الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

إسرائيل: مسار التطرف العنصري
بقلم السيد ولد أباه، المفكر الموريتاني وعضو مجلس الأمناء

مشاركة

سيلفان سيبل، كاتب وإعلامي فرنسي من أصول يهودية عاش فترة من عمره في إسرائيل وهو رئيس تحرير سابق لصحيفة “لموند” العريقة. أصدر سيبل كتابًا مهمًا بعنوان “دولة إسرائيل ضد اليهود”، في سياق صدور القانون الدستوري الذي أقره الكنيست سنة 2018 حول الطابع اليهودي القومي للدولة.

ومع أن الكتاب نشر قبل أحداث غزة الأخيرة، إلا أنه يتمحور كله حول التطورات الداخلية الجديدة في إسرائيل التي حملت إلى واجهة السلطة أكثر الاتجاهات الصهيونية تطرفًا وانغلاقًا، بما قد يفضي حسب الكاتب إلى تقويض المشروع الصهيوني بكامله ونسف كيان الدولة ذاته.

يري سيبل أن السمة الغالبة على الإدارة الإسرائيلية الجديدة هي الرفض الجذري للقانون الدولي واعتماد القوة العسكرية معيارًا أوحد للممارسة السياسية، بما عبر عنه رئيس الوزراء الحالي نتنياهو بقوله “هناك مبدأ هام في الحياة الدولية: من يقوم بحرب هجومية ويخسر أرضًا، عليه أن لا يطالب بها… عندما تكون الأرض محتلة بعد حرب دفاعية تصبح ملكًا لمن يسيطر عليها”. ذلك هو النهج الذي اتبعته إسرائيل بخصوص القدس الشرقية والجولان، وتعتزم تمديده إلى الضفة الغربية.

وفي المقابل، يتم نفي الوجود الفلسطيني بالكامل وتنزع عن الإنسان الفلسطيني كل اعتبارات الكرامة البشرية، إلى حد أن وزير الدفاع السابق ليبرمان برر الضربات العسكرية ضد المدنيين بالقول إنه لا يوجد إنسان بريء في غزة، بينما قال نظيره في العدل إيليت شاكيد إن الصهيونية لا يمكن أن تستمر في الانحناء لقانون الأفراد.

الخطير في الأمر أن هذه الأصوات العنصرية المتطرفة أصبحت هي الغالبة على الشارع الإسرائيلي، أما الوجوه العقلانية التي ترى في هذا النهج انتهاكًا أخلاقيًا للقيم الإنسانية اليهودية فغدت ضعيفة الصوت وقليلة التأثير.

لا فرق حسب الكاتب بين التيار اليميني المتشدد الذي يمثله نتنياهو وأحزاب المعارضة التي تتبنى نفس الرؤية التوسعية الرافضة منح الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، باستثناء تيار ضئيل من اليسار الإسرائيلي من دعاة السلام.

ومن هنا يخلص سيبل إلى أن المجتمع الإسرائيلي يشكل مفارقة كبرى. إنه قليل الديمقراطية وإن كان يتسم بنفس ليبرالي واسع. ما تعنيه هذه المفارقة هو أن حرية التعبير بمختلف أصنافها متوفرة في إسرائيل، لكن منطق الحرب والعنف مسيطر ومتحكم في الدوائر العليا للسلطة.

يشخص سيبل بدقة واقع الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية، بصفته قائمًا على الطرد المتواصل والتدريجي للفلسطينيين من أرضهم، وما يواكبه من تقويض الهوية الوطنية للإقليم وتبديد موارده وتدمير مقومات حياة السكان.

لقد تحول هذا الاستعمار العنيف إلى إجراءات تقتيل وسجن وتشريد يومية، بإطلاق يد الجيش لتصفية السكان واعتقال الأطفال القاصرين دون أي رقابة قانونية أو ملاحقات قضائية. الأساس هنا هو تعويد الفلسطينيين على هاجس الرقابة المستمرة والرصد الدائم إلى حد القمع المبتذل الذي لا يثير أي إدانة داخلية أو خارجية. في هذه الاستراتيجية الاستعمارية القمعية، يستند الجيش الإسرائيلي إلى مجموعات من المستوطنين المسلحين الذين يمثلون ربع سكان الدولة الإسرائيلية ويتمتعون بامتيازات رسمية كبرى.

ويوضح سيبل أن إسرائيل تمارس سياستها القمعية باسم الحرب على الإرهاب، بما يعني تحويل الشعب الفلسطيني بكامله إلى “شعب إرهابي” لا تحق له المقاومة الشرعية من أجل حقوقه ولو بالطرق السلمية المحدودة.

لقد تناول عدد من علماء النفس والاجتماع آثار سياسة الجرائم الاستيطانية العنيفة المطبقة ضد الشعب الفلسطيني على الداخل الإسرائيلي نفسه. ومن هذه الآثار تنامي العنف، والتعصب والتفسخ القيمي في المجتمع الإسرائيلي، وطغيان النظرة العنصرية للغير ولو كان غير عربي ولا فلسطيني. وليس اختراق الحركات العنصرية الصريحة للساحة السياسية إلا مظهرًا لهذا الاتجاه، وهذه الحركات ممثلة اليوم بوزراء في الائتلاف الحاكم في تل أبيب.
بل إن بعض الوجوه السياسية الحاضرة اليوم في دائرة السلطة لا تخفي نوازع الفاشية، وترى أن الفاشية نظام سياسي يقوم على السلطة القضائية الصارمة المكرسة لقبضة الدولة ومصالحها، وذلك هو مضمون “الإصلاحات القضائية” التي أراد نتنياهو فرضها دستوريًا.

في الفصل الثالث من كتابه، يتناول سيبل تحول إسرائيل بعد قانون الهوية الصادر سنة 2018 إلى دولة إثنية ترفض منح المواطنة الكاملة لخمس سكانها من العرب. ولقد اعترف رئيس الوزراء نتنياهو بهذه الحقيقة قائلًا “إن إسرائيل ليست دولة لكل مواطنيها، بل هي الدولة القومية لليهود وحدهم”، بما يعني تخليًا عن “إعلان الاستقلال” الذي كرس المساواة الكاملة بين مواطني الدولة دون تمييز في العقيدة، أو الجنس أو النوع. بل إن قانون 2018 تخلى بوضوح عن معيار المساواة، وأقر تشجيع الاستيطان في المناطق المحتلة سنة 1967. في هذا السياق، يبين المؤلف أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تفرق بين الوطنية الخاصة باليهود مهما كانت جنسياتهم الأصلية والمواطنة التي هي مجرد هوية قانونية. وبهذا القانون، تكون إسرائيل قد حسمت التناقض الجذري بين المحددات الدستورية الديمقراطية للدولة والمنظور الإثني العنصري الذي أصبح هو الطابع الوحيد للدولة. لقد علق جدعون ليفي على هذا القانون بالقول إنه أنهى كليًا الغطاء الديمقراطي الوهمي للدولة وأظهرها في حقيقتها دولة عنصرية خاصة بسكانها اليهود. وهكذا أصبحت إسرائيل وفق قانونها المعتمد دولة تمييز عنصري، تقوم على الهوية الإثنية في أسوأ معانيها وتتبنى إجراءات الفصل والعزل التي كانت مألوفة في جنوب إفريقيا في عصر الأبارتايد.

ولقد بلور ليبرمان في سنة 2004 خطة لإنشاء غيتوهات مغلقة في الضفة الغربية يعيش فيها الفلسطينيون على أن يتم ضم جل المناطق المحتلة وتحويلها إلى مستوطنات يهودية تابعة لإسرائيل.

إن هذه الخطة هي جزء من سياسة التطهير العرقي الثابتة في إسرائيل، وهدفها الأساس طرد السكان والسيطرة على الأراضي، وقد أصبحت حقيقة فعلية إلى حد بعيد في السنوات الأخيرة.

الخلاصة التي يصل إليها سيبل هي أن قادة إسرائيل الجدد صاروا حلفاء طبيعيين للحكومات والأحزاب المعادية للسامية، في الوقت الذي غدت الدولة عبئًا ثقيلًا على الشعوب اليهودية، نتيجة انحرافها في مسلك العنصرية، والتعصب والعنف الاستعماري وهي الانحرافات التي تغذي كراهية اليهود وتعمق الحواجز بينهم وبقية شعوب العالم.

ومن هنا ينتهي المؤلف إلى أن على اليهود قبل غيرهم أن يقفوا ضد هذا المنعرج العنصري الاستعماري الذي هو واقع إسرائيل الحقيقي اليوم.