الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

دور الأمم المتحدة في فلسطين: ضرورة أخلاقية لتحقيق العدالة

مشاركة

بقلم ليكس تاكنبرغ مستشار رئيس لبرنامج القضية الفلسطينية، مركز النهضة الإستراتيجي

لم يشغل موضوع آخر أجندة عمل الأمم المتحدة منذ إنشائها مثل القضية الفلسطينية، ولا يزال هذا هو الحال حتى بداية الحرب الحالية على غزة. فقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومؤخرا مجلس حقوق الإنسان، مئات القرارات بشأن جوانب مختلفة للقضية الفلسطينية منذ أواخر الأربعينيات. وعلى الرغم من الانتقادات المتكررة لدورها وعجزها عن التوصل إلى حل دائم لتفعيل حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، تظل الأمم المتحدة طرفا فاعلا حاسما في السعي إلى تحقيق المعايير الإنسانية والعدالة والسلام.

تقدم هذه المذكرة لمحة موجزة عن دور هيئات الأمم المتحدة المختلفة في دعم القضية الفلسطينية منذ عام 1947، وتركز على تطور مسؤولية هذه الهيئات تجاه القضية وكذلك انخراط الأمم المتحدة في قضية اللاجئين الفلسطينيين. تم إبقاء الورقة مقتضبة بشكل مقصود، إذ تتم مناقشة مختلف الهيئات والمنظمات بمزيد من التفصيل مع الإشارة إلى المصادر ذات الصلة في الكتب المذكورة في القسم الأخير.

لجنة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بفلسطين (UNSCOP)

في أوائل عام 1947، “أرجع” البريطانيون الانتداب إلى خليفة المنظمة التي منحتهم حق الانتداب في الأصل: الأمم المتحدة حديثة الإنشاء. وفي جلسة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة، في 28 أبريل 1947، تم إنشاء لجنة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بفلسطين، والمكونة من إحدى عشرة دولة عضو، مع تفويض للتحقيق في جميع المسائل ذات الصلة بقضية فلسطين والتوصية بالحلول.

بعد إجراء تحقيق استمر لثلاثة أشهر في جميع أنحاء المنطقة، توصل أعضاء اللجنة إلى اتفاق حول إنهاء الانتداب ومبدأ الاستقلال ودور الأمم المتحدة. أوصت غالبية أعضاء اللجنة (كندا وتشيكوسلوفاكيا وغواتيمالا وهولندا وبيرو والسويد وأوروغواي) بتقسيم فلسطين إلى ثلاث كيانات مرتبطة في اتحاد اقتصادي: دولة عربية ودولة يهودية والقدس ككيان منفصل تحت السلطة الإدارية للأمم المتحدة. فيما قدمت الهند وإيران ويوغوسلافيا خطة أقلية تقترح هيكلًا فيدراليًا مستقلًا يتألف من دولة عربية ودولة يهودية، مع القدس عاصمة للاتحاد. وامتنعت أستراليا، العضو المتبقي في اللجنة، عن التصويت.

في 29 نوفمبر 1947، وبعد مداولات مكثفة دامت شهرين، اعتمدت الجمعية العامة القرار 181 (د-2) (المشار إليه فيما يلي بـ”القرار 181″ أو “خطة التقسيم”)، الذي أوصى بتقسيم فلسطين وفقًا للخطة التي اقترحتها أغلبية أعضاء اللجنة مع بعض التغييرات الطفيفة. دعا القرار 181 إلى إنهاء الانتداب، والانسحاب التدريجي للقوات المسلحة البريطانية، وإنشاء دولتين منفصلتين، عربية ويهودية. اقترحت الخطة دولة عربية تضم مساحة أكبر بكثير من الضفة الغربية الحالية، وقطاع غزة ممتد على طول أكبر بكثير على شكل حرف L، والأرض غرب وشمال غرب بحيرة طبريا حتى الحدود اللبنانية، وكذلك يافا، التي كانت ستبقى جيبًا عربيًا داخل الدولة اليهودية. هذا يعادل ما بين ثلاثة وأربعين وخمسة وأربعين في المائة من فلسطين الانتدابية (باستثناء القدس)، وهي منطقة يتركز فيها غالبية العرب في فلسطين البالغ عددهم 1.2 مليون نسمة، فيما سيصبح ما تبقى من فلسطين الانتدابية الدولة اليهودية ويستوعب تقريبا كامل اليهود البالغ عددهم 650,000 يهودي، بالإضافة إلى عدد مساوٍ تقريبًا من العرب. وسيكون للقدس، مع بيت لحم، مكانة دولية تحت وصاية الأمم المتحدة. كانت مساحة الأرض المقترحة للدولة اليهودية المستقبلية أعلى بكثير من ستة في المائة من أراضي فلسطين التي كان يملكها اليهود في ذلك الوقت.

وسيط الأمم المتحدة لفلسطين (بما في ذلك خطة الأمم المتحدة للحد من الكوارث والأونروا)

يبدأ تاريخ محاولات الأمم المتحدة لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين في 14 مايو 1948، بقرار تعيين وسيط أممي لفلسطين. بعد ستة أيام، تم تعيين الكونت فولك برنادوت، وهو دبلوماسي سويدي ونائب رئيس الصليب الأحمر السويدي، في هذا المنصب. كانت المهمة الأساسية التي كُلّف بها الوسيط هي التوفيق بين الطرفين، وتعزيز الهدنة، والاهتمام بسلامة وأمان سكان فلسطين. وفي الفترة ما بين 14 أيار/مايو و1 آب/أغسطس، وبينما كان الكونت يحاول التوسط للتوصل إلى الهدنة الأولى، رأى الوسيط أن أعداد اللاجئين مستمرة في النمو بعشرات الآلاف. وقوبلت محاولته إقناع إسرائيل بالسماح لعدد محدود من اللاجئين بالعودة، دون المساس بعودة الآخرين، بالرفض. وفي تموز/يوليو 1948، أنشأ الوسيط مشروع الأمم المتحدة للإغاثة في حالات الكوارث لمدة ستين يومًا (UNDRP) لتنسيق المساعدات الحكومية وغير الحكومية الدولية للاجئين. دفع نقص الأموال والتحديات التشغيلية الأخرى الجمعية العامة إلى إنشاء صندوق الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، وهو صندوق خاص لتمويل أنشطة الإغاثة التي تنفذها اللجنة الدولية للصليب الأحمر واتحاد جمعيات الصليب الأحمر ولجنة الأصدقاء الأمريكيين للخدمات. مع استمرار تزايد عدد اللاجئين الذين شردتهم العمليات العسكرية الجارية في أجزاء مختلفة بما سمي آن ذاك بإسرائيل، كتب الوسيط في تقريره المرحلي إلى مجلس الأمن، المؤرخ 16 أيلول/سبتمبر 1948، حول قضايا اللاجئين:

لم يُعرف بعد ما هي سياسة حكومة إسرائيل المؤقتة فيما يتعلق بعودة اللاجئين العرب عندما يتم التوصل إلى الشروط النهائية للتوطين. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أنه لا يمكن لأي تسوية أن تكون عادلة وكاملة إذا لم يتم الاعتراف بحق اللاجئ العربي في العودة إلى دياره التي طردته منها أزمات واستراتيجيات الصراع المسلح بين العرب واليهود في فلسطين. وقد جاء غالبية هؤلاء اللاجئين من أراضٍ كان من المقرر إدراجها في الدولة اليهودية بموجب قرار الجمعية العامة المؤرخ ب 29 تشرين الثاني/نوفمبر. وقد نتج نزوح عرب فلسطين عن الذعر الناجم عن الاعتداء على مجتمعاتهم، أو الشائعات المتعلقة بأعمال إرهابية حقيقية أو مزعومة، أو الطرد من قبل الجماعات اليهودية. سيكون من الإساءة لمبادئ العدالة الأساسية أن يُحرم هؤلاء الضحايا الأبرياء للصراع من حق العودة إلى وطنهم بينما يتدفق المهاجرون اليهود إلى فلسطين، والذين يهددون فعليًا -على الأقل- بالحلول بشكل دائم محل اللاجئين العرب المتأصلين في تلك الأرض منذ قرون عدة.

وقد حدا ذلك بالوسيط إلى التوصية بما يلي:

ينبغي أن تؤكد الأمم المتحدة حق اللاجئين العرب في العودة إلى ديارهم في الأراضي التي يسيطر عليها اليهود في أقرب وقت ممكن، وينبغي أن تشرف الأمم المتحدة على إعادتهم إلى أوطانهم وإعادة توطينهم وإعادة تأهيلهم اقتصاديًا واجتماعيًا، والإشراف والمساعدة على دفع تعويضات كافية عن ممتلكات من يختارون عدم العودة.

اغتيل برنادوت على يد عضو في ميليشيا ليهي الصهيونية، التي عارضت جهود الوساطة التي بذلها، في 17 سبتمبر 1948، بعد يوم واحد من تقديمه التقرير المرحلي المذكور أعلاه.

لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة بشأن فلسطين (UNCCP)

عقب وفاة برنادوت، وعملًا بتوصياته، اعتمدت الجمعية العامة في 11 ديسمبر 1948 القرار 194 (III) (“القرار 194”) الذي تمّ بموجبه إنشاء لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة بشأن بفلسطين، التي تولت المهام الرئيسية للوسيط، ولا سيما لمساعدة الحكومات والسلطات المعنية على التوصل إلى تسوية نهائية لجميع المسائل العالقة بينها. وفيما يتعلق باللاجئين، وهي من أكثر المسائل المعلقة إلحاحًا، فإن الجمعية العامة:

تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب وفقاً لمبادئ القانون أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة. وتصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بتسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم من جديد وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي وكذلك دفع التعويضات وبالمحافظة على الاتصال الوثيق بمدير إغاثة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله بالهيئات والوكالات المتخصصة المناسبة في منظمة الأمم المتحدة.

منذ البداية، وبالإضافة إلى العمل على جوانب أخرى من ولايتها، بذلت لجنة التوفيق -التي ترأسها الولايات المتحدة، إلى جانب فرنسا وتركيا- جهودًا مكثفة للمضي قدمًا في تنفيذ الفقرة 11 من القرار 194. ومن بين المبادرات الأخرى، شمل ذلك عقد عدة مؤتمرات دولية.

في مؤتمر لوزان (27 نيسان/أبريل – 12 أيلول/سبتمبر 1949)، أول قمة دولية تُعقد لحل النزاعات الناشئة عن الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، وكان التركيز فيها على قضيتَي اللاجئين والأراضي. وشارك في الاجتماع ممثلون عن إسرائيل ومصر والأردن ولبنان وسوريا واللجنة العربية العليا، كما كانت وفود اللاجئين حاضرة أيضًا، من دون تمثيل رسمي. وكان المدافعون الرئيسيون عن الفلسطينيين، بما في ذلك اللاجئين، هي الدول العربية، التي رفضت التفاعل مباشرة مع إسرائيل، مما اضطر لجنة التوفيق الدولية بشأن فلسطين إلى الانخراط في دبلوماسية مكوكية مكثفة وطويلة. أرادت الدول العربية التفاوض بشكل جماعي وتسوية النزاع على أساس قرارَي الأمم المتحدة رقم 181 و194، كما طالبت بوقف استيلاء إسرائيل على منازل وممتلكات الفلسطينيين؛ وتحرير الأوقاف المصادرة؛ والإفراج عن الحسابات المصرفية العربية التي جمدتها إسرائيل؛ وإعادة اللاجئين أصحاب بساتين البرتقال وعمالهم إلى وطنهم، كما طالبوا بالاعتراف بالمناطق المقررة للدولة العربية بموجب خطة التقسيم، والعودة الفورية للاجئين القادمين من المناطق التي احتلتها إسرائيل. في المقابل، أرادت إسرائيل تسوية جميع المشاكل دفعة واحدة كجزء من تسوية عامة، لكنها رفضت التفاوض مع الدول العربية بشكل جماعي.

كجزء من تسوية شاملة للنزاع، كانت إسرائيل مستعدة في البداية لقبول عودة 100,000 لاجئ، وضم غزة (الأمر الذي كان سيعني حصول جميع سكانها على الجنسية الإسرائيلية، بما في ذلك 200,000 لاجئ)، وتقديم مساهمة مالية متواضعة نحو حل أزمة اللاجئين تحت ستار التعويض عن الممتلكات “المهجورة” (أي مجموعة فرعية فقط من مجموع الخسائر والأضرار)، إذا قبلت الدول العربية إعادة توطين غالبية اللاجئين فيها. توقعت لجنة التوفيق، وخاصة الحكومة الأمريكية كرئيس لها، أن تعيد إسرائيل 250,000 لاجئ، نظرًا لقبول إسرائيل خطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة، والتي نصت على إدراج أكثر من 400,000 من عرب فلسطين في الدولة اليهودية. ردًا على ذلك، عرضت إسرائيل إعادة ما يقرب من 100,000 لاجئ (فعليًا، كانوا 75,000، حيث أنّ 25,000 كانوا قد عادوا إلى ديارهم مسبقًا)، بشرط أن تكون إعادتهم إلى “أماكن محددة” تتناسب مع احتياجات إسرائيل الأمنية وخطة التنمية الاقتصادية، وبتمويل من المجتمع الدولي. وكان من شأن الضم المقترح لغزة أن يؤدي أيضًا إلى حل مشكلة اللاجئين المقيمين هناك. رفض الممثلون العرب الاقتراح الإسرائيلي، لأنهم اعتبروه غير كافٍ لتلبية طلبات اللاجئين، ولأن الضم المقترح لقطاع غزة اعتُبر “استيلاء على الأراضي”.

بحلول آب/ أغسطس 1949، أشارت الدول العربية إلى تأييدها لحل من شأنه إعادة اللاجئين إلى الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل أو إلى أجزاء من فلسطين تحت الانتداب البريطاني بحيث لا تخضع للسيطرة الإسرائيلية، وينطوي على إعادة توطين أولئك الذين لم تتم إعادتهم إلى أوطانهم في الدول العربية. وقد عرضت الأردن وسوريا إعادة توطين أي لاجئ غير راغب في العودة والعيش تحت سيطرة إسرائيل. أكّد الرد الإسرائيلي على المواقف السابقة وأكّد أن الحل المفضل هو إعادة توطين اللاجئين في الأراضي العربية -أي في قطاع غزة والضفة الغربية- وفي الدول العربية، وأنّ تمتد أي مساعدة مالية لمساعدة اللاجئين لتشمل أيضًا إعادة توطين اللاجئين اليهود من المناطق التي يسيطر عليها العرب في فلسطين.

وقد عقدت لجنة التوفيق مؤتمرًا دوليًا ثانيًا في جنيف (30 كانون الثاني/يناير – 15 تموز/يوليو 1950)، إلّا أنه لم يتم إحراز أي تقدم؛ لأن مواقف إسرائيل والدول العربية أصبحت أكثر تشددًا. وقد عقدت لجنة التوفيق جولة أخيرة من المحادثات في باريس (13 أيلول/سبتمبر – 19 تشرين الثاني/نوفمبر 1951). هذه المرة دعت لجنة التوفيق إلى حل مشكلة اللاجئين من خلال إعادة بعض اللاجئين إلى إسرائيل وإعادة توطين آخرين في الدول العربية. رفضت كل من إسرائيل والدول العربية هذا الاقتراح، حيث أشارت إسرائيل إلى اعتبارات أمنية وسياسية واقتصادية فيما اعترضت الدول العربية على القيود المقترحة على عدد العائدين.

وبعد فشل المؤتمرات الدولية وإنشاء الأونروا (انظر أدناه)، حولت لجنة التوفيق نهجها نحو التعويض: كان لا بد من تحديد ممتلكات اللاجئين المفقودة وتقييمها، وكان لا بد من الرجوع إلى الأرشيف وملفات المحفوظات والحفاظ عليها. حتى منتصف ستينيات القرن العشرين، وثقت وقيمت لجنة التوفيق بدقة الممتلكات التي خلفها اللاجئون الفلسطينيون. بيد أنّ إسرائيل لم تنفذ قطّ التزامها بالتعويض، وأثارت مطالبات بالممتلكات اليهودية المفقودة خلال حرب عام 1948 وأصرت على معالجة جميع قضايا التعويض في نفس الوقت. ومنذ عام 1964، لم تقدم لجنة التوفيق أي مساهمات كبيرة أخرى في تنفيذ الفقرة 11 من القرار 194، على الرغم من أنها لا تزال موجودة اسميًا. وتواصل اللجنة، في تقاريرها السنوية المقدمة إلى الجمعية العامة، توجيه الانتباه إلى أن جهودها الرامية إلى دفع الأمور قدمًا نحو تنفيذ القرار 194 تتوقف على حدوث تغييرات كبيرة في مواقف الأطراف.

وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)

مع اقتراب مؤتمر لوزان عام 1950 من نهايته وتلاشي فرص العودة السريعة للاجئين، قرر المسؤولون الأمريكيون، بصفتهم يرأسون لجنة التوفيق، تجربة نهج آخر لحل قضية اللاجئين، بما في ذلك إعادة الإدماج الاقتصادي وإعادة التوطين والتعويض. وبدعوة رسمية من لجنة التوفيق، قام وفد برئاسة جوردون، رئيس سلطة وادي تينيسي آنذاك، بزيارة إلى الشرق الأدنى في سبتمبر 1949 لاستكشاف ما إذا كان حل الولايات المتحدة لجفاف ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين في وادي تينيسي، وهي منطقة تأثرت بشكل خاص بالكساد الكبير، يمكن تكرارها في وادي الأردن وما وراءه.  وقد كُلفت بعثة المسح الاقتصادي، وهو الاسم الرسمي لبعثة “كلاب”، بدراسة الوضع الاقتصادي في البلدان المتضررة من الأعمال العدائية في فلسطين، وتقديم توصيات إلى لجنة التوفيق لوضع برنامج متكامل من شأنه تسهيل إعادة اللاجئين إلى وطنهم، وإعادة توطينهم، وإعادة إدماجهم بطريقة تفضي إلى السلام والاستقرار في المنطقة.

وقد أوصت بعثة المسح الاقتصادي بإنشاء وكالة تحت رعاية الأمم المتحدة ينبغي أن تقود جهود التنمية واسعة النطاق التي تصورتها من خلال توجيه “برنامج أشغال العامة، محسوب لتحسين إنتاجية المنطقة”. كما ستتولى الوكالة أيضًا جهود الإغاثة. على الرغم من وجود كثير من الشك والريبة لديهم، رحبت الدول المضيفة للاجئين من فلسطين بحذر ببعثة “كلاب”. وقد نتج ذلك، جزئيًا، عن حذف الإشارة إلى لاجئي فلسطين وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 من مشروع القرار الأولي الذي قدمته الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا، والذي تضمن توصيات بعثة المسح الاقتصادي. وردًا على الانتقادات الموجهة إلى البلد المضيف والانتقادات العربية الأوسع نطاقًا، تم تعديل المسودة لاستيعاب هذه المخاوف، وتم تبنيها لاحقًا دون معارضة بوصفها القرار 302 (IV) في 8 ديسمبر 1949 المسمى “مساعدة لاجئي فلسطين”، وتأسست وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) بأغلبية 49-0-6، حيث امتنعت خمس حكومات شيوعية وجنوب إفريقيا عن التصويت، فيما صوتت جميع الحكومات العربية وإسرائيل لصالح القرار. وفي الفقرة 7، أنشأ القرار 302 الأونروا وأسندت إليها التكليف التالي:

(أ) تنفيذ برامج الإغاثة والأشغال المباشرة بالتعاون مع الحكومات المحلية على النحو الذي أوصت به بعثة المسح الاقتصادي؛

(ب) التشاور مع حكومات الشرق الأدنى المعنية بشأن التدابير التي يتعين عليها اتخاذها استعدادًا للوقت الذي لا تعود فيه المساعدة الدولية لمشاريع الإغاثة والأشغال متوفرة.

والواقع أنّ إنشاء الأونروا مثّل تحولًا في نهج المجتمع الدولي نحو حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، من العودة -كما يقتضي القانون الدولي وطالبت به الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر عام 1948- إلى الاندماج في البلدان العربية المضيفة (إعادة توطين محدودة في بلدان ثالثة).

بدأت الأونروا عملياتها في 1 مايو 1950، مع التركيز على استمرار عمليات الإغاثة لما يقرب من مليون شخص مسجل (بما في ذلك اللاجئين وغيرهم من المستفيدين من المساعدات التي ورثتها عن سابقاتها)، وعلى خطط التنمية واسعة النطاق التي تصورتها بعثة المسح الاقتصادي. وفي ديسمبر 1950، تم تزويد الأونروا بصندوق لإعادة الإدماج بقيمة 200 مليون دولار. ومع ذلك، بحلول ربيع عام 1951، أدرك مسؤولو الوكالة أن المشاريع المكلفة المتوقعة من غير المرجح أن تحل الصعوبات الاقتصادية التي تواجه اللاجئين. وبحلول عام 1956، عندما اندلعت أزمة السويس، تم استخدام حوالي 27.5 مليون دولار فقط من أصل 200 مليون دولار (معظمها كانت أموالًا تم التعهد بدفعها بدفعها). ومنذ ذلك الحين، وُضعت جهود التنمية الواسعة النطاق على الرف. وفي الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون بحاجة إلى دعم دولي. من هنا، تمّ تمديد ولاية الأونروا مرارًا وتكرارًا، معظمها لفترات ثلاث سنوات.

منذ منتصف خمسينيات القرن العشرين، تحولت مهمة الإغاثة التي تقوم بها الأونروا من مواصلة المساعدات الطارئة التي كانت تقدّمها سابقتها من قبل –الغذاء والمأوى والملبس والرعاية الصحية الأساسية– إلى دعم أكثر شمولًا للتنمية الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين. وسرعان ما حل التعليم محل الإغاثة كبرنامج مركزي للأونروا، حيث أقامت الوكالة شراكة استراتيجية مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، واعتمدت منهج البلد المضيف في مدارسها ونجحت في إدخال التدريب المهني والتقني بالإضافة إلى برنامج التعليم الأساسي، كما شكّلت شراكة مماثلة مع منظمة الصحة العالمية الأساس لبرنامج الأونروا للرعاية الصحية الأولية عالي الفعالية من حيث التكلفة. ومع تحقيق اللاجئين تدريجيًا للاكتفاء الذاتي، انخفض الاعتماد على الإغاثة المباشرة بشكل كبير لدرجة أنه بحلول منتصف ثمانينيات القرن العشرين، تمكنت الأونروا من استبدال برنامجها العام للحصص التموينية ببرنامج أكثر انتقائية يستهدف العائلات التي تعاني من صعوبات خاصة.

وقد أثبتت استراتيجية الأونروا الرائدة للتنمية البشرية نجاحها، حيث استفاد ملايين اللاجئين على مدى 75 عامًا منذ إنشائها من خدماتها التعليمية والصحية وغيرها من الخدمات. كما كان اللاجئون يستعينون بالأونروا عند وقوع الأزمات، وقد أثبتت الوكالة مرارًا وتكرارًا قدرتها على الاستجابة في الوقت المناسب وبشكل ملائم لحالات الطوارئ المتكررة، كما كان الحال خلال الحرب الحالية في غزة.

هيئة الأمم المتحدة للإشراف على الهدنة

في 29 أيار/مايو 1948، دعا مجلس الأمن، في القرار 50 (1948)، إلى وقف الأعمال العدائية في فلسطين، وقرر أن الهدنة يجب أن يشرف عليها وسيط الأمم المتحدة، بمساعدة مجموعة من المراقبين العسكريين. أصبحت المجموعة الأولى من المراقبين العسكريين تُعرف باسم هيئة الأمم المتحدة للإشراف على الهدنة (UNTSO)، التي أنشئت في عام 1949 للإشراف على تنفيذ اتفاقيات الهدنة الإسرائيلية العربية. ويتواجد المراقبون العسكريون التابعون لهيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة في الشرق الأوسط لرصد وقف إطلاق النار، والإشراف على اتفاقات الهدنة، ومنع تصاعد الحوادث الفردية، وللمساعدة في عمليات الأمم المتحدة الأخرى لحفظ السلام في المنطقة.

وفي أعقاب حروب 1956 و1967 و1973، تغيرت مهام المراقبين في ضوء الظروف المتغيرة، لكنهم ظلوا في المنطقة، يعملون كوسطاء للأطراف المتحاربة وكوسيلة يمكن من خلالها احتواء الحوادث المعزولة ومنعها من التصعيد والتحول إلى صراعات كبرى.

كما أنّ أفراد هيئة الأمم المتحدة للإشراف على الهدنة كانوا يحضرون في غضون مهلة قصيرة لتشكيل نواة لعمليات حفظ السلام الأخرى على أساس مؤقت. وكانت قدرة المراقبين العسكريين التابعين لهيئة الأمم المتحدة للإشراف على الهدنة على الانتشار بعد اتخاذ مجلس الأمن إجراءات لإنشاء عملية جديدة عاملًا هامًا أسهم في الفعالية الأولية لهذه البعثات.

وفي الشرق الأوسط، تلحق اليوم مجموعات من المراقبين العسكريين التابعين لهيئة الأمم المتحدة للإشراف على الهدنة بقوات حفظ السلام في المنطقة: قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك في الجولان وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان. إضافة إلى ذلك، تحتفظ هيئة الأمم المتحدة للإشراف على الهدنة بمقرها في القدس ومكاتب الاتصال التابعة لها في بيروت (لبنان) والقاهرة (مصر) ودمشق (سوريا)، فيما يقع مقر مكاتب الاتصال لإسرائيل والأردن في المقر الرئيسي في القدس، وتعمل مكاتب الاتصال في بيروت ودمشق والقاهرة وعمّان/تل أبيب بانتظام مع الموظفين المحليين في البلدان المعنية لاستعراض اتجاهات وآثار الاستقرار/الأمن، وكذلك مع البلدان المساهمة بقوات، والممثلين الدوليين، ومنظمات الأمم المتحدة الإقليمية. كما يقوم مكتب الارتباط بالقاهرة بدوريات في شبه جزيرة سيناء.

اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف (CEIRPP)

في عام 1975، وبموجب قرارها رقم 3376، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف وطلبت منها أن توصي ببرنامج تنفيذي لتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف في تقرير المصير دون تدخل خارجي، والاستقلال الوطني والسيادة؛ والعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي نزحوا عنها. وقد أيدت الجمعية العامة توصيات اللجنة، التي تقدم لها اللجنة تقارير سنوية. وأنشأت الجمعية قسم حقوق الفلسطينيين كأمانة لها، وعلى مر السنين، وسعت تدريجياً من تفويض اللجنة.

وبمساعدة شعبة حقوق الفلسطينيين في الأمانة العامة للأمم المتحدة، تنظم اللجنة اجتماعات ومؤتمرات دولية، وتدير برنامج تدريب سنوي في مقر الأمم المتحدة والعديد من أنشطة بناء القدرات الأخرى، وتتعاون مع منظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم، وتحافظ على المنشورات وبرنامج المعلومات، وتعقد كل عام في 29 نوفمبر/تشرين الثاني أو حواليه اجتماعا خاصا احتفالا باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.

منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط

مكتب منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، ومقره القدس ورام الله وغزة، هو بعثة ميدانية تابعة لإدارة الشؤون السياسية وبناء السلام تدعم مفاوضات السلام وتنفيذ الاتفاقات السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين. ويمثل مكتب منسق الأمم المتحدة الخاص في الشرق الأوسط الأمين العام للأمم المتحدة ويقود منظومة الأمم المتحدة في جميع الجهود السياسية والدبلوماسية المتعلقة بعملية السلام، بما في ذلك اللجنة الرباعية للشرق الأوسط. كما ينسق مكتب منسق الأمم المتحدة الخاص في الأراضي الفلسطينية المحتلة العمل الإنساني والتنموي لوكالات الأمم المتحدة وبرامجها في الأرض الفلسطينية المحتلة، دعمًا للسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني.

وقد تم تعيين أول منسق خاص للأمم المتحدة وأنشئ مكتب منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط في يونيو 1994، عقب توقيع اتفاق أوسلو. وكان الهدف هو تعزيز مشاركة الأمم المتحدة خلال العملية الانتقالية، وتعزيز التعاون المشترك بين وكالات الأمم المتحدة للاستجابة لاحتياجات الشعب الفلسطيني، وحشد المساعدات المالية والتقنية والاقتصادية وغيرها من المساعدات.

وفي عام 1999، تم تعزيز ولاية مكتب منسق الأمم المتحدة الخاص في الأراضي المحتلة، حيث أصبح مكتب المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، فضلًا عن الممثل الشخصي للأمين العام لدى منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية. وتم تكليف المنسق الخاص بزيادة المساعدة الإنمائية التي تقدمها الأمم المتحدة دعمًا لعملية السلام. بالإضافة إلى ذلك، مثّل المنسق الخاص الأمين العام في المناقشات المتعلقة بعملية السلام مع الطرفين والمجتمع الدولي. ومنذ عام 2002، يعمل المنسق الخاص مبعوثًا للأمين العام في المجموعة الرباعية للشرق الأوسط، التي تضم الأمين العام للأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والاتحاد الروسي. وقد أطلقت المجموعة الرباعية خارطة الطريق في عام 2003.

وقد تعزز تكامل عمل الأمم المتحدة بشكل أكبر في عام 2006، عندما تم تعيين نائب للمنسق الخاص ومنسق الشؤون الإنسانية والمنسق المقيم لقيادة فريق الأمم المتحدة القُطري، الذي يتألف من 21 منظمة تابعة للأمم المتحدة تقدم المساعدة الإنسانية والإنمائية للفلسطينيين.

آليات الرصد والإبلاغ والمساءلة التابعة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان

منذ احتلال إسرائيل لقطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، كانت الأمم المتحدة، بما في ذلك مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، توثق بعناية انتهاكات حقوق الإنسان على مدى سنوات عديدة مع توصيات بخفض التصعيد وإنهاء الاحتلال والمساءلة والعدالة والتي لم يتم تبنيها بشكل عام – ليس فقط في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكن من قبل الدول ذات النفوذ على أطراف القضية الفلسطينية المتأزمة. كما تقدم الأمم المتحدة بانتظام تحليلات وبيانات على سبيل المثال عن عدد الأشخاص المحتجزين تعسفيًا، أو المحرومين من التعليم، أو عن مستوى الدمار جراء الاحتلال.

تم إنشاء لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، وإسرائيل (COI) في مايو 2021 من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (هيئة حكومية دولية). تتألف اللجنة من ثلاثة خبراء ومكلفة “بالتحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الإنساني الدولي وانتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، وفي إسرائيل، حتى 13 أبريل/نيسان 2021 ومنذ ذلك الحين”. وتقدم اللجنة تقاريرها إلى مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة على أساس سنوي.

وتضم الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان خبراء مستقلين في مجال حقوق الإنسان مكلفين بإعداد التقارير وتقديم المشورة بشأن حقوق الإنسان من زاوية موضوعية (على سبيل المثال، حرية التعبير أو الحق في التعليم)، وهناك عدد قليل من الولايات القطرية بما في ذلك ولاية المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 والذي أصدر آخر تقرير في آذار/مارس 2024 والعديد من البيانات الصحفية.

كما تعمل المفوضية السامية لحقوق الإنسان كأمانة عامة للأمم المتحدة للجنة الخاصة للتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تؤثر على حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني وغيره من السكان العرب في الأراضي المحتلة، والتي أنشأتها الجمعية العامة في عام 1968.

للاطلاع على المزيد

فرانشيسكا ألبانيز وليكس تاكنبرغ، اللاجئون الفلسطينيون في القانون الدولي، مطبعة جامعة أكسفورد، 2020.

أردي إمسيس، الأمم المتحدة والقضية الفلسطينية: سيادة القانون وهيكل التبعية القانونية الدولية، مطبعة جامعة كامبريدج، 2023.

الموارد الرئيسية المتاحة على الإنترنت

توفر الموارد المتاحة على الإنترنت التالية إمكانية الوصول إلى مجموعة كبيرة من الوثائق والمعلومات حول اللاجئين الفلسطينيين وقضية فلسطين.

 

مصادر المركز الفلسطيني بديل http://www.badil.org

معهد الدراسات الفلسطينية https://www.palestine-studies.org/

جامعة فلسطين الدولية https://www.un.org/unispal/data-collection/

وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) https://www.unrwa.org/