الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

من النظرية إلى الممارسة: تطبيق مفاهيم الفروقات بين الجنسين عمليًا

مشاركة

بقلم: إيلينورا بانفي، باحثة ومديرة دراسات المرأة في مركز النهضة الاستراتيجي

في شهر يوليو/تموز الماضي، سنحت لي فرصة السفر إلى رواندا لحضور دورة تدريبية تتناول موضوع النهج التحولي للتعامل مع القضايا الجندرية، قدمتها منظمة رتغرز، والتي تطرقت إلى قضايا بالغة الأهمية تتعلق بالمساواة بين الجنسين، وعلاقات القوة، والتنوع، وحقوق الإنسان. منحني هذا التدريب العملي، المصمم لتزويد المشاركين فيه بالمهارات والاستراتيجيات العملية اللازمة لتعزيز المساواة بين الجنسين، عدة رؤى وخبرات ثرية في هذا الخصوص.

تتطلب البرامج التي تراعي الفروقات بين الجنسين قدرًا كبيرًا من المعرفة النظرية بقدر ما تتطلب أيضًا امتلاك مهارات عملية في التواصل، والتفاوض والمناصرة. وقد عززت طبيعة هذا التدريب التعاونية تبادلًا مثريًا للأفكار والخبرات، مؤكدة على قيمة التعلم الجماعي وحل المشكلات. كما أظهرت الكيفية التي أدى بها العمل مع مجموعة متنوعة من الممارسين إلى الخروج بحلول مبتكرة ورؤى أعمق في قضايا محددة وذات صلة.

منذ بدأت العمل في منظمة النهضة العربية للتنمية الديمقراطية (أرض) في عام 2023، تحول فهمي لآليات تطبيق نظريات الفروقات بين الجنسين بصورة جذرية. أما في الأردن؛ فقد تعلمت أهمية وضع هذه النظريات في سياقها المحلي سعيًا إلى العمل على أسس سليمة وفعالة مع المجتمعات الموجودة في المملكة. إضافة إلى ماسبق، علمتني هذه التجربة أن تطبيق هذه النظريات الفاعل يتطلب فهمًا عميقًا للثقافة المحلية، والأعراف وديناميكيات القوة لسد الفجوة بين النظرية وممارستها، وقد سمح لي تركيز منظمة النهضة العربية (أرض) على التدخلات المصمّمة خصيصًا برؤية مدى الحاجة إلى وجود نُهج دقيقة تحترم معتقدات المجتمع مع حرصها على تعزيز المساواة بين الجنسين.

 

تحول عملي في النموذج

فتح هذا التدريب عينيّ على عدة أمور، فعلى عكس التركيز على المفاهيم النظرية الذي يغلب على نُهج أخرى، تميز تدريب النهج التحولي للتعامل مع القضايا الجندرية بالتفاعلية العالية وكونه موجهًا نحو الممارسة والتطبيق في المقام الأول. ضمت مجموعة المشاركين في التدريب خبراء وممارسين في مجال الفروقات بين الجنسين من جميع أنحاء العالم، وكان هذا التنوع ضروريًا لفهم كيفية تطبيق نظريات الفروقات هذه ضمن سياقات ثقافية واجتماعية متنوعة، ما يسمح بترجمة النظرية إلى ممارسة. خلال النقاشات الدائرة، أدركنا أن أكثر الجوانب تحديًا يتمثل في طريقة تقديم المواضيع الحساسة وعرضها أمام المجتمعات، ففي كل بلد، يمكن للمعايير والمعتقدات الثقافية أن تعيق على نحو ملحوظ القدرة على مناقشة قضايا معينة بانفتاح. إن فهم هذا النوع من الديناميكيات أمر ضروري لا لتطوير استراتيجيات فعالة فحسب، ولكن لإنشاء لغتنا وسردنا الخاصين كذلك بطريقة تحدث الصدى المطلوب في المجتمع. تعد الحساسية الثقافية والوعي بالسياق أمرًا بالغ الأهمية في تنفيذ النُهج التحولية للتعامل مع القضايا الجندرية. وقد عملنا في منظمة النهضة العربية (أرض) على محلية العمل الإنساني لمدة عقد من الزمن، ما يُظهر أهمية النُهج المصمّمة خصيصًا والتي تحترم البيئات الثقافية والاجتماعية المحددة.

 

ترجمة النظرية إلى ممارسة

كانت الطبيعة المتطورة لنظريات الفروقات بين الجنسين موضوعًا رئيسيًا للتناول أثناء فترة التدريب. وقد كشف التعامل مع الممارسين الذين يطبقون هذه المفاهيم بنشاط في الميدان عن الطبيعة المتغيرة للدراسات المتعلقة بهذا الموضوع، إذ تتعرض النظريات التي قد تبدو ثابتة في النصوص الأكاديمية للتحديات والتحسينات باستمرار خلال تطبيقها عمليًا. وتضمن هذه العملية التكرارية بين النظرية والممارسة أن تظل النهج التحولية للتعامل مع القضايا الجندرية ذات صلة، وأن تمتاز بفعاليتها في سياقات متعددة.

وبما أن العام الحالي يصادف الذكرى الثلاثين لإطلاق برنامج الماجستير في دراسات الفروقات بين الجنسين والتنمية الذي شاركت فيه عام 2019، فقد وجدت نفسي أفكر في الدروس التي قدمتها لي كل هذه التجارب. كان برنامج الدراسات هذا حاسمًا في تشكيل فهمي ونهجي في هذا الموضوع، ومع ذلك؛ فقد كان الجمع بين النظرية والمهارات العملية سلاحي الفعال في قيادة التغيير المستدام والمؤثر. وبمقارنة هاتين التجربتين، فمن الجلي أنه في الوقت الذي وسّع فيه عمل برنامج دراسات الفروقات بين الجنسين من آفاقي النظرية، فقد سلطت خبرتي العملية الضوء على الحاجة الملحة لربط هذه النظرية بالممارسة العملية.

أيضًا، مثلت درجة الماجستير تجربة تحويلية في حياتي إذ منحتني نظرة عميقة إلى النظريات النسوية والتحليل الجندري، كما أنها وظفت نهجًا متعدد التخصصات سمح لي باستكشاف كيفية تقاطع نظريات الفروقات بين الجنسين مع عدة قضايا عالمية كالتمكين الاقتصادي، والاقتصاد السياسي والعدالة الاجتماعية. من جهة أخرى، فقد أثّرت فرصة التواصل مع الزملاء وأعضاء هيئة التدريس من خلفيات ثقافية ومهنية متنوعة على تجربتي التعليمية، إذ عرضتني لسياقات ثقافية مختلفة وعرفتني إلى ديناميكيات الفروقات بين الجنسين. امتازت المناقشات الصفية باتساعها غالبًا، الأمر الذي سمح للطلاب بإجراء مقارنات عالمية فيما يتعلق بهذه القضايا.

وعلى الرغم من أن التجربة الأكاديمية كانت حاسمة في بناء أساس نظري قوي، فقد بدت في كثير من الأحيان مجردة ومنفصلة عن التطبيق في العالم الحقيقي. صحيح أنها امتازت بتحفيزها الفكري، إلا أن النظريات والمناظرات المذكورة آنفًا كانت بحاجة إلى الارتكاز على بيئات عملية محلية. وهنا أثبتت تجارب السنوات الأخيرة ضرورتها عن طريق إحياء النظرية والتأكيد على الخبرة العملية، ما سمح لي بتطبيق مفاهيم الفروقات بين الجنسين في سياقات ثقافية متنوعة على نحو مباشر.

ختامًا؛ أبرزت الرحلة من النظرية الأكاديمية إلى التطبيق العملي الدور الحيوي الذي يلعبه الربط بين هذين المجالين لتحقيق تقدم ذي مغزى. كما أظهرت أنه وفي الوقت الذي توفر فيه المعرفة النظرية فهمًا أساسيًا للمفاهيم، فلا غنى عن المهارات العملية والوعي لترجمة النظرية إلى أفعال مؤثرة. كما تضمن العملية التكرارية التي تسعى إلى صقل نظريات الفروقات بين الجنسين وتكييفها في بيئات ثقافية متنوعة أن تظل التدخلات الممارسة ذات صلة وفعالة.