الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

إسرائيل ونظام الأبارتيد، بقلم السيد ولد أباه، المفكر الموريتاني وعضو مجلس الأمناء

مشاركة

لقد أصبح من الواضح اليوم أن الخطاب السياسي الرسمي في إسرائيل تخلى عن خيار الدولتين المنفصلتين، وشرع عمليًا منذ سنوات في بناء نظام فصل عنصري صريح على الطريقة الجنوب الإفريقية السابقة.
ذلك ما يدرسه الإعلامي والكاتب الفرنسي “ميشال بول ريشار” الذي عمل سابقًا مراسلًا لصحيفة ” لموند” في جنوب إفريقيا في الثمانينيات، ثم في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة في السنوات الأخيرة.

الكتاب بعنوان “إسرائيل: الأبارتيد الجديدة”.
يرجع الكتاب إلى ظروف إنشاء دولة إسرائيل التي منحتها الأمم المتحدة 55 بالمئة من أرض فلسطين التاريخية، لكنها أصبحت اليوم تسيطر على 78 بالمئة من هذه المساحة الإجمالية. يذكر المؤلف أن رئيس الحكومة الإسرائيلية الأول دفيد بن غوريون كتب عند إعلان الدولة: “علينا أن نعتمد مثال إعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكية الذي لم يعين حدودًا أرضية، وكذلك الأمر بالنسبة لنا، لسنا ملزمين بتحديد حدودنا”.

أما دولة فلسطين التي كان من المقرر أن ترى النور سنة 1947، فلا تزال حلمًا بعيد المنال، وظلت الحالة الفلسطينية استثناء في الإقليم، فلم تخضع لمبدأ تقرير الشعوب لمصيرها الذي كان أساس شرعية البلدان العديدة التي ظهرت في المنطقة.
لقد تم تهجير وطرد السكان الفلسطينيين من أرضهم الأصلية، ولم يعد يتجاوز عددهم في إسرائيل اليوم سوى مليون ونصف فرد لا يتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة، في حين وصلت سياسات الاستيطان وضم الأراضي مداها في المناطق المحتلة 1967 إلى حد تقويض أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة في هذه المناطق.
إن هذه المعادلة تندرج بالنسبة للمؤلف في نطاق نظام الفصل العنصري الذي عرفته سابقًا جنوب إفريقيا، وهو نظام أعيد إنتاجه في صيغ جديدة تتناسب مع خصوصية الإقليم ومع الهدف النهائي لإسرائيل الذي هو الحفاظ على “الهوية اليهودية” للدولة العبرية.

ومع أن إسرائيل حرصت على عدم وضع نصوص مؤسسية وتنظيمية تكرس الفصل العنصري بين اليهود والعرب على غرار حالة جنوب إفريقيا (من 1948 إلى 1994)، إلا أنها مارست عمليًا نفس النظام التمييزي العنصري داخل الدولة العبرية (تجاه غرب إسرائيل الذين يشكلون 20 بالمئة من السكان) وفي الضفة الغربية (2.6 مليون ساكن).

لقد وصف القاضي الجنوب الإفريقي ريتشارد غولدستون وهو يهودي وعضو سابق في المحكمة الدستورية في جوهانسبورغ هذا النظام الدائر في إسرائيل بأنه تنطبق عليه السمات الأساسية للأبارتيد التي مرت بها بلاده من قبل، وهو ما أكدته محكمة راسل الدولية دون تحفظ.

ورغم ما يظهر من اختلاف بين الصهيونية ونظام الأبارتيد، إلا أن العديد من السمات تجمع بين البيض الأفريكانز واليهود الصهاينة مثل القول بالطابع المقدس للنصوص الدينية والمناطق التي تذكرها، ومكانة الدين في الحياة العمومية، وفكرة الشعب المختار  وغيرها. وهذا التشابه هو ما يفسر العلاقات الخاصة التي قامت سابقًا بين إسرائيل ودولة جنوب إفريقيا العنصرية.

والواقع أن تعريف الأبارتيد الذي اعتمدته هيئة الأمم المتحدة ينطبق تمامًا على إسرائيل، وهو يشمل كل الأعمال غير الإنسانية التي تهدف إلى فرض هيمنة مجموعة عرقية معينة على بقية مكونات المجتمع، من تقييد للحقوق الأساسية، وفصل في المواقع، وتمييز في الفرص واستغلال على أساس هوياتي.

من مظاهر هذا الفصل العنصري التي يقف عندها المؤلف سياسة التهويد في القدس التي أصبحت انتهاكًا للقانون باعتمادها العاصمة الموحدة لإسرائيل عبر إفراغ المدينة المقدسة من الفلسطينيين وتطويق الأحياء العربية بالمستوطنات اليهودية. لقد تم تطبيق هذه الاستراتيجية التهويدية الشاملة في مدن كبرى مثل الخليل التي خضعت لتطهير عرقي شامل، ضمن الرؤية التي عبرت عنها رئيسة الوزراء السابقة غولدا مائير سنة 1967 بقولها إنه “لا مكان لشيء اسمه الفلسطينيون الذين لا يوجدون في الواقع”. إنه الرأي الذي طرحه كثير من قادة الدولة العبرية والوجوه السياسية مؤخرًا، بل إن بعضهم لم يتردد في المطالبة بسحب المواطنة من عرب 1948 الذين يعيشون في قلب إسرائيل.

ومن ثم، يستنتج المؤلف أن القرار الاستراتيجي الثابت للمؤسسة الصهيونية بمختلف تياراتها هو رفض أي اتفاق مع العرب يفضي إلى تسوية سلمية حول الأرض. لا فرق هنا بين فلاديمير جابونتسكي الذي وضع نظرية “الجدار الحديدي” القائمة على احتواء الفلسطينيين في معازل مغلقة لا تسمح لهم بأي حقوق أو وجود قانوني، وتيودور هرتزل الذي صرح بأنه لا مكان لسيادة مزدوجة على عموم أرض فلسطين.

النتيجة التي وصلنا إليها حاليًا هي أن 70 بالمئة من الفلسطينيين أصبحوا في وضعية لاجئين أو مهجرين، وهي حالة لا مثيل لها في العالم المعاصر، ولا يبدو أنها تثير أي امتعاض أو رفض داخل العالم الغربي.

الخلاصة التي ينتهي إليها المؤلف هي أن مسار السلام قد توقف نهائيًا ولم يعد من الممكن دفعه مجددًا. لقد فشلت كل المشاريع والتسويات السابقة نتيجة للرفض الإسرائيلي، ولم تتجاوب حكومة تل أبيب مع المبادرة العربية التي قدمت من بيروت في آذار/مارس 2002. ومع أن الفلسطينيين ثابتون على موقفهم المطالب بقيام دولة مستقلة على خط حزيران/يونيو 1967 أي بقبول 22 بالمئة فقط من أرض فلسطين التاريخية، إلا أن إسرائيل ترفض الحد الأدنى من التنازل مقابل السلم. الجديد مع نتنياهو هو أن أي حل مقبول يجب أن يتضمن التنازل عن السيادة والأرض وقبول الاستيطان، وأقصى العرض هو فرض محمية يهودية على معازل مشتتة في مساحة ضئيلة من المناطق المحتلة.
لقد كان رئيس الوزراء الأسبق إسحاق شامير صريحًا عندما قال إن أكبر خطر على إسرائيل هو إنشاء دولة فلسطينية ومن ثم فإن الخيار الوحيد المتاح هو إفراغ الأرض من الفلسطينيين وفرض الأمر الواقع في المجال الممتد من النهر إلى البحر.

ذلك هو مضمون بديل الفصل العنصري أي سياسة الأبارتيد التي أصبحت حقيقة قائمة في كل أبعادها التدبيرية والتنظيمية والمؤسسية، ولا خيار للفلسطينيين سوى مقاومتها بدلًا من التشبث الطوبائي بالدولة المستقلة المستحيلة.