الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

المرأة العربية تُعيد رسم الأدوار في القوات المسلحة في الشرق الأوسط

مشاركة

بقلم: إيلينورا بانفي، مديرة معهد دراسات المرأة في مركز النهضة الاستراتيجي

في مقالٍ نُشر مؤخراً بتاريخ 5 آذار/مارس 2024 على موقع معهد الشرق الأوسط بعنوان “بطاقة تقرير حول إدماج المرأة في القوات المسلحة العربية”، تُلقي دينا عرقجي الضوء على الديناميكيات المحيطة بإدماج المرأة في القطاعين العسكري والأمني في جميع أنحاء المنطقة العربية. وفي حين تحتفي عرقجي بالتقدم المحرز في الأُطر السياسية والمؤسسية المتعلقة بأجندة المرأة والأمن والسلام، فهي تشير إلى التحديات الدقيقة والتكاليف المصاحبة لهذا التقدم. تُظهر التوجهات الإقليمية كيف أن إدماج المرأة في القطاعين العسكري والأمني كان في الغالب كأفراد غير قتاليين، كما هو الحال في تونس والإمارات العربية المتحدة. وقد أحرزت تونس تقدماً تدريجياً في إدماج المرأة في الجيش منذ عام 1976 مع نقاشات متفرقة حول الخدمة العسكرية الإلزامية للنساء. وبالمثل، اتخذت الإمارات العربية المتحدة خطوات قوية لشمول المرأة في قواتها المسلحة، الأمر الذي تجسد في تأسيس مدرسة خولة بنت الأزور العسكرية في عام 1991 وإنجاز الرائدة مريم المنصوري التي أصبحت أول سيدة إماراتية تقود طائرة مقاتلة في عام 2007. ومع ذلك، يبدو أن الأعراف والتقاليد الثقافية لا تزال تقف عائقاً أمام تحقيق المرأة لإمكاناتها الكاملة في هذه السياقات العسكرية كما يتضح من القيود التي تتطلب موافقة ولي الأمر اعلى مشاركة المرأة في الجيش في الإمارات العربية المتحدة.

يبذل الأردن منذ عقود من الزمن جهوداً لزيادة مشاركة المرأة في الجيش؛ إذ وافق الأردن لأول مرة على إدماج المرأة في القوات المسلحة الأردنية في عام 1950، وإن كان ذلك بشكل رئيسي في أدوار مساعدة مثل التدريس في المدارس العسكرية. وقد دفعت تفجيرات عمان المأساوية في عام 2005 إلى توسيع أدوار المرأة داخل القوات المسلحة الأردنية، وخاصة في وحدتي الاستخبارات ومكافحة الإرهاب. كما أظهر الأردن التزاماً راسخاً بتعزيز مشاركة المرأة في القوات المسلحة الأردنية. ولأن القوات المسلحة الأردنية تُدرك الدور الذي لا غنى عنه الذي تلعبه المرأة في حماية البلاد، فهي تمثل إحدى المؤسسات الأمنية الحكومية الرائدة التي فعلت تجنيد النساء وتمكينهن ليس ضمن صفوفها وحسب، بل على المستوى الدولي أيضاً. وإن إدماج المرأة في عمليات القوات المسلحة الأردنية، بما في ذلك المساعدات الإنسانية والمشاركة في بعثات حفظ السلام يؤكد تفاني الدولة في تعزيز المساواة بين الجنسين والنهوض بأجندة المرأة والأمن والسلام على الصعيدين الإقليمي والعالمي. ويبرز اعتماد استراتيجية إدماج النساء للقوات المسلحة الأردنية للأعوام 2021-2024، فيما يتماشى مع الموقف التقدمي للأردن، كإطار محوري للسياسة الوطنية يهدف إلى دمج المبادئ المنصوص عليها في الخطة الوطنية الأردنية لتنفيذ قرار مجلس الأمن 1325 بشأن المرأة والأمن والسلام. ترسم استراتيجية إدماج النساء خارطة مصممة لإزالة العقبات القائمة وضمان الوصول العادل للنساء إلى كافة جوانب الدفاع والأمن. ومن خلال الأهداف الاستراتيجية التي تركز على التحسينات الهيكلية والسياسات المستجيبة للنوع الاجتماعي وآليات الرقابة القوية، فإن الاستراتيجية تهدف إلى إضفاء الطابع المؤسسي على إدماج النوع الاجتماعي باعتباره حجر الأساس في استراتيجيات قطاع الأمن وعملياته. ويتبيّن لنا، من خلال التعمّق في التداعيات الأوسع لهذه المبادرات، كيف تُشكل الدوافع الكامنة والتصورات الخارجية قرارات الدولة لتوسيع أدوار المرأة في الدفاع والأمن، وكيف يُنظر إلى هذه الجهود في كثير من الأحيان على أنها مؤشرات للتحرر الاجتماعي أو مناورات استراتيجية لتأمين المساعدات الدولية وتحسين السمعة العالمية، وخاصة في البلدان التي تعاني من ضغوط مالية مثل الأردن وتونس.

استناداً إلى التطورات المحرزة المبيّنة في الخطة الوطنية الأردنية، تعكس البيانات الأخيرة خطوات كبيرة في تعزيز تمثيل المرأة ومشاركتها في القطاعين الأمني والعسكري في الأردن. ويجدر بالذكر أن تمثيل المرأة ازداد أكثر من الضعف في صفوف أفراد الأمن والجيش بين عامي 2019 و2020، مع ارتفاع نسبة النساء العاملات في القوات المسلحة الأردنية من 6.8% إلى 8.83%. وعلى الرغم من هذه المكاسب، فقد شهدت نسبة النساء اللاتي يتقلدن مناصب قيادية عليا داخل القوات المسلحة الأردنية انخفاضاً طفيفاً، مما يؤكد على التحديات المستمرة في تحقيق المساواة بين الجنسين على كافة المستويات. ومع ذلك، فإن الالتزام بتعزيز مشاركة المرأة يبدو جلياً في ازدياد نشر النساء في بعثات حفظ السلام، بحيث تشكل النساء 14% من مجموع كافة أفراد القوات المسلحة الأردنية الذين تم نشرهم في مثل هذه العمليات في عام 2020. علاوة على ذلك، كانت الجهود المبذولة لتعزيز القدرات المؤسسية القائمة على النوع الاجتماعي ملحوظة من خلال تأسيس مكاتب للنوع الاجتماعي وتعيين مستشارين ومنسقين في مجال النوع الاجتماعي ضمن كلا القوات المسلحة الأردنية ومديرية الأمن العام.

يشكل ازدياد تواجد المرأة في قطاع الدفاع قيمة عظيمة من حيث تنفيذ أجندة المرأة والأمن والسلام، إلا أنه يؤكد كذلك على التوترات القائمة بين استراتيجيات الدفاع والمبادئ التأسيسية لأجندة المرأة والأمن والسلام المتجذرة في الحراك المناهض للعمل العسكري. في الواقع، كانت الغاية الأصلية لأجندة المرأة والأمن والسلام تتمثل في هدف إنهاء الحرب تماماً وليس مجرد جعل الحرب أكثر أماناً للنساء، مما يعكس طموحاً أوسع للسلام. ومع ذلك، وكما أشرنا في هذه المدونة، يمكن لمؤسسات الدفاع أن تلعب دوراً حاسماً في تنفيذ أجندة المرأة والأمن والسلام عبر خمس مجالات رئيسية. من الجدير بالذكر أن مبادرات كاللجنة الاستشارية للمجتمع المدني التابعة لحلف شمال الأطلس (الناتو) تجسد أفضل الممارسات في المشاركة المدنية العسكرية. علاوة على ذلك، فإن إعطاء الأولوية للتدريب والتعليم ضمن أُطر الدفاع من شأنه ضمان الاستعداد التشغيلي وتعزيز الوصول إلى فهم أعمق لمبادئ أجندة المرأة والأمن والسلام بين أفراد الجيش. ويجب على القيادة على جميع المستويات دعم أجندة المرأة والامن والسلام مع الاعتراف بأهميتها بما يتجاوز مجرد كونها “قضية للمرأة” والسعي جاهداً إلى تحدي الثقافات المؤسسية من أجل تحقيق قدر أكبر من الإدماج والشمولية. وأخيراً، يوفر نشر مستشارين في النوع الاجتماعي ضمن هياكل الدفاع خبرات قيّمة في إدماج أجندة المرأة والأمن والسلام في العمليات اليومية على الرغم من استمرار التحديات القائمة في التدريب وتخصيص الموارد على سبيل المثال. ويتطلب تطبيق منظور قائم على النوع الاجتماعي في أجندة المرأة والأمن والسلام أكثر من مجرد تمثيل رمزي؛ إذ أنه يستلزم اتباع نهج شمولي يتصدى لأوجه عدم المساواة الهيكلية والتحديات القائمة في المعايير الجندرية السائدة ضمن مؤسسات الدفاع. ومع ذلك، يبدو جلياً أن العديد من الدول، لاسيما في شمال الكرة الأرضية، قد تناولت أجندة المرأة والأمن والسلام بالتركيز على “جعل الحرب آمنة للنساء”، بحيث غالباً ما تتجاهل وكالة المرأة في المناطق المتضررة من الصراعات وتُعزز الخطابات الأبوية. على أية حال، يظل المجتمع المدني محورياً للنهوض بأجندة المرأة والأمن والسلام، حيث يعمل كرقيب وشريك في الوقت ذاته في مساءلة الحكومات ومؤسسات الدفاع عن التزاماتها. لذلك، لا بدّ لكيانات الدفاع أن تنخرط بفعالية مع المجتمع المدني وتُعطي الأولوية للقيادة التي تعترف بأن أجندة المرأة والأمن والسلام هي جزء لا يتجزأ من الجهود الأوسع الساعية لتحقيق السلام والأمن.

وأخيراً، يُتيح لنا النظر من عدسة نسوية في المشاركة المتزايدة للمرأة في الأدوار الأمنية والعسكرية استكشاف كيف تتقاطع هذه التطورات مع السعي إلى تحقيق السلام الدائم ضمن أجندة المرأة والأمن والسلام، مما يوفر رؤى وأفكاراً حول الأساليب المتطورة للسلام والأمن العالميين. وفي حين طرأت تطورات ملحوظة على الصعيدين السياسي والمؤسسي كما أشرنا سابقاً، إلا أن الهدف الأساسي لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325 بشأن المرأة والأمن والسلام قد تكبّد خسائر؛ إذ حصل تحول ملحوظ عن المبدأ الذي أطلقه قرار مجلس الأمن رقم 1325 والذي يدعو إلى إلغاء الحرب إلى التركيز على جعل النزاع المسلح أكثر أمناً للنساء. وقد أدى هذا التحول إلى حدّ كبير إلى مشاركات “شعائرية” للمرأة حيث تُقبل المعايير بشكل رسمي، ولكنها تُقوّض بفعل التراخي وعدم اتخاذ إجراءات. لقد كان النهج الذي تبناه مجلس الأمن، تحت ستار حماية النساء في ظروف الحرب وتعزيز حقوقهن، يميل إلى تعزيز النهج العسكري في التعامل مع السلام، مما يؤدي إلى إدامة سوق الأسلحة الدولية وعمليات حفظ الأمن القمعية. وهكذا تم تهميش التطلعات العالمية لإحداث تغيير جوهري في السلام والأمن الدوليين، وتم تقليصها لمجرد السعي إلى تحقيق مكاسب إضافية في المشاركة والسلامة ضمن هياكل الصراع القائمة. في الختام، تكشف رحلة إدماج المرأة في القطاعين العسكري والأمني في أنحاء الشرق الأوسط عن نسيج معقد من التقدم والتحديات. ففي حين تم قطع أشواط جديرة بالثناء في إدماج النوع الاجتماعي، إلا أن المعايير الثقافية الكامنة والديناميكيات السياسية لا تزال تُعيق التحقيق الكامل لتطلعات أجندة المرأة والأمن والسلام الرامية لتحقيق السلام والأمن. ويؤكد انتقاد نهج مجلس الأمن تجاه المرأة والأمن والسلام الحاجة إلى تحول نموذجي بعيداً عن المفاهيم العسكرية للسلام نحو رؤية أكثر شمولية تُعطي الأولوية لنزع السلاح ومنع الصراعات وتمكين المجتمعات المهمشة. وبينما نفكر في تجارب المرأة في القطاعين العسكري والأمني، يُصبح جلياً بشكل متزايد أن السلام الحقيقي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال معالجة الأسباب الجذرية للصراع وإزالة الحواجز النظامية التي تديم أوجه عدم المساواة بين الجنسين في حالات الصراع وما بعد الصراع. وبينما نتعامل مع تعقيدات إدماج النساء في القطاعين العسكري والأمني، لابدّ من الدعوة إلى إحداث تغييرات جوهرية تُعطي الأولوية لرؤية أكثر شمولية للسلام، بحيث تشمل نزع السلاح ومنع الصراعات وتمكين المرأة باعتبارها وكيلاً للسلام المستدام.