الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

عصر النهضة وسياسة الجماليات.. تقديم لإنهاء استعمار فكر النهضة

مشاركة

بقلم رافاييل فيدريسي

أخذت كلمة (Renaissance) الإنجليزية وتعني النهضة عن اللغة الفرنسية والتي تعني “الولادة الجديدة”. حيث استُخدم هذا المصطلح في اللغة الإنجليزية لأول مرة في القرن التاسع عشر، لوصف فترات تاريخية معينة وهي القرنين الخامس عشر والسادس عشر للميلاد في إيطاليا، والقرنين السادس عشر والسابع عشر للميلاد في إنجلترا.

أما أصل هذه الكلمة الفرنسية فيعود إلى الكلمة الإيطالية”Rinasscita” والتي تعني أيضًا الولادة الجديدة، حيث وردت للمرة الأولى في نص مكتوب يتناول الفن، وتحديداً في مقدمة كتاب “حياة الفنانين” لمؤلفه الفنان الإيطالي جورجيو فازاري، وهو عمل ضخم أنجزه عام 1550م، ونُقح في عام 1568م. يقول فازاري في هذا الكتاب: “إنه ومن ضمن أمور أخرى، فإن الفن قد سقط في فترة من الانحدار بعد العصور القديمة، إذ كانت الرسومات والمشاهد التي صوّرها الفنانون عبارة عن “Rosse e Brutte”(أي حمراء قبيحة أو معّرفة بشكل قبيح)”.

بالنسبة لفازاري، عبرت كلمة “Rinascita” عن الولادة الجديدة لعظمة الفن القديم، وتقنياته وموضوعاته، إذ اعتبر فازاري أن الفن القديم هو ذلك الذي أوجده اليونانيون في القرن الخامس قبل الميلاد، والرومان بين القرنين الأول والثالث الميلادي.  فازاري اعتبر أيضاً أن القرن الخامس عشر والسادس عشر للميلاد شهدا اهتمام الفنانين الإيطاليين بالتشريح والجمال مجددًا، كما كان الفنانون القدماء في سابق عهدهم، فعاد الرسامون والنحاتون للاهتمام بالعري تأسيًّا بسابقيهم، وأرادوا بذلك إظهار الأجساد عارية على طبيعتها كما جرت العادة في العصور القديمة.

يعتقد فازاري أن الرسامين الإيطاليين كانوا يريدون إظهار سقوط الضوء الطبيعي على الجمادات والإنسان، ونسخ الطبيعة بجميع أشكالها كذلك، غير أنهم اهتموا بإضفاء الطابع المثالي على الحياة أيضًا، كما صنع الفنانون في العصور القديمة. ومن خلال تسميتها بولادة الفنون الجديدة، يفترض فازاري بوضوح أن فن العالم القديم الذي امتد من عام 800 قبل الميلاد وحتى 300 للميلاد، كان الأجدر بالاهتمام من فنون القرون الوسطى التي وجدت بين عامي 300 إلى 1400 للميلاد، ولا بد أن الفن الغربي القديم كان هو الأنموذج أو المثال الذي سار عليه الرسامون في الفترة التي كان فازاري يكتب نصوصه خلالها. وبعد فترة طويلة من توظيف فازاري كلمة “Rinascita” في وصف الفن الذي أنتجته إيطاليا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر للميلاد، ينطبق مصطلح عصر “النهضة” على الفن الأوروبي الواقع بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر للميلاد في سجلات الفن الحديث.

وفي الوقت الذي درس فيه الباحثون فن عصر النهضة، فإنهم قد زادوا من صقل مصطلحاتهم الوصفية عنه. وباعتبار أن أغلب فنون التريسينتو الإيطالية، أو تلك الواقعة في القرن الرابع عشر للميلاد، تتبع الطراز القوطي، فإن عصر النهضة بالنسبة لأغلب الباحثين يبدأ في القرن الخامس عشر للميلاد فقط، أو ما يعرف بالكواترسينتو (أي الواقع في سنوات ذلك القرن)، الذي تمثل في اختراع منظور النقطة الواحدة والعودة إلى الاهتمام بفن العمارة والتشريح الكلاسيكيين. واستمرت ذات الاهتمامات بالكواترسينتو في سينكيوسينتو، أي القرن السادس عشر الميلادي.

أيضًا، فإن الولادة الجديدة تعني:

  • تجدّد الاهتمام بالمواضيع الوثنية المتعلقة بالرسم والنحت، في أوروبا العصور الوسطى، حيث قُدّمت القصص المسيحية في الفن، من خلال الرسم والنحت، وفي عصر النهضة، رُويت حكايات الآلهة اليونانية والرومانية مجددًا في الفن، إلى جانب المسيحية منها. كما انعقد مؤتمر الكنائس اليونانية والرومانية في عام 1439م في فلورنسا وشهد وحدة فرعي الكنيسة الكاثوليكية، وبالتالي التقاء الفكر اليوناني بالإيطالي. وكان الفلورنسيون الفضوليون مهتمين بتعلم اليونانية وقراءة النصوص اليونانية واللاتينية بلغتها الأصلية؛ ولم تكن الكثير من تلك النصوص مسيحية، بل إنها سبقت وجود هذه الديانة. وفي هذه الفترة وتحديداً عام 1439م تعرف أهل فلورنسا إلى كتّاب مثل أفلاطون، وسوفوكليس، ويوريبيدس، وهيراكليتوس، وأرسطو، وهيرودوت، ولوكريتيوس وبيليني، أصحاب العقول والفكر المثير والذي لم يدرك السيد المسيح إطلاقًا. ونتيجة لذلك، أراد الفلورنسيون معرفة رأي هؤلاء الكتّاب والمواضيع التي ألّفوا فيها، والتي كانت في الأغلب وثنية؛ إذ حتى ذلك الوقت عمل الفنانون الإيطاليون بتكليف من الرعاة المثقفين على انتاج الفنون، من  لوحات ومنحوتات مستقاة من المواضيع الكلاسيكية.
  • وتجدّد الاهتمام بالنماذج المعمارية اليونانية والرومانية: إذ عاد المهندسون المعماريون الإيطاليون مثل برونيليسكي أو ألبيرتي، لقراءة أطروحة فيتروفيوس عن الهندسة المعمارية، الذي يعد مهندس القرن الأول قبل الميلاد.
  • أُعيد إحياء الاهتمام المتجدد بالتشريح الدقيق، والنحت والرسم، وبالفضاء، واللون والضوء، في الرسومات، مع الرغبة الكلاسيكية في تقليد الطبيعة في سنوات القرن الرابع عشر الميلادي انتقالًا إلى القرن الخامس عشر الميلادي. وقد ركز فنانو عصر النهضة على إظهار العضلات الحقيقية والأجسام المتناسبة، كما رَغِبِ رسامو عصر النهضة في إظهار آثار الجاذبية الأرضية على تلك العضلات والعظام تحت ما يغطيها. ولأنهم درسوا التشريح الدقيق والنحت الكلاسيكي، فإنهم أنتجوا مجسمات وتماثيل بشرية تمتاز بمظهرها الواقعي.
  • الاهتمام المتجدد بتصوير البشر الحقيقيين في الرسم والحجر (الصور الواقعية). إذ اهتم الفنانون الكلاسيكيون وخاصة النحاتون الرومان للغاية بخلق صور دقيقة لأسلافهم، بما أن العُرف كان يقتضي حمل صور أفراد الأسرة المتوفين في مواكب الجنازة، إذ ينبغي أن تكون سمات وجوه هؤلاء الأسلاف واقعية حتى يتسنى للآخرين تمييزهم.
  • جاءت الرغبة في منافسة الفنانين القدماء والتفوق عليهم مع ازدياد تقدير الفن القديم، إذ خلق العديد من الفنانين الإيطاليين الذين ذكرهم فازاري أعمالًا فنية للتنافس مع الفنانين القدماء المعروفين. فعلى سبيل المثال يتنافس بوتيتشيلي بلوحته التي تحمل اسم (Calumny of Apelles) مع لوحة شهيرة لأبيليس وصفها لوتشيان (يُذكر أن اللوحة الأصلية مفقودة، ويعود تاريخها للقرن الرابع قبل الميلاد).

وفي هذا الإطار المعقد، فإن ولادة منظور جديد أمر أساسي لفهم كيفية ارتباط الجماليات ارتباطًا وثيقًا بأصول المعاصرة. وقد لفتت الفترة الفاصلة بين أواخر عصر النهضة وأوائل عصر التنوير في أوروبا -بما يمكن تسميته بالقرن السابع عشر “الطويل”، بين حوالي العامين 1575 و1725 للميلاد- وبشكل محدد، انتباه أولئك المهتمين بالتطورات الفكرية التي مكنت حدوث التحقيق المنهجي للثقافة والمجتمع والمعتقد، إضافة إلى العلم والتقنية الحديثة.

وفي هذا الإطار الزمني، ينبغي سرد حقائق إضافية. فعصر النهضة هو أيضًا نتاج نظام العلاقة المعقدة مع الإمبراطورية العثمانية والغزو العثماني للقسطنطينية في عام 1453 للميلاد، إذ درج الاعتقاد على أن سقوط الإمبراطورية الرومانية الشرقية كان السبب في نشوء النهضة الأوروبية.

غير أن هذه هي إحدى الروايات المحتملة فحسب.  بالنسبة لي، فلا يسعني سوى الإعجاب بالإسهام الفكري لإسبانيا “المسلمة” في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلادي في إحياء التعلم أكثر من ذاك الإسهام الذي قدمته النخب البيزنطية في القرن الخامس عشر في هذا الخصوص. وعلاوة على ذلك، فإنني أدرك أن هذا التراث الزاهي ما هو إلا نتاج التجربة الأندلسية، فقد كان العصر الذهبي الذي كانت عليه الأندلس مثالًا على الازدهار الثقافي والفكري في بيئة يسودها التسامح الديني والعرقي. لقد سبّب التطرف ضياع هذا التراث والذاكرة في العالم الغربي والشرق الأوسط على حد سواء. وهنا، أود اقتراح ما يمكن أن ندعوه إستراتيجية إنهاء الاستعمار لتعزيز التعايش والتنمية البشرية والاجتماعية والثقافية في المجالات التي تحتاج الإفادة والإنتاج.

ليست المعاصرة هنا زمنًا تاريخيًا أو عصرًا، وإنما هي عبارة عن بنية زمنية. في هذه الحالة: هي تمثل تزامنًا محايدًا وتعايشًا قسريًا. إنّ “المعاصرة”، بمعناها الأوسع ودون الإشارة إلى أي عصر، هي كل ما يتعايش وما ينتمي إلى زمن معين، ولا حاجة إلى أن يستند هذا التعايش إلى تقاسم السمات والهويات، بما يمثل شكلًا من أشكال المجتمع الكبير. وبما أن الأشياء والناس والأحداث تتعايش، فلا توجد حاجة إلى ذكر أية حجة أخرى.

وكما ذكرت سابقًا، فإن التعاصر (أو التزامن) محايد والتعايش طارئ، لكنه يمتاز بالدقة في الوقت ذاته ذلك أنه يجيز تجميع مختلف أنواع الوجود تحت مصطلح فريد من نوعه (“العصر”، “الوقت”، “المعاصرة”)، إذ يبدو أن التعايش يستدعي تجاوز حالات الطوارئ هذه. ولذلك، فمن الضروري أن يمَنح التزامن سردية لذاته وأن يثبت نفسه كمجتمع حقيقي في وقت ما، وأن تعمل هوية، أو سبب، أو مضمون ما على تفسير حقيقة التعايش مع إثبات كونها مسألة حاضر مشترك بالفعل.

ومن ثم، ينبغي أن تُفهم المعاصرة على أنها معاصرة محايدة تميّز نفسها بعدم الكفاية وتطمح إلى وحدة مجتمع كبير. أعتقد أن الرقص بوصفه حدثًا مشهديًا، يتشكل مباشرة من بنية مماثلة، كما لا يمكن التعبير عنه إلا على خشبة المسرح، وهو ليس سوى بنية معاصرة، وبالتالي فهي ذات طابع زمني. وبالعودة إلى “المعاصرة”، فقد شهدت السنوات العشرة الماضية حدوث تغيير معين في مجال الرقص. ولا يمكن فهم هذا التغيير إلا بالإشارة إلى معاصرة المشهد، التي من شأنها أن تكون بمثابة عمل انعكاسي للأداء، وإيقاظًا للرهانات الجذرية وتأسيسًا لها.

وفي هذا السياق، تعني النهضة تحولًا في العالم، والتزامًا بعدم ترك أي شخص متخلف عن الركب وضمان حقوق جميع الأفراد، الأمر الذي ينسجم أيضا إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 70/1، وجدول أعمال التنمية المستدامة لعام 2030، الذي يتضمن الإعلان وأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر والتي تتضمن 169 غاية للتنمية المستدامة، وتم اعتمادها في 25 أيلول/سبتمبر 2015.

*رافييل فيديرسي قسم الهندسة المدنية والبيئية ، جامعة بيروجيا ، إيطاليا.