب عبء الدين وتردي أوضاعهن الاقتصادية. ، إضافة الى العمالة المهاجرة التي تعاني من تدني الأجور وعدم شمولها بمظلة الحماية الاجتماعية وتكون غالبيتها من النساء.
من هذا نخلص إلى المواطن أصبح لا يقوى على مزيد من الضربات والأعباء الاقتصادية المترتبة على قرارات رفع أسعار الكهرباء والمحروقات ومشتقات الطاقة خاصة في ظل نسب البطالة المتزايدة، ومحدودية الدخل وارتفاع تكاليف الحياة المعيشية والظروف المستجدة التي أوجدتها جائحة كورونا، والتي تحمل المواطن الأردني فوق طاقته، وستجبره على تقنين استخدامه للكهرباء كوسيلة تدفئة آمنة صحيا له ولعائلته، ولجوئه اليها فقط في الحالات الاضطرارية في الشتاء القارس والطويل نسبيا، فضلا عن تكرار حوادث الوفيات في كل شتاء بسبب الحرائق والاختناق والتسمم بالغازات التي تطلقها مدافئ الكاز والحطب، وتزايد ظاهرة قطع الأشجار والأحراش سعيا للحصول على الحطب للتدفئة وما يسببه هذا من مخاطر بيئية وتلوث.
إن الارتفاعات المتواصلة والمتوقعة في أسعار الخدمات وتكاليف الإنتاج نتيجة للارتفاعات المستمرة في أسعار الكهرباء ومشتقات الطاقة ستؤثر سلبا على معدلات الإنفاق والادخار والاستثمار المحلي والأجنبي وعلى عجلة الإنتاج وتوسع الدورة الاقتصادية، وعلى الحكومات المتعاقبة ومتخذي القرار أن يدركوا أن مسؤوليتهم الرئيسية هي في تأمين وتوفير وحماية حق المواطنين الإنساني من الخدمات النوعية والحاجات الأساسية، والذي نصت عليه الاتفاقيات الدولية التي التزم بها الأردن ووقع عليها منذ عقود وما زال يؤكد سنويا التزامه بها في توفير الأمان المعيشي والغذائي والصحي والتعليمي للمواطنين وذلك لضمان الاستقرار والسلم المجتمعي.
وختاما، فإن بعض الحلول تكمن في مقترحات عديدة، منها:
- معالجة الحكومة للاختلالات الناتجة من فرض تعرفة جديدة على الكهرباء وعلى مشتقات الطاقة وعلى زيادة الأسعار قبل تطبيقها، وضرورة تنفيذها لمسؤولياتها في حماية وتأمين حقوق المواطنين الأساسية وتوفير احتياجاتهم خاصة للفئات المتضررة والأكثر هشاشة في المجتمع.
- العمل على شمول وإضافة فئات النساء المعيلات لأسرهن، ومن يتحملن أعباء الرعاية، والمعيلات لأنفسهن ضمن الفئات المستفيدة من دعم رفع أسعار الكهرباء على المنصة الإلكترونية المخصصة لذلك.
- أن تتحمل الحكومة مسؤولياتها وتبعات قراراتها وذلك بتوفير بدائل ناجعة وفعالة للمواطنين ليتمكنوا من مواجهة النفقات المتزايدة بعيداً عن استخدام الوسيلة التقليدية والأسهل لها والمتمثلة برفع الأسعار.
- فرض الحكومة مزيد من الرقابة على شركات توزيع الكهرباء وتطبيق تعليمات حوكمة الشركات.
- العمل على تقليص نسبة الفاقد من الكهرباء سواء بسبب النواحي الفنية والتقنية في صيانة الشبكة الكهربائية، أو غير الفني الناتج عن السرقات والفساد.
- مراجعة عقود توليد الكهرباء.
- أخذ الحكومة بمبدأ الحوكمة الرشيدة، والتفكير بحلول جديدة مبتكرة، والاستفادة من تجارب ناجحة لدول أخرى، واعتماد مبدأ التشاركية لتحسين الأوضاع الاقتصادية ولفتح آفاق جديدة من الثقة المتبادلة والتعاون المثمر، ففي ظل غياب المساءلة والمحاسبة سيبقى التخبط سيد المشهد.