الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

تضحيات العاملين في المجال الإنساني: شريان حياة يواجه الخطر

مشاركة

بقلم جلال أبو صالح

لا يمكن الحديث عن العمل الإنساني عربياً وإقليمياً دون التوقف عند المأساة المستمرة في فلسطين والسودان واليمن. فمنذ أكتوبر 2023، تحولت غزة إلى أخطر مكان في العالم للعاملين في المجال الإنساني، حيث قُتل أكثر من 520 موظف إغاثة، معظمهم من وكالة “الأونروا”، بفعل الاعتداءات الإسرائيلية المباشرة.

لم يكن هؤلاء في ساحات قتال، بل في المراكز الطبية والمدارس والمخازن وحتى منازلهم، ما يجعل الاستهداف جريمة مضاعفة بحق الإنسانية، ويعني أن استشهادهم هو حرمان لمئات الآلاف من الفلسطينيين من شريان حياة أساسي وسط حصار خانق.

ويتجدد الموعد مع اليوم العالمي للعمل الإنساني، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2008 في التاسع عشر من آب/أغسطس من كل عام، ليكون مناسبة لتكريم التضحيات الجسيمة التي يقدمها العاملون في المجال الإنساني، وتذكير العالم بأهمية حماية من يغامرون بحياتهم من أجل إنقاذ الآخرين.

وفي عام 2025، جاء الشعار الأممي: “تعزيز التضامن العالمي وتمكين المجتمعات المحلية”، ليضع المسؤولية على عاتق المجتمع الدولي في دعم الملايين من المتضررين وضمان كرامة وسلامة عمال الإغاثة.

السودان واليمن والأردن: خطوط المواجهة الإنسانية

من جانب آخر، يعيش السودان على وقع حرب طاحنة منذ العام 2023، تسببت في نزوح ملايين الأشخاص داخلياً وخارجياً. ومع كل يوم يمر، يواجه العاملون في المجال الإنساني هناك تهديدات أمنية بالغة. وقد فقد أكثر من 60 موظف إغاثة حياتهم أثناء محاولاتهم إيصال المساعدات، في وقت بلغت فيه الاحتياجات التمويلية أكثر من 12 مليار دولار.

أما في اليمن البلد الذي يئن تحت ثقل حرب مستمرة منذ نحو عقد، فلا يزال واحداً من أكثر بؤر المعاناة الإنسانية قسوة. الملايين يعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات الغذائية والطبية، لكن العاملين في المجال الإنساني يواجهون تحديات هائلة، من بينها القيود المفروضة على الحركة، ونقص التمويل، والأخطار الأمنية. ورغم كل ذلك، يواصلون عملهم بإصرار، لأن غيابهم يعني انهيار ما تبقى من مقومات الحياة لملايين اليمنيين.

ورغم محدودية موارده الاقتصادية، يواصل الأردن القيام بدور محوري في الاستجابة الإنسانية بالمنطقة. فقد استقبل مئات الآلاف من اللاجئين من فلسطين وسوريا واليمن والسودان، ووفر لهم التعليم والرعاية الصحية والخدمات الأساسية.

المنظمات المحلية والكوادر الإنسانية الأردنية تشكل اليوم خط الدفاع الأول في حماية اللاجئين وتقديم العون، وغالباً ما يعمل هؤلاء في ظروف ضغط هائلة، ما يجعل دعمهم واجباً إقليمياً ودولياً.

أرقام صادمة ورسائل تحذيرية

وحذرت الأمم المتحدة  من أن عام 2025 قد يكون الأسوأ على الإطلاق، مع استمرار استهداف العاملين في الميدان وغياب المساءلة، وهو ما وصفه الأمين العام أنطونيو غوتيريش بأنه: “هجوم على الإنسانية نفسها”. ففي عام 2024 وحده، قُتل أكثر من 383 عامل إغاثة حول العالم، فيما سُجلت 308 إصابات، و125 حالة اختطاف، و45 حالة اعتقال.

كما أكدت الأمم المتحدة أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحتاج إلى 15.9 مليار دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة، أي ما يعادل 34% من التمويل المطلوب عالمياً.

وفي فعالية أقيمت بمقر الأمم المتحدة في جنيف، قال توم فليتشر، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية: “يحمل العاملون في المجال الإنساني الأمل حيث يسود اليأس، ويجسدون الإنسانية حيث تسود اللاإنسانية. إنهم شريان حياة لملايين البشر، لكنهم اليوم أنفسهم بحاجة إلى حماية عاجلة”.

وحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن أعداد الأشخاص الذين هم بحاجة إلى المساعدات الإنسانية حول العالم يزداد في كل عام، وتواجه العمليات الإنسانية جملة من التحديات مثل: انعدام الأمن، ونقص التمويل، والقيود السياسية والبيروقراطية، كما أنه يتم في بعض الأحيان استهداف العاملين الإنسانيين في مناطق النزاع المختلفة في ميدان العمل الإنساني حول العالم.

وبتقدير الأمم المتحدة، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحتاج إلى 15.9 مليار دولار؛ لتلبية الاستجابة العاجلة والزيادات الكبيرة للتمويل المطلوب في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان، وهو ما يمثل 34 % من الحاجة العامة للعمل الإنساني العالمي.

وكانت الأمم المتحدة قد أطلقت منذ حلول العام الحالي نداء عاجلاً لجمع ما يزيد عن 47 مليار دولار لمساعدة ما يقرب من 190 مليون شخص عبر 72 دولة حول العالم.

إنقاذ الآخرين رغم الخطر

يُعرف العاملون في المجال الإنساني بأنهم خط الدفاع الأول في مواجهة الأزمات والكوارث. حياتهم ليست مجرد وظيفة، بل التزام أخلاقي تجاه الآخرين، إذ يغامرون بأنفسهم في أخطر البيئات لتأمين الغذاء والدواء والمأوى لملايين المنكوبين، ومع ذلك، فهم غالباً يدفعون الثمن الأغلى: حياتهم.

ويواجه كثير من العاملين  مخاطر الاعتداء المباشر، أو القصف، أو الاستهداف، كما يحدث بشكل متكرر في مناطق النزاعات كاليمن وفلسطين والسودان. كما يقضون أيامًا وشهورًا بعيدًا عن أسرهم وأبنائهم، منغمسين في العمل الميداني وسط المخاطر والضغوط.

حيث دفع عدد كبير من العاملين في المجال الإنساني حياتهم ثمنًا لمهامهم. في فلسطين مثلاً، فقدنا في العام الماضي مئات من موظفي وكالات الإغاثة نتيجة الاستهداف المباشر، وفي السودان واليمن قُتل وجرح العديد أثناء محاولتهم إيصال الغذاء أو الدواء.

في المحصلة؛ فإن تضحيات العاملين في المجال الإنساني تذكير لنا جميعاً بقيمة العمل الإنساني وأهمية توفير الحماية القانونية والدولية لهم. إنهم لا يحملون سلاحاً، بل يحملون الغذاء والدواء والأمل، ما يجعل دعمهم وحمايتهم واجباً أخلاقياً وإنسانياً.

تهديدات جديدة لفضاءات العمل الإنساني

وفي بيان مشترك صادر عن المنسقين المقيمين للأمم المتحدة ومنسقي الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وسوريا، واليمن، ولبنان، أكدوا أن الاعتداءات على فضاءات العمل الإنساني تجاوزت الأنماط التقليدية، لتشكل تهديدًا لأسس النظام العالمي ومبادئ القانون الإنساني الدولي. تتضمن هذه الاعتداءات محاولات لتفكيك بعض منظمات الأمم المتحدة أو فرض عقوبات عليها أو قطع التمويل الإنساني عن مؤسسات عملت على تعزيز الحماية الإنسانية والكرامة والعدالة.

وبالتالي، أصبح الحديث عن الانتهاكات محفوفًا بالمخاطر والتهديدات والاستغلال السياسي، مما ينعكس سلبًا على أمن وسلامة العمليات الإنسانية وقدرتها على الوصول إلى المدنيين في مناطق النزاع.

ويحذر البيان من أن غياب العدالة في مواجهة الانتهاكات الجسيمة يشجع الأطراف الأخرى على انتهاج نفس السلوك. هذه العقلية من تطبيع الانتهاكات وتساهل المجتمع الدولي بشأنها لا يمكن قبولها أخلاقيًا أو تبريرها سياسيًا. يجب على جميع الأطراف الالتزام بقواعد الحرب والقانون الإنساني الدولي، وتحقيق المحاسبة على أي انتهاك.

.. من أجل إنقاذ ما تبقى من إنسانيتنا!

ختاماً؛ وفي هذه المناسبة العالمية المهمة، تتجدد المطالبة بوجوب احترام القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، وتوفير الحماية للعاملين في هذا المجال، ووضع حد للاعتداءات، وإلزام الأطراف المتحاربة باحترام القانون الدولي الإنساني، وضمان سلامة من يقدمون المساعدة.

وأيضاً من المهم، وقف الإفلات من العقاب عبر فتح تحقيقات مستقلة وشفافة في الانتهاكات بحق عمال الإغاثة، وتفعيل القرار الأممي 2730 الصادر عام 2024، فضلاً عن تعزيز التمويل؛ لسد الفجوة التمويلية العاجلة وضمان استدامة الدعم، مع تخصيص موارد أكبر للمنظمات المحلية، وتمكين المجتمعات المحلية من خلال إشراك الفاعلين المحليين في صنع القرار الإنساني، وتزويدهم بالموارد والتدريب الكافي.