تبدو الإدارة الأمريكية منشغلة هذه الأيام، ضمن جهودها الرامية إلى تنفيذ “خطة الرئيس ترامب للسلام في الشرق الأوسط”، بإعداد مشروع قرار تنوي طرحه قريباً على مجلس الأمن. يهدف المشروع إلى إضفاء الشرعية الدولية على قوة متعددة الجنسيات، أُشير إليها في الخطة باسم “قوة الاستقرار الدولية“، والتي يُفترض أن تُكلّف بمهمة حفظ السلام في قطاع غزة خلال المرحلة الانتقالية.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية، فإن المسودة الأولى لمشروع القرار قد اكتملت، وتم توزيعها على عدد من الدول الأعضاء في مجلس الأمن. وتشير الصحيفة إلى أن القوة المقترح تشكيلها ستعمل داخل قطاع غزة بشكل مستقل وتحت تفويض من مجلس الأمن، على أن تستمر مهامها لمدة لا تقل عن عامين قابلة للتمديد، وتبدأ عملها مطلع عام 2026.
لن يقتصر دور هذه القوة على الفصل بين الأطراف المتحاربة أو مراقبة وقف إطلاق النار، كما هو معتاد في مهام حفظ السلام التقليدية التابعة للأمم المتحدة، بل سيتعدى ذلك ليشمل صلاحيات تنفيذية تخوّلها استخدام القوة العسكرية عند الضرورة لتمكينها من أداء مهامها. وستكون القوة ملزمة بالتعاون الوثيق مع كل من مصر وإسرائيل والجهات الفلسطينية التي توافق على الترتيبات الواردة في القرار.
ويقترح مشروع القرار أن تشمل مهام هذه القوة ما يلي:
- تأمين الحدود مع كل من مصر وإسرائيل.
- حماية المدنيين والمنشآت الإنسانية ومسارات المساعدات الدولية.
- تفكيك البنى التحتية والأسلحة التابعة للتنظيمات المسلحة في القطاع.
- إنشاء وتدريب جهاز شرطة فلسطيني جديد يعمل بتنسيق مباشر معها.
- المساعدة في إقامة إطار مدني لإدارة غزة بعد الحرب.
كما يشير التقرير إلى أن التشكيل النهائي لهذه القوة لم يُحدد بعد، وأن الولايات المتحدة ستتولى القيادة التنسيقية، في حين ستتولى قوات عربية وغربية الانتشار الميداني. أما إدارة المرحلة الانتقالية لقطاع غزة فستكون بيد ما يسمى بـ “مجلس السلام” (Board of Peace)، برئاسة الرئيس ترامب، وبتفويض أولي يمتد من مطلع عام 2026 حتى نهاية عام 2027.
لفهم الأهداف التي تسعى الإدارة الأمريكية إلى تحقيقها، وما إذا كانت هذه المبادرة قادرة فعلاً على ضمان تطبيق “خطة الرئيس ترامب للسلام” وتحقيق الاستقرار في المنطقة، من المفيد مقارنة ما ورد في الخطة بما يتضمنه مشروع القرار الجديد، خاصة فيما يتعلق بنزع سلاح الفصائل الفلسطينية، وإدارة القطاع، وتشكيل القوة الدولية، وجهود إعادة الإعمار.
تنص الفقرة (13) من خطة الرئيس ترامب على أن “حماس والفصائل الأخرى تلتزم بعدم أداء أي دور في حكم غزة، بشكل مباشر أو غير مباشر. ويتم تدمير كل البنى التحتية العسكرية والإرهابية، بما في ذلك الأنفاق ومصانع الأسلحة، ولن يُعاد بناؤها. وستُنفّذ عملية لنزع السلاح بإشراف مراقبين مستقلين، تتضمن إخراج الأسلحة من الخدمة بشكل دائم عبر برنامج لإعادة الشراء وإعادة الإدماج، بتمويل دولي، وتتحقق من تنفيذها الجهات المراقبة.”
أما الفقرة (15) فتشير إلى أن “الولايات المتحدة ستعمل مع شركاء عرب ودوليين على إنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة (ISF) تُنشر فوراً في غزة لتوفير التدريب والدعم لقوات شرطة فلسطينية جديدة، بالتنسيق مع مصر والأردن، والمساعدة في تأمين الحدود ومنع دخول الذخيرة وتسهيل مرور البضائع لإعادة إعمار القطاع.”
وتوضح الفقرة (16) أن “إسرائيل لن تحتل غزة أو تضمها، بل ستنسحب تدريجياً مع إرساء قوة الاستقرار الدولية السيطرة على القطاع، وفقاً لمعايير وجداول زمنية مرتبطة بعملية نزع السلاح، وصولاً إلى غزة آمنة لا تشكل تهديداً لإسرائيل أو لمصر.”
من خلال المقارنة بين “خطة الرئيس ترامب للسلام” ومشروع القرار المطروح، يمكن استخلاص عدد من الملاحظات الأساسية:
أولاً: يتصل الأمر بالدور المطلوب من مجلس الأمن. فقد تجاهلت خطة الرئيس ترامب المجلس تماماً، بينما تسعى الولايات المتحدة الآن لإشراكه في تنفيذها، ما يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا التحول. ومع ذلك، فإن إشراك مجلس الأمن يُعد خطوة إيجابية ينبغي الترحيب بها، شرط ألا يكون دوره انتقائياً أو محدوداً، حتى لا يتحول إلى أداة لتنفيذ المهام الصعبة نيابةً عن واشنطن. لذا، من المهم أن يؤكد القرار على أن هدفه الأساسي هو تحقيق سلام شامل ودائم وفق قرارات الشرعية الدولية.
ثانياً: تتعلق الملاحظة بمهام قوة الاستقرار الدولية. وبما أن تشكيلها يعتمد على مدى مساهمة الدول العربية والإسلامية، فعليها أن تدقق جيداً في المهام الموكلة إليها، وأن ترفض أي دور في نزع سلاح الفصائل الفلسطينية، وهو ملف شديد الحساسية قد يؤدي إلى صدام مع الفصائل أو مع المجتمع المحلي. الأفضل أن تقتصر مهام القوة على مراقبة وقف إطلاق النار، وتدريب قوات الأمن الفلسطينية، وإبلاغ مجلس الأمن بما يجري من انتهاكات.
ثالثاً: يجب أن يؤكد مجلس الأمن في قراره على أن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن اتفاقيات جنيف الأربع تنطبق عليه وعلى الضفة الغربية، وأن جميع المستوطنات المقامة على هذه الأراضي غير شرعية ويجب إزالتها. كما ينبغي التذكير بقرارات المجلس السابقة التي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
رابعاً: بالنسبة للحكومة التي ستدير غزة خلال المرحلة الانتقالية، من المتفق أن تكون من التكنوقراط غير المنتمين لأي فصيل سياسي. لذا من الضروري توسيع صلاحياتها إلى أقصى حد، باعتبارها الجهة الفلسطينية الوحيدة التي تمثل مصلحة الشعب مباشرة، وينبغي أن يحدد القرار بوضوح نطاق سلطاتها.
خامساً: فيما يتعلق بـ “مجلس السلام”، الذي يفترض أن يرأسه الرئيس ترامب ويكون توني بلير مديره التنفيذي، من الأفضل أن تُحصر صلاحياته في حل الخلافات بين المؤسسات والأطراف المنفذة للخطة، دون تجاوز ذلك إلى صلاحيات سياسية أو تنفيذية أوسع.
سادساً: أخيراً، في ما يخص إعادة إعمار القطاع، من المهم أن تُسند هذه المهمة إلى هيئة مستقلة يتم انتخابها من قبل الدول المشاركة في مؤتمر الإعمار المزمع عقده في القاهرة، على أن يُخصص نصف مقاعدها للدول المانحة الكبرى، ضماناً للشفافية والفاعلية.