يشكل القطاع الطبي واحداً من أهم القطاعات وأكثرها حيوية وحساسية نظراً لتعامله المباشر مع صحة الأفراد الذهنية والجسدية وسلامتهم على حد سواء، ما يجعل قضية المسؤولية داخل هذا القطاع واحدة من القضايا المهمة والحساسة التي لا بد من الوقوف عندها لحماية المرضى والأطباء في ذات الوقت. تبعاً لهذه الأهمية، تحكم مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأخلاقيات والقواعد العامة والالتزامات العمل ضمن القطاع الصحي بما يشمل علاقات مقدمي الخدمات الصحية مع بعضهم البعض من جهة ومع المرضى من جهة ثانية.
حيث يتسم النظامان القانونيان الأردني والفلسطيني بالعديد من أوجه التشابه بسبب عمق العلاقات التي تربط بين البلدين لاسيما في ظل الحكم الأردني للضفة الغربية، والذي ترك بصمات كثيرة في تبني القوانين الأردنية التي لا يزال الكثير منها ساري المفعول حتى اليوم. والأهم من ذلك، يعتبر الأردن وفلسطين من أوائل الدول في العالم العربي التي اعتمدت مجموعة قوانين خاصة بالمسؤولية في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى توجه العديد من الفلسطينيين إلى الأردن من أجل الاستفادة من الخدمات الطبية المقدمة داخله سواء بصفتهم سائحين طبيين، أو مقيمين أو لاجئين.
تسعى الدراسة إلى وصف طبيعة المسؤولية الطبية لمقدمي الخدمات الصحية وتحليلها في ثلاثة أشكال أساسية: المسؤولية الجنائية وفقاً لقانون العقوبات الأردني رقم 16 لعام 1960 وقانون العقوبات المصري رقم 73 لعام 1936، المسؤولية المدنية وفقاً للقانون المدني الأردني ومجلة الأحكام العدلية، والمسؤولية الإدارية وفقاً لقوانين نقابة الأطباء.
بالإضافة إلى ذلك، تحلل هذه الدراسة القوانين الخاصة التي تنظم المسؤولية الطبية، وهي قانون المسؤولية الطبية والصحية الأردني رقم 25 لسنة 2018، والقرار بقانون الفلسطيني رقم 31 لسنة 2018 بشأن الحماية والسلامة الطبية والصحية.
خلصت الدراسة إلى أن موضوع المسؤولية الطبية لا يزال يواجه العديد من الصعوبات والمعوقات في الأردن وفلسطين، وهي تبرز في جانبين:
1. على الرغم من وجود قوانين خاصة تنظم قضايا المسؤولية الطبية إلا أنها لم تتناول قضية المسؤولية الطبية بشكل مباشر، مما يدفع الأطراف إلى العودة إلى القوانين المدنية والجنائية والإدارية العامة.
2. تعتبر مسائل الإثبات وعبء الإثبات من المعوقات التي تواجه الأطراف وخاصة المرضى في إثبات وقوع الخطأ الطبي والضرر الناجم عنه.
بناء على التحليل القانوني لمنظومة القوانين، توصلت الدراسة إلى مجموعة من التوصيات يمكن ذكر أبرزها فيما يلي:
1. إعادة صياغة النواحي القانونية الخاصة بالمسؤولية الطبية ومحاولة حصرها في قانون خاص عوضاً عن إبقائها تحت مظلة القوانين العامة.
2. فيما يتعلق بالمسؤولية الجزائية بصورة خاصة، يجب على المشرع الأردني خلق قالب قانوني لجريمة جديدة في القسم الخاص من قانون العقوبات وعدم الاكتفاء بترك الأمر للقواعد العامة.
3. إعادة النظر في استعداد المحاكم القضائي للنظر في قضايا الأخطاء الطبية.
4. إعادة النظر في الإجراءات المتبعة أمام المحاكم والجهات المختصة.
5. الدفع نحو المزيد من تفعيل دور اللجان الخاصة في قوانين المسؤولية الصحية لعام 2018 في كل من فلسطين والأردن.