الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

الصهيونية والمعضلة الفلسطينية
بقلم السيد ولد أباه، المفكر الموريتاني وعضو مجلس الأمناء

مشاركة

نواصل في هذا الحيز الاستمرار في عرض الدراسة التاريخية المهمة التي بدأنا في تناولها في الأسبوع المنصرم.

في كتابه “كيف ضاعت فلسطين ولماذا لم تربح إسرائيل”، يبين جان بيار فيليو كيف أن السلطات النازية قد وقعت اتفاقًا مع الحركة الصهيونية في آب/أغسطس 1933 يقضي بتهجير اليهود الألمان إلى فلسطين، بما سمح خلال سنوات قصيرة بوصول ما لا يقل عن 53 ألف يهودي إلى فلسطين. بيد أن إغلاق الولايات المتحدة الأمريكية لباب الهجرة اليهودية في سنوات الحرب العالمية الثانية هو الذي يفسر ذهاب أكثر هؤلاء إلى فلسطين.
ومما لا شك فيه أن هذه الهجرات قلبت الموازين الديموغرافية في فلسطين، فانتقل المكون اليهودي من عشر السكان سنة 1917 إلى ثلثها عام 1936.

وقد أدت هذه الهجرة الكثيفة إلى تأجيج الثورة العربية في 1936 وإلى قيام حركة مقاومة محدودة في وسط السكان الفلسطينيين. وهكذا، وجدت سلطات الانتداب البريطاني نفسها في ورطة، وأقرت أنها تسببت في صدام حاد وعنيف بين اليهود والعرب، وتبنت للخروج من هذا المأزق خطة لتقسيم الأرض بين الطرفين (خطة بيل الصادرة في تموز/يوليو 1937).

ومن أجل إفشال هذه الخطة، تشكلت العصابات الصهيونية الراديكالية العنيفة، وأشهرها الهاغانا التي كانت تضم في نيسان/أبريل 1938 عددًا من الأشخاص المسلحين يقدرون ب 21 ألف متطوع، استفادوا من دعم وتأطير قوات الاحتلال البريطانية.

وفي سنة 1939، أقرت الحكومة البريطانية مبادرة لإعلان دولة فلسطينية مستقلة في مدة لا تتجاوز عشر سنوات، على أن تكون بديلًا عن قرار التقسيم وأن تكون مزدوجة البناء القومي تجمع بين العرب واليهود. إلا أن هذا المشروع رفضه العرب واليهود معًا لأسباب متباينة.

ومنذ ذلك التاريخ، تحولت القضية الفلسطينية من اليد البريطانية إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت الحليف الأول للمشروع الصهيوني بقيادة بن غوريون وغريمه زيف جابوتنسكي رائد التيار المراجع الذي هو الخلفية التاريخية لليمين الراديكالي المتطرف الحاكم حاليًا في إسرائيل.

بعد موت روزفلت في نيسان/أبريل 1945 ووصول خلفه ترومان للسلطة، نجح التيار الصهيوني في الضغط على بريطانيا من أجل السماح بتكثيف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، كما قدمت الرعاية للاتجاه العنيف الذي استهدف السكان الفلسطينيين بالتقتيل والتهجير مثل جماعات الهاغانا الإرهابية المشهورة. وفي تشرين الأول/أكتوبر 1946، تبنى الرئيس ترومان رسميًا مشروع إقامة الدولة اليهودية في أرض “مناسبة” من فلسطين.

ومع منتصف 1947، أصبح من الواضح أن تجربة الانتداب البريطاني وصلت إلى أفق مسدود، وطرحت هيئة الأمم المتحدة الوليدة فكرة الدولة المستقلة في فلسطين بدلًا منها، في فترة كان السكان الأصليون العرب ما يزالون يشكلون ثلثي ساكنة البلاد. وفي نهاية المطاف، تبنت الهيئة الأممية قرار التقسيم بدعم سوفياتي أمريكي مشترك.

في هذا السياق، يبين فيليو أن ترومان ومن بعده لندون جونسون كانا نشيطين في الحركة الصهيونية الإنجيلية بما يفسر قربهما من بناة الدولة الإسرائيلية.

وبعد حرب حزيران/يونيو 1967، وصل المشروع الصهيوني إلى أفق جديد بالاستيلاء على القدس والأراضي الفلسطينية والعربية الأخرى، ولم يكن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الصادر نفس السنة سوى تمويه للوضع الجديد بما خلفه من غموض مقصود بخصوص الانسحاب من المناطق المحتلة ومن التفريط في حق اللاجئين الفلسطينيين.

ومع انتخاب نيكسون رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، تعزز التيار الصهيوني الإنجيلي وتحول إلى ظهير قوي ومعلن للحكومة الإسرائيلية. ومن هنا ندرك طبيعة وقوفه العسكري غير المسبوق مع إسرائيل في حرب 1973 مجنبًا تل أبيب هزيمة ساحقة محققة.

ومع أن اتفاقية كامب ديفيد الموقعة في آذار/مارس 1979 في عهد الرئيس كارتر سمحت بتحرير سيناء المصرية، إلا أنها كرست خروج أكبر دولة عربية من الصراع ولم تقدم أي حل ناجع للقضية الوطنية الفلسطينية.

وبعد استعراض تجارب التفاوض واتفاقيات التسوية السلمية بين العرب وإسرائيل في مرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة في عهد الرئيسين بوش وكلينتون والزعامات العمالية في تل أبيب، يخلص فيليو إلى أن ما نشهده حاليًا هو الخروج من منطق الصراع السياسي في فلسطين بما يقوم عليه من مدونة قانونية ومرجعية معيارية دولية إلى تحالف برغماتي بين الصهيونية الإنجيلية الراديكالية التي هي في نهاية المطاف معادية للسامية في مقوماتها العقدية وصهيونية مراجعة يمثلها اليوم رئيس الحكومة نتنياهو الرافض لكل حل سلمي للقضية الفلسطينية على أساس قواعد القانون الدولي.

إن هذه الوضعية تنتج عنها ثلاثة استنتاجات كبرى نستشفها من كتاب فيليو المهم، وهي:

  1. إن ما نعتقد أنه جوهر المشروع الصهيوني من حيث صلاته بالتراث اليهودي ليس سوى وهم، فالحقيقة أن المشروع الصهيوني لم يكن من نتاج المؤسسة الحاخامية ولم يتشكل من داخل التقاليد اليهودية نفسها، بل هو مشروع أصولي ديني برز ضمن بعض المذاهب المسيحية الأنغلوساكيونية في سياق نزعة سكاتولوجية انتظارية وأسطورية أول من حاربها هي الاتجاهات التنويرية والإصلاحية المسيحية نفسها.
  2. إن الدعم الأمريكي الاستثنائي لإسرائيل حتى في أكثر توجهات الصهيونية تشددًا وانغلاقًا، لا يمكن فصله عن تنامي واتساع الدور الانتخابي للجماعات الإنجيلية الراديكالية التي لم تفتأ تتقوى ويتسع نفوذها منذ عصر ترومان إلى اليوم. ومن هنا، فإن اختزال الدعم الأمريكي لإسرائيل في العوامل الاستراتيجية والسياسية ليس دقيقًا. بيد أن ما نشهده اليوم هو تفاقم الانفصام بين التيار اليهودي التقدمي والليبرالي في الولايات المتحدة الأمريكية مع الصهيونية القومية المتطرفة التي يمثلها اليوم حزب الليكود ونتنياهو والأحزاب الدينية المتحالفة معه.
  3. رغم كل الجهود الإسرائيلية، لم تنجح الدولة العبرية في وأد القضية الفلسطينية التي ما زالت حية ومطروحة بقوة على الأجندة الدولية، بل إن جل دول العالم صارت واعية أنه لا سلام ولا استقرار في الشرق الأوسط دون تحقيق المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني، وذلك ما يعني الفشل الذريع للمشروع الصهيوني في هدفه الأساسي الذي هو التصفية النهائية والجذرية للوجود الفلسطيني.