الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

بناء القيادات في الأردن: إعداد قادة الفكر وترسيخ أثرهم، بقلم مروة عبد الفتاح

مشاركة

تشهد منطقة الشرق الأوسط حالة من عدم الاستقرار السياسي، والاقتصادي والاجتماعي منذ عقود، كما مثّل الافتقار إلى وجود قيادة فعالة عائقًا كبيرًا أمام تحقيق التقدم والتنمية. لا يختلف الوضع في الأردن عما سبق، إذ يواجه اقتصاد البلاد تحديات متعددة، مثل ارتفاع معدلات البطالة ونقص الاستثمار، كما يناضل المجتمع المدني الأردني أيضًا لإنجاز المعالجة الفاعلة للقضايا الاجتماعية، ويعود السبب في هذا الوضع إلى الحاجة إلى وجود قيادة قوية تتمتع بالكفاءة في قطاعي الأعمال والمجتمع المدني.

وكي يتصدى الأردن للتحديات الاجتماعية والاقتصادية العديدة التي تواجهه، ينبغي إبراز وجود القادة الأقوياء في المجال العام، مثل أروقة البرلمان، والاتحادات العمالية، والنقابات المهنية، ومنظمات المجتمع المدني وقطاع الأعمال، كما ينبغي أن يتمتع مثل هؤلاء القادة بالقدرة على قيادة التغيير الاجتماعي والاقتصادي، وإلهام الآخرين وحفزهم على اتباعهم من خلال إظهار ملكة القيادة الفكرية لديهم.

يعد تحديد القادة المحتملين الخطوة الأولى نحو إنشاء تجمع قوي من هؤلاء الأفراد، وإحدى الوسائل الفاعلة في ذلك   هي البحث عن أولئك من ذوي السجلات الحافلة بالنجاح في مجالات تخصصهم. على سبيل المثال، قد يكون أولئك ممن أحرزوا نجاحًا في إدارة مشاريع كبيرة أو أظهروا مهارات قيادية استثنائية في مكان عملهم أو مجتمعهم، مرشحين مناسبين لشغل المناصب القيادية.

بالإضافة إلى البحث عن أفراد يتمتعون بمثل هذا السجل الحافل، فمن المهم كذلك تحديد أولئك الذين يمتلكون المهارات والصفات اللازمة لإنفاذ القيادة الفاعلة، بما يشمل النزاهة، وامتلاك الرؤية، والقدرة على التعاطف وإلهام الآخرين إضافة إلى التواصل الكفء والناجح معهم.

وبمجرد تحديد القادة المحتملين، فمن الواجب تزويدهم بالتدريب والدعم اللازمين لتطوير مهاراتهم القيادية، وقد يشمل ذلك تزويدهم بإمكانية الوصول إلى برامج تطور مهاراتهم في القيادة، وفرص التعرض الإقليمي والدولي، وغقاء الخطابات، والتوجيه، والتدريب، وكتابة محتوى وسائل التواصل الاجتماعي وإرشادهم فيما يتعلق بصناعة المحتوى، وغيرها من أشكال الدعم ا التي قد يحتاجون إليها للتميز بوصفهم قادة في المجال العام.

تتمثل إحدى الطرق الفعالة لبناء قادة أقوياء في إنشاء برامج تطوير القيادة وتنميتها إذ بمقدورها تزويد الأفراد بالمهارات، والمعرفة، والخبرة التي يحتاجون إليها ليصبحوا قادة كفؤين. كما تزود هذه البرامج أيضًا الأفراد بفرص التواصل مع قادة آخرين، ومشاركة أفضل الممارسات فيما بينهم والتعلم بمشاركة التجارب فيما بينهم.

وثمة العديد من الأمثلة البارزة على مبادرات تطوير القيادة في الأردن، كمؤسسة الملكة رانيا للتعليم والتنمية، والتي تركز على التعليم وتنمية المهارات القيادية عند فئة الشباب، ويقدم معهد القيادة الأردني برامج تدريب على القيادة تستهدف الأفراد والمنظمات، كما توفر جمعية نادي صاحبات الأعمال والمهن-عمان، فرصًا للتواصل والتطوير المهني صممت خصيصًا لدعم القدرات القيادية عند النساء. ومع ذلك، لم تنتج أي من هذه المبادرات ما يكفي من قادة الفكر “المؤثرين” في مجال الأعمال التجارية، أو المجتمع المدني، أو المجالات العامة، أو القطاع الحكومي عامة.

علاوة على ما سبق، توجد طريقة أخرى مهمة لبناء القادة الأقوياء تتمثل في التوجيه والتدريب. يتضمن التوجيه الجمع بين قائد متمرس وشخص أقل خبرة منه بحيث يقدم الأول التوجيه والدعم بينما يطور الثاني مهاراته القيادية بالاعتماد عليهما. من ناحية أخرى، يتضمن التدريب تزويد الأفراد بالدعم والتوجيه الفردي أثناء عملهم على تطوير مهاراتهم القيادية المحددة في قطاع ما.

في نهاية المطاف، يتطلب بناء قادة أقوياء في المجال العام والمجتمع المدني وقطاع الأعمال جهودًا متضافرة تجمع بين الجهات المعنية كافة، إذ يجب على الحكومات، والشركات ومنظمات المجتمع المدني العمل معًا لتحديد الجيل القادم من القادة وتطوير مهاراته. ومن خلال الاستثمار في برامج تطوير القيادة، والتوجيه، والتدريب، وصور الدعم الأخرى، يمكن للمرء المساعدة في ضمان امتلاك الأردن قادة أقوياء وفاعلين ممن هو بحاجتهم لمعالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها.

تعتبر القدوات الملهمة طريقة مؤثرة أخرى في بناء القادة، إذ يمكن للأفراد الذين حققوا نجاحًا في مجال الأعمال التجارية أو المجتمع المدني الاضطلاع بدور القدوة للأجيال الشابة، وبمحاكاة سلوكهم وأفعالهم، يستطيع القادة الطموحون تعلم المهارات والمواقف اللازمة لتحقيق النجاح. إن المهارة في التواصل هي جانب أساسي من جوانب بناء القيادة، ولذا ينبغي على الأفراد الذين يرغبون في أن يصبحوا قادة ناجحين التركيز على بناء شبكة قوية من الاتصالات والمعارف، إذ يساعدهم هذا النهج على التعرف على الأفكار والفرص الجديدة، وإنشاء الاتصالات الفاعلة مع قادة آخرين في مجالهم.

هناك نقطة مهمة أخرى غالبًا ما يتم تجاهلها في هذا النقاش وهي الوصول إلى الأردنيين والعرب الناجحين في بلاد الشتات والمهجر الذين يمكن لهم أن يمثلوا، وبعدة طرق مختلفة، نماذج لقادة فكر وقدوات يحتذي بها الآخرون. يتمثل أحد أساليب تحقيق ذلك في تزويدهم بمنصات مختلفة ليشاركوا من خلالها خبراتهم ورؤيتهم مع الآخرين، وقد يكون ذلك من خلال منحهم الفرصة للحديث في المؤتمرات، وكتابة المدونات أو المقالات، والتواجد النشط على وسائل التواصل الاجتماعي والمشاركة في النقاشات والأحداث العامة.

تتمثل استراتيجية أخرى في تحقيق هذا الهدف في إنشاء برامج إرشادية تجمع بين العرب الناجحين في الشتات ورواد أعمال أو طلاب أو محترفين طموحين في مجالات مختلفة. يمكن أن يساعد ذلك في تعزيز قدر أكبر من التعاون ومشاركة المعرفة، مع توفير شبكات وفرص قيمة لجميع المعنيين بهذه البرامج. علاوة على ذلك، سهلت التكنولوجيا على الأردنيين، والعرب عامة، البقاء على اتصال مع مجتمعاتهم والمساهمة في تنميتها وإن كان ذلك عن بعد.

ينبغي التأكيد أيضًا على الدور الحاسم الذي تضطلع به القيادة الثقافية في تشكيل هوية الأمة وقوتها الناعمة. يشمل ذلك مجموعة متنوعة من صور التعبير، بما في ذلك السينما، والمسرح، والفنون الأدائية، والشعر وأشكال التعبير الثقافي الأخرى التي قد تساعد في تعزيز تراث الأمة الثقافي، وخلق شعور بالانتماء بين المواطنين، وعرض صورة إيجابية عن مجتمعاتنا للعالم. قد يساهم المسرح والفنون الأدائية كذلك في تحقيق التماسك الاجتماعي من خلال الجمع بين المجتمعات المتنوعة وخلق شعور بالتجارب المشتركة بينها.

إن تنمية المجتمعات وازدهارها في الأردن وبقية دول الشرق الأوسط يتطلب وجود قيادات مجتمعية ومؤسسية بكفاءات يمكنها التأثير وإحداث التغيير المنشود، وكثيرًا ما كان الافتقار إلى وجود القيادة القوية في مختلف المجالات عائقًا كبيرًا أمام التقدم والتنمية. أما الاستثمار في برامج التعليم والتدريب، والإرشاد، وفي القدوات التي يحتذى بها من مؤثرين وأردنيين في بلاد المهجر، وبناء القيادة الثقافية لاستكمال الجهود، جنبًا إلى جنب مع التواصل المستمر، فما هي إلا تدابير فعالة لخلق القادة، وبناء قدراتهم وترسيخ مكانتهم في المنطقة.