الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

اتباع نهج محوره الإنسان في الأمن المناخي
بقلم ميريام لوبيز، مستشارة التحولات العربية والنهضة في مركز النهضة الاستراتيجي

مشاركة

 بينما تجذب قضية الأمن المناخي قدراً كبيراً من الاهتمام في الأبحاث وحوار السياسات، فلا بدّ من التطرق إليها ضمن إطار الأمن البشري الأوسع واغتنام الفرص التي توفرها لتعزيز مشاركة مواطني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فيها.

يستند النقاش الدائر حالياً حول العلاقة بين التغيّر المناخي والسلام والأمن إلى الافتراض القائل بأن آثار التغير المناخي ستؤدي إلى تفاقم التوترات، والنزاعات والمظالم القائمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما يمكن لها أيضاً أن تخلق تهديدات أمنية جديدة ناجمة، في الأساس، عن نزوح الفئات السكانية المتضررة قسراً، والتنافس على الموارد الطبيعية التي تزداد شُحاً. ومع ذلك، فإن الأبحاث المحدودة التي تتناول هذا الموضوع هي استقرائية إلى حد كبير دون أن تؤدي إلى الوصول إلى استنتاجات قاطعة حول العلاقة بين التغير المناخي والأمن. ومن المثير للاهتمام ما تُظهره بعض الأبحاث حول كون التغير المناخي “متغيراً وسيطاً” لا “محركاً رئيسياً للنزاع” [1]. وهذا يعني تأثير العوامل الحاسمة الأخرى كهياكل الدول المؤسسية والاقتصادية على احتمالية وقوع النزاعات التي تزداد كذلك بالاعتماد على مستوى قدرة الفئات السكانية المتضررة على الصمود، ومدى ضعفها، وهشاشتها وقدرتها على التكيف.

يعكس هذا الوضع الراهن للأبحاث أحدث البيانات الصادرة حول أولويات المواطنين العرب؛ إذ أفاد المستجيبون في استطلاع المؤشر العربي لعام 2022 [2]بأن المشاكل الأكثر إلحاحاً التي يواجهها العرب هي المسائل الاقتصادية، وضعف الأداء الحكومي والسياسات الحكومية، والأمن والسلامة وعدم الاستقرار السياسي. لذلك، وعلى الرغم من تزايد الوعي والقلق بشأن تداعيات التغير المناخي، فما هو إلا مجرد واحد من التحديات العديدة التي يعاني منها الأشخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

انطلقت الدورة الثامنة والعشرون من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “COP28” التي استضافتها الإمارات العربية المتحدة الأسبوع الماضي، وشملت سلسلة من النقاشات حول التغير المناخي والسلام والأمن. ومن المسائل التي تناولها الخبراء طرق جعل سياسات المناخ وبرامجه أكثر حساسية للسلام والأمن. فيما يلي بعض الاعتبارات التي شاركتها منظمة النهضة للديمقراطية والتنمية (أرض) معهم للمساعدة في النهوض بهذا النقاش:

 

  1. لا يمكن فصل الأمن المناخي بمعزل عن العدالة المناخية

ويعني هذا تحديداً أننا نتحمل مسؤولية تطوير سياسات وبرامج مناخية شاملة تتخطى الفوارق بين الجنسين، وتلك الاختلافات الجغرافية والاجتماعية؛ والتي تأخذ في الحسبان احتياجات الفئات الأكثر ضعفاً وهشاشة من السكان المتضررين واعتباراتها، بما في ذلك اللاجئين والمهاجرين منهم؛ وتدمج الاهتمامات البيئية الأخرى ضمنها كتردّي التربة، وتلوث الهواء، واستنزاف الموارد الحيوية ومعالجة النفايات. ويتأثر اللاجئون البالغ عددهم 16.7 مليون لاجئ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خصوصاُ بموجات الحر، وشح المياه وانعدام الأمن الغذائي، ما يعني وجوب البعد عن تجاهلهم وتركهم خلف الركب.

 

  1. لا يمكن تحقيق الأمن المناخي دون الالتزام بالأمن البشري

نرى باستمرار العنف والقمع الذي تمارسه قوات الشرطة ضد المتظاهرين والناشطين في مجال المناخ في الغرب والبلدان العربية. لقد أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة في تموز/يوليو 2022 بأن البيئة النظيفة، والصحية والمستدامة هي حق من حقوق الإنسان، لذا يجب عدم تجريم احتجاجات المواطنين ومبادراتهم السلمية الساعية إلى المطالبة بهذا الحق وإعماله أو وتقويضها. ومن الواجب علينا دعم بيئة تمكينية تحترم الحق في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات والتنقل، ما يسمح للمواطنين في الوطن العربي وأماكن أخرى بالمشاركة النشطة والهادفة في العمل المناخي.

 

  1. لا يمكن للأمن المناخي أن يكون فعالاً دون إدماج مبادئ محلية العمل الإنساني

كما رأينا خلال فترة الجائحة أو في أوقات الحرب، فإن الموظفين الوطنيين والعاملين في المنظمات غير الحكومية المحلية ومنظمات المجتمع المدني هم من يحتل صدارة الاستجابة لحالات الطوارئ؛ إلا أنهم ما يزالون يكافحون لإيصال أصواتهم والحصول على حصة عادلة من التمويل الإنساني والتنموي، كما لا يستطيع العديد منهم الوصول حتى إلى النقاشات العالمية حول التغيّر المناخي بسبب افتقارهم لتأشيرات السفر، أو الإمكانات المادية أو الاعتماد المناسب ما يمكنهم من حضور الاجتماعات رفيعة المستوى في المنطقة أو في الدول الغربية. لذلك، ثمة حاجة إلى تضخيم الأصوات المحلية وإبراز مبادراتها الإيجابية في وسائل الإعلام الرئيسية دون التركيز على الحروب التي تؤثر على الشرق الأوسط وحسب، إلى جانب تسهيل وصولها إلى نقاشات السياسات والتمويل لتعزيز قيادتها وقدرتها على الصمود.

لا ينبغي للجهود الرامية إلى جعل السياسات المناخية أكثر مراعاة للسلام والأمن أن تقتصر على تخفيف المخاطر فقط؛ بل ينبغي لها أيضاً أن تتبنى تحدي الأمن المناخي بوصفه فرصة لإعادة تعريف العقد الاجتماعي بين المواطنين العرب وحكوماتهم. ويمكن كذلك استخدام مكافحة آثار التغيّر المناخي مدخلاً للتصدي للنزاعات على الصعيدين الوطني والإقليمي، وإيجاد فرص اقتصادية مستدامة وتعزيز التماسك الاجتماعي. وأخيراً، مع تأجج الحرب في غزة وتعرض القطاع لقصف يعادل أكثر من قنبلتين نوويتين، فلا يسعُنا إلا التفكير في مسؤولية جعل السلام والأمن أكثر حساسية للتغيّر المناخي وحماية البيئة. كيف نجعل أطراف النزاع يتحملون المسؤولية عن الأضرار التي تلحق بالبيئة؟ كيف يمكن تعزيز التحوّل الجذري من شن الحروب إلى تمويل السلام والتكيف مع المناخ؟ كيف نضمن كون السلام والأمن حقاً للجميع وأن لا يقتصر هذا الحق على البعض دون غيرهم؟ تناولنا هنا بعض المواضيع التي ستتطرق إليها منظمة النهضة العربية (أرض) بشكل معمّق في مقالات لاحقة.

 


 

[1] إيران فيتلسونا وأميت توني. محرك رئيسي أم متغير وسيط؟ التغير المناخي والمياه والأمن في الشرق الأوسط (Feitelsona، E.، Tubi A.، A main driver or an intermediate variable؟ Climate change، water and security in the Middle East). (2017). التغير البيئي العالمي، 44،39-48.

[2] https://www.dohainstitute.org/ar/Lists/ACRPS-PDFDocumentLibrary/arab-index-2022-full-report-ar.pdf