تعتبر التحديات أمام وصول النساء إلى العدالة إحدى الأسباب الرئيسة لتفشي العنف الاقتصادي الممارس ضدها، هذا ما بينته الورقة الرابعة من سلسلة تطلعات بعنوان “تحليل في وصول المرأة للعدالة” والتي أطلقتها منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (ارض) في إطار مشاركتها في الحملة الوطنية “16 يوما لمناهضة العنف الموجه ضد المرأة” وموضوعها العنف الاقتصادي، وانسجاما مع شعارها “لأنه حق يُستحق”.
حيث تسعى هذه الورقة والتي تأتي في إطار مساعي منظمة النهضة (ارض) لتعزيز سيادة القانون وتسهيل الوصول إلى العدالة لجميع الأفراد في الأردن والمنطقة العربية، لفهم ومعالجة المستويات والتعقيدات العديدة المتعلقة بوصول المرأة إلى العدالة، ضمن الإطار العام للعدالة الجندرية، والتي تشمل العدالة السياسية والعدالة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
فحرمان المرأة من الوصول إلى العدالة يؤدي إلى ممارسة العنف الاقتصادي بأشكاله المتعددة عليها من تقييد وتمييز وإقصاء. وعلى الرغم من اتخاذ الأردن عددًا من الخطوات لتعزيز إشراك المرأة في السياسة من خلال إصلاح الإطار القانوني والمؤسسي – مثل إنشاء اللجنة الوطنية الأردنية للمرأة – والتصديق على الاتفاقيات الدولية التي تدعم المساواة بين الجنسين، إلا أن الوصمة الثقافية والحاجة إلى إضفاء الطابع الرسمي على حقوق المرأة تشكلان عقبات أمام تشكل هوية سياسية تسمح بالمساواة في الوصول إلى العدالة.
كما تدعو هذه الورقة إلى دراسة تأطير الطرق المختلفة التي يتم من خلالها التعامل مع القانون بما يشمل الصكوك والأدوات القانونية المتعلقة بالتوظيف، والأمان الاجتماعي، والزواج، والمشاركة الاقتصادية، والصحة، والتعليم والمواطنة وغيرها، وصياغتها أيضًا من خلال تحليل وصول المرأة للعدالة استنادا للمبادئ الأساسية الست وهي إمكانية التقاضي، وإمكانية الوصول لنظام العدالة، وتوافر الخدمات، وجودتها، وسبل الانتصاف المجدية، ومساءلة نظام العدالة، والتي تندرج ضمن إطار منظمة النهضة (أرض) للبحث.
هذا وتهدف هذه الورقة أيضا إلى إلقاء نظرة ثاقبة على طبيعة مشاركة المرأة في النظام القضائي وتحديد الثغرات المكتشفة من خلال مجموعة متنوعة من وجهات النظر المختلفة. في إطار هذا التحليل، تتم الإشارة إلى الدراسات التي أجرتها منظمة النهضة (أرض) مع الأردنيين واللاجئين السوريين، والتي تمحورت حول التصورات العامة والرضا عن النظام القضائي من خلال أربعة أبعاد رئيسية: سلاسة التعامل مع النظام القضائي، والقدرة على تحمل التكاليف، والوقت اللازم للانتصاف، ومدى تحقق العدالة.
وفي حين أن الدراسات الاستقصائية قد أظهرت بعض أوجه تشابه بين تصورات الرجال والنساء، فإنه عند التحليل الدقيق، لوحظ وجود فروق بين الجنسين فيما يتعلق بهذه الأبعاد، حيث تقدم النتائج مزيدًا من التبصر في الاختلافات بين التصورات العامة (لدى أولئك ممن لم يتعاملوا مع النظام القضائي أو أحد مكوناته) ومدى الرضا (لدى من تعاملوا مع النظام القضائي أو أحد مكوناته). لما قد يشكله هذا الاختلاف -بشكل أساسي- عاملاً رادعًا ومحتملاً للوصول إلى النظام القضائي والذي يمكن التخفيف من حدته من خلال رفع الوعي وتسهيل الوصول إلى المعلومات.
وفيما يتعلق بوصول اللاجئين إلى العدالة -ولا سيما اللاجئات، تبين هذه الورقة أنّ اللاجئين المقيمين حاليًا في الأردن يواجهون العديد من المشكلات ذاتها التي يواجهها المجتمع المحلي من حيث الوصول إلى العدالة، والتي غالبًا ما تتفاقم بسبب أمور أخرى مثل عدم الوعي، وعدم القدرة على تحمل تكاليف الخدمات القانونية، وتفضيل الضروريات الأساسية من غذاء ومسكن ودواء باعتبارها أولوية أهم من متابعة المسائل القانونية. يؤكد هذا الأمر من جديد أهمية العمل لتيسير وصول اللاجئين إلى العدالة عبر تيسير الوصول الفوري والكافي إلى المعلومات القانونية، وخدمات المساعدة القانونية. وفيما يتعلق بالنساء اللاجئات السوريات، على وجه الخصوص، تشمل النتائج الرئيسية أنهن أقل إقبالًا من نظرائهن من الذكور على متابعة الإجراءات القانونية، أو متابعة أي طرق بديلة لحل النزاعات بسبب الضغوط الاجتماعية والثقافية التي أفيد بمواجهتها والمتمثلة في ثقافة العيب.
كما تبين الورقة التحديات المتعلقة بوصول المرأة إلى العدالة على المستوى الفردي والمجتمعي والمؤسسي/الهيكلي. وعندما يتم تحليل قوانين الأحوال الشخصية بالتوازي مع قوانين العقوبات في هذا الصدد، تظهر المعاملة غير المتساوية للمرأة بوضوح، لا سيما فيما يتعلق بالأحكام المتعلقة بجرائم الشرف والاغتصاب والزنا. كما أن غياب العدالة الجندرية في التشريعات المحلية القائمة والتي تخضع للقواعد الاجتماعية والثقافية التي تؤثر على القوانين التمييزية وتديمها.
تشدد منظمة النهضة (أرض) على ضرورة تهيئة بيئة ممكّنة لوصول المرأة إلى العدالة. والتي تشتمل على مجموعة كاملة من الظروف الاجتماعية-الثقافية والسياسية والاقتصادية في المجتمع والتي تعمل على تمكين الوصول إلى العدالة أو إعاقته. يتمثل أحد النُهج التي تعتمدها منظمة النهضة (أرض) في السعي إلى اعتماد الأدوات القانونية الوطنية بشكل فعال ومراجعتها بما يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، مع مراعاة الآثار الاقتصادية المتعلقة بوضع المرأة.
كما يعتبر تعزيز الثقة بين مؤسسات النظام القضائي والأفراد المعنيين مكوّنًا رئيسيًا آخر. وعلى الرغم من اعتبار إزالة الأعراف الاجتماعية التقييدية أمرًا مهمًا لتهيئة بيئة ممكّنة لوصول المرأة إلى العدالة إلا أنها الأكثر تعقيدا. كما تؤكد منظمة النهضة(أرض) ضرورة تمكين الاتصال والتواصل الفعال لجهاز العدالة بما يسهم في إشراك المرأة بفعالية.
وفي نهاية المطاف، فإنه بالإمكان تعزيز وصول المرأة إلى العدالة عبر التضامن وتأسيس الشراكات والمشاركة الفعالة على المستويات السياسية والقانونية والاقتصادية. هذا وتبعا للمؤشرات التي تفضي بمحدودية توافر المساعدة القانونية وإمكانية الوصول إليها إلى أنّ نظام المساعدة القانونية المؤسسية في الأردن يحتاج إلى مزيد من الدعم والتوسع ليكون قادرًا على تلبية احتياجات الأفراد ولاسيما النساء منهن.
هذا وقد توصلت منظمة النهضة (أرض) من خلال خبراتها إلى نتائج ومخرجات واضحة تظهر العلاقات الأساسية بين الهوية السياسية للمرأة وقدرتها على الوصول إلى العدالة. وانسجاما مع أجندة الأمم المتحدة للمرأة والسلام والأمن، تشدد منظمة النهضة على أن مشاركة المرأة السياسية الكاملة أمر حاسم لتحقيق السلام والاستقرار والحفاظ عليهما داخل المجتمع – وأن هذه المشاركة هي أيضًا عنصر أساسي لوصول المرأة إلى العدالة.
كما تؤكد منظمة النهضة (أرض) الحاجة إلى مزيد من البحوث والتحليل البنائي حول هذا الموضوع وكيفية تشكيل العوامل والتي تشمل الدين والاقتصاد والسياسة مجتمعة عواملا رئيسة في وصول المرأة إلى العدالة.