الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

من خلف القضبان إلى مقاعد النجاح… نزلاء يكتبون فصولاً جديدة في حياتهم

مشاركة

مدونة بقلم جلال أبو صالح

“نجحت في التوجيهي وأحلم أن أكمل دراستي الجامعي.. فالتعليم منحني الإيمان بقدرتي على التغيير وتحقيق مستقبل أفضل”، هكذا يلخص أحمد (اسم مستعار) تجربته داخل أحد مراكز الإصلاح والتأهيل في الأردن. تجربة تشبه قصص عشرات النزلاء الذين أثبتوا هذا العام أن التعلم والإصرار يمكن أن يفتحا الأبواب حتى من خلف القضبان.

في امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي) لعام 2025، تقدّم 52 نزيلاً للامتحان من مختلف المسارات الأكاديمية والمهنية، نجح منهم 31 بنسبة بلغت نحو 60%، وهي نسبة تقارب المعدل الوطني. أحدهم حقق معدلًا وصل إلى 85.7%، ما اعتُبر مؤشراً واضحاً على فعالية البرامج التعليمية المطبقة داخل المراكز.

هذه النتائج ليست الأولى من نوعها؛ ففي عام 2024، نجح 27 نزيلاً، وفي 2023 نجح 25 آخرون من أصل 56 متقدماً. الاستمرارية في تحقيق هذه المعدلات تثبت أن التعليم ليس نشاطًا ثانويًا داخل المراكز، بل ركيزة أساسية من ركائز الرؤية الإصلاحية الأردنية.

قصص نجاح تلهم وتكسر الوصمة 

سامي (اسم مستعار) كان يعتقد أن دخوله مركز الإصلاح يعني نهاية مستقبله، لكنه اكتشف عبر البرامج التعليمية أن هناك “فرصة ثانية”، فالتزم بالدراسة اليومية وتمكّن من النجاح.

غسان أعاد اكتشاف الكتب بعد سنوات من الانقطاع، ليجد في التوجيهي نقطة تحول أعادت له احترامه لذاته.

أما زياد، فقد جعل من التعليم طريقاً للخروج من عزلته، وحقق نجاحًا مميزًا يفتح أمامه أبواب الجامعة.

هذه القصص، على بساطتها، تحمل رسالة أمل للمجتمع: أن النزيل ليس مجرّد شخص معاقَب، بل فرد قادر على إعادة بناء ذاته إذا توفرت له الفرصة.

رؤية إصلاحية متقدمة… وتجربة أردنية رائدة 

مراكز الإصلاح والتأهيل الأردنية، البالغ عددها 17 مركزًا، تعمل وفق نهج إنساني قائم على الإصلاح بدل العقوبة، استنادًا لقانون مراكز الإصلاح لعام 2004 الذي ألغى قانون السجون القديم. برامجها تتكامل لتشمل: التعليم الأكاديمي: من محو الأمية حتى التعليم الجامعي، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والجامعات المحلية، التأهيل المهني: في النجارة، الخياطة، الكهرباء، والحرف اليدوية، الدعم النفسي والاجتماعي: علاج الإدمان، جلسات إرشاد، أنشطة رياضية وفنية، الرعاية اللاحقة: متابعة النزلاء بعد الإفراج لتقليل معدلات العودة للجريمة وضمان الاستقرار الاجتماعي.

هذا النهج يجعل من التجربة الأردنية حالة مميزة في المنطقة العربية، حيث ما تزال غالبية مراكز الاحتجاز في بلدان أخرى تركز على العقوبة والردع أكثر من الإصلاح والتأهيل، ما ينعكس في ارتفاع نسب العود الجرمي.

مقارنة إقليمية: الأردن كنموذج وسط تحديات عربية 

وفق تقديرات أمنية وحقوقية إقليمية، تتراوح نسب العود الجرمي في المنطقة العربية بين 35% و50%، نتيجة ضعف برامج التعليم والتأهيل، وغياب الرعاية اللاحقة. في المقابل، تحاول التجربة الأردنية أن تكسر هذه الدائرة عبر الاستثمار في التعليم باعتباره وسيلة لإعادة الدمج، لا مجرد تحسين صورة المؤسسات. كما أن نسب النجاح في التوجيهي داخل مراكز الإصلاح الأردنية، والتي تقارب المعدل الوطني، تُظهر جدوى النموذج، وتضع الأردن في موقع متقدم مقارنة مع بلدان أخرى ما تزال محرومة من مثل هذه المبادرات.

الحاجة إلى شراكات ودعم مستدام رغم النجاحات، يواجه النموذج الأردني تحديات تتعلق بضعف الموارد المالية والكوادر البشرية، وغياب إطار وطني شامل للرعاية اللاحقة. خبراء في العدالة وحقوق الإنسان يؤكدون ضرورة وجود إرادة سياسية وتشريعية لدعم استمرارية البرامج، وشراكات مع القطاع الخاص لتوفير فرص عمل للمفرج عنهم، تطوير المناهج التعليمية لتلائم مستويات النزلاء، دمج التكنولوجيا في التعليم عبر مختبرات الحاسوب وبرامج التعلم الإلكتروني.

قصص نجاح تتحول إلى فرصة إقليمية 

إن نجاح 31 نزيلاً هذا العام لا يخص الأردن وحده؛ بل يشكل إشارة مهمة للمنطقة بأسرها. فالتعليم داخل مراكز الإصلاح يمكن أن يكون أداة حقيقية لمحاربة الفقر، الحد من العودة للجريمة، وتعزيز الأمن الاجتماعي.

وفي هذا السياق، تواصل منظمات المجتمع المدني، مثل منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، الدعوة لتبني هذا النهج على مستوى إقليمي، باعتباره جزءًا من استراتيجية أشمل لحقوق الإنسان والتنمية المستدامة.

بداية جديدة تتطلب تعميم التجربة 

قصص أحمد وسامي وغسان وزياد تثبت أن النجاح ممكن حتى في أقسى الظروف. لكن التحدي الأكبر يبقى في تعميم هذه التجربة الأردنية على مستوى وطني وإقليمي، بحيث تتحول مراكز الإصلاح والتأهيل إلى منصات لإعادة بناء الإنسان، لا مجرد أماكن لقضاء العقوبة. فالتعليم، كما يقول أحد النزلاء الناجحين، “هو الباب الذي فتح لي مستقبلًا لم أتخيل أنه سيكون لي يومًا”.