الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

في يومها العالمي: اللغة العربية مفتاح الفكر والنهضة

مشاركة

بقلم آية جلال، وتحرير جلال أبو صالح

لا يمكن اعتبار اللغة العربية مجرد أداة للتواصل، بل هي عقل الأمة ولسان ذاكرتها وشرط نهضتها. فمن خلالها يتشكل الوعي، وتبنى المعرفة، وتنتقل القيم والتجارب بين الأجيال. وحين تضعف اللغة، يضعف معها الفكر، ويتصدع الانتماء، وتختل العلاقة مع التاريخ والمستقبل معاً.

في الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر من كل عام، يحل اليوم العالمي للغة العربية، لا كمناسبة احتفالية رمزية، بل كدعوة مفتوحة لمراجعة موقع العربية في التعليم، والثقافة، والإعلام، والفضاء الرقمي. وتحت شعار عام 2025: “مسارات مبتكرة للغة العربية: سياسات وممارسات من أجل مستقبل لغوي أكثر شمولًا”، تتجدد الحاجة إلى نقل اللغة العربية من موقع الدفاع إلى موقع الفعل، ومن الحنين إلى الماضي إلى صناعة المستقبل.

وتشكل اللغة الإطار الذي نرى من خلاله أنفسنا والعالم. وفي السياق العربي، تمثل العربية الوعاء التاريخي للهوية والذاكرة والخيال الجمعي. غير أن تراجع حضورها في التعليم والإعلام والفضاء العام، لصالح اللغات الأجنبية أو اللهجات، أضعف الانتماء اللغوي وعمق فجوة الأجيال مع تراثها.

إن إضعاف اللغة ليس مسألة لغوية فحسب، بل مس مباشر بالهوية، يقود إلى اغتراب ثقافي وتآكل في الوعي الجمعي. من هنا، يصبح الدفاع عن العربية فعل صمود حضاري، لا شعاراً ثقافياً.

أرقام ودلالات

وتُعد اللغة العربية من أكثر اللغات انتشارًا عالميًا، إذ يتراوح عدد المتحدثين بها بين 420 و470 مليون شخص، بما يمثل نحو 3.4% من سكان العالم. ورغم هذا الثقل الديمغرافي، لا يزال حضور العربية في الفضاء الرقمي محدودًا، إذ لا تتجاوز نسبة المحتوى العربي على الإنترنت ما بين 0.5% و1% من إجمالي المحتوى العالمي.

وعلى صعيد إنتاج المعرفة، تشير التحليلات الببليومترية إلى أن حصة اللغة العربية من النشر العلمي العالمي لا تزال منخفضة للغاية، في ظل توجه غالبية الباحثين في الدول العربية إلى النشر بلغات أجنبية لضمان الانتشار والتصنيف الدولي. وتُبرز هذه المعطيات فجوةً هيكلية تشكّل تحديًا مباشرًا لمسارات التحول الرقمي الشامل، حيث يُعدّ تعزيز إنتاج المعرفة والمحتوى الرقمي باللغة العربية شرطًا أساسيًا لضمان النفاذ العادل إلى المعرفة، وبناء نظم رقمية جامعة، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

اللغة العربية والصمود والهوية: حين تصبح اللغة خط الدفاع الأول

في لحظات التحول والأزمات، أثبتت اللغة العربية أنها أداة صمود ومقاومة ناعمة، وشهادة حيّة على وجود الشعوب رغم محاولات الطمس. فقد شكّلت عبر التاريخ وسيلةً لحفظ الذاكرة، وتثبيت الرواية، والدفاع عن الحق، لا سيما في سياقات الاستعمار والاقتلاع وتهميش الثقافة المحلية.

واليوم، يتجدّد هذا الدور في مواجهة العولمة غير المتكافئة، وهيمنة المحتوى الأجنبي، ومحاولات تمييع الهوية. فالصمود اللغوي يعني حماية الحق في التعبير بلغتنا، وإنتاج المعرفة من داخل سياقنا، وتوريث الأجيال لغةً قادرة على التفكير والنقد والإبداع. إن بقاء العربية حيّة في الوعي اليومي ليس مجرد مسألة ثقافية، بل أحد أشكال المقاومة الحضارية الأكثر عمقاً واستدامة.

اللغة العربية والتعليم: أزمة منهج لا أزمة لغة

ويبقى التعليم الساحة الأهم لضمان استمرارية اللغة. غير أن أزمة العربية في المدارس والجامعات ليست في اللغة ذاتها، بل في طرائق تدريسها. فالمناهج التقليدية التي تكرّس الحفظ والتجريد، وتفصل اللغة عن الحياة، صنعت علاقة جافة بين المتعلم والعربية.

ويزداد التحدي مع تراجع العربية كلغة تدريس في بعض المؤسسات، ما يضعف الكفاءة اللغوية ويعمّق الفجوة بين اللغة والمعرفة الحديثة. النهوض بالعربية تعليمياً يتطلب مناهج تفاعلية، ومعلمين مؤهلين، وربط اللغة بالتفكير النقدي، والعلوم، والإبداع، لا التعامل معها كمادة ثانوية.

كما تعاني بعض المناهج من ضعف الربط بين اللغة العربية والواقع المعاصر، ومن محدودية توظيف النصوص الأدبية والفكرية القادرة على تنمية الذائقة اللغوية والوعي الثقافي لدى الطلبة.

ويُضاف إلى ذلك التحدي المتمثل في تراجع مكانة اللغة العربية كلغة تدريس في بعض المؤسسات التعليمية، لصالح اللغات الأجنبية، خصوصًا في التعليم الخاص والعالي، ما يؤدي إلى إضعاف الكفاءة اللغوية لدى الطلبة، ويعمّق الفجوة بين اللغة العربية والعلوم والمعارف الحديثة

العربية والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي: تحدٍ وفرصة

وفي العصر الرقمي، تُقاس قوة اللغة بحضورها في الفضاء التكنولوجي. ورغم التحديات التي تواجه العربية في المعالجة الآلية ونقص المحتوى الرقمي، فإن الذكاء الاصطناعي يفتح نافذة تاريخية لإعادة تمكينها.

في هذا الإطار، يمكن استثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير أدوات تعليم تفاعلية، وتحسين جودة الترجمة الآلية، وبناء منصات ذكية لتعليم العربية للناطقين بها ولغير الناطقين، فضلًا عن دعم الإبداع اللغوي والأدبي، وتحليل النصوص التراثية، وإتاحتها رقمياً للأجيال الجديدة. كما يتيح الذكاء الاصطناعي إمكانية تعزيز استخدام العربية الفصحى في الإعلام الرقمي والتواصل الاجتماعي، بما يسهم في توسيع حضورها وجعلها أكثر شمولاً وانتشاراً.

الإعلام والثقافة: من التهميش إلى التأثير

وفي وقت يلعب الإعلام دوراً في تشكيل الذائقة اللغوية، غير أن تراجع الفصحى في الإعلام، وغياب المحتوى الثقافي الجاد، أضعفا النموذج اللغوي العام، خاصة لدى الشباب والأطفال. في المقابل، يمتلك الإعلام قدرة هائلة على تجديد حضور العربية، عبر محتوى إبداعي، وسياسات تحريرية داعمة، وإنتاج ثقافي معاصر يربط اللغة بالحياة، لا بالماضي فقط.

وهنا؛ تبرز الحاجة إلى تبني مشروع نهضوي عربي شامل وسياسات لغوية شاملة وممارسات مبتكرة تعيد الاعتبار للغة العربية، من خلال تطوير مناهج التعليم والابتعاد عن التعقيد، وابتكار أساليب حديثة تُحبب الأطفال باللغة، فاللغة العربية تزدهر بوجود الشعراء والأدباء، ويعد الشعر أداة أساسية لتذوق جمال اللغة، فإذا أحب الناس الشعر أحبوا اللغة.

علاوة على ذلك، فإن أي مشروع نهضوي عربي حقيقي لا يمكن أن يتحقق دون إحياء اللغة العربية وتعزيز مكانتها في التعليم، والثقافة، والبحث العلمي، وصناعة السياسات.

كيف نحمي اللغة العربية اليوم؟

في يومها العالمي، تبقى اللغة العربية مسؤولية جماعية، لأنها ليست فقط لغة الماضي، بل شرط المستقبل. فالنهضة العربية تبدأ من الكلمة، وتُبنى بالفكر، وتصان بلغة حية قادرة على الصمود والإبداع وصناعة المعنى. لذلك؛ لا بد من الحفاظ على هذه اللغة وتعزيز حضورها من خلال إصلاح مناهج تعليم العربية بالتركيز على المهارات والتفكير لا الحفظ، وتأهيل المعلمين وتدريبهم على أساليب تعليم حديثة وجاذبة، دعم المحتوى الرقمي العربي والاستثمار في أدوات الذكاء الاصطناعي للغة العربية.

كما من الضروري إلزام المؤسسات الإعلامية بمعايير لغوية واضحة دون الإضرار بالجاذبية، وتعزيز الأدب والشعر في المدارس والإعلام، لأن حب اللغة يبدأ من جمالها، إلى جانب إنتاج محتوى عربي موجه للأطفال واليافعين، وصولاً إلى ضرورة اعتبار اللغة العربية قضية سياسات عامة لا شأناً ثقافياً هامشياً. فيما يبقى التركيز على البحث العلمي والترجمة ركيزةً أساسية لتعزيز حضور العربية في إنتاج المعرفة وتداولها عالميًا.