الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

الأردن يرفع صوت الإنسانية في الأمم المتحدة: توقيع لحماية الكوادر الإغاثية

مشاركة

لم يعد العمل الإنساني مجرد نشاط تطوعي أو مهنة محفوفة بالتحديات، بل تحول إلى خط الدفاع الأول عن الكرامة الإنسانية في عالم يمزقه النزاع المسلح والكوارث الطبيعية والتهجير القسري. فالعاملون في المجال الإنساني هم الجنود المجهولون الذين يحملون الغذاء بدلاً من السلاح، ويقدمون الدواء والمأوى بدلاً من العنف والدمار، ورغم ذلك فهم الأكثر عرضة للاستهداف.

إن الاعتداءات المتكررة على عمال الإغاثة في مناطق النزاع لم تعد حوادث فردية، بل باتت ظاهرة خطيرة تهدد مستقبل العمل الإنساني الدولي، وتستوجب تحركاً حقيقياً لتوفير الحماية اللازمة.

في هذا السياق، جاء توقيع الأردن على “إعلان حماية العاملين في المجال الإنساني”، يوم الاثنين 22 أيلول/سبتمبر 2025، ليشكل محطة تاريخية بالغة الأهمية ليس فقط للمملكة، وإنما لكل المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية العاملة في الميدان، باعتباره تأكيداً على الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، ورسالة دعم قوية إلى آلاف الكوادر الذين يغامرون بحياتهم يومياً لإنقاذ الآخرين.

بدورها؛ ترحب منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) بتوقيع الأردن على الإعلان، وتؤكد أن هذه الخطوة تأتي في وقت بالغ الحساسية حيث يواجه العاملون الإنسانيون في المنطقة أخطر التحديات في التاريخ الحديث. وتدعو إلى تحويل الإعلان إلى خطوات عملية تحمي حياة الكوادر الإغاثية، وتعزيز التعاون بين الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني، إعلاء قيمة الإنسانية في المجالات كافة.

التوقيع الأردني: رسالة مبدئية ودبلوماسية

على هامش أعمال الأسبوع رفيع المستوى للدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقع الأردن على الإعلان. وجاء التوقيع الأردني متزامناً مع احتفال الأردن بالذكرى السبعين لانضمامه للأمم المتحدة، وانضمام كل من قطر والبرازيل والصين وفرنسا وكازاخستان وجنوب إفريقيا، إلى جانب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ما يعكس توافقاً دولياً واسعاً على أولوية حماية العاملين الإنسانيين. ويُسجل أن الأردن وقطر هما أول دولتين عربيتين تُعلنان توقيعهما على الإعلان، في خطوة ذات رمزية خاصة، بالنظر إلى أن المنطقة العربية تشهد أخطر الأزمات الإنسانية المعاصرة في فلسطين والسودان واليمن وسوريا.

وأصدر الموقعون بياناً مشتركاً دعوا فيه إلى وقف انتهاكات القانون الدولي الإنساني، واحترام وحماية المدنيين والممتلكات المدنية وعمال الإغاثة والصحفيين، ودعم استضافة مؤتمر رفيع المستوى عام 2026 لبحث آليات حماية وتعزيز العمل الإنساني.

بهذه الخطوة، يضيف الأردن إلى سجله الدبلوماسي والإنساني ثقلاً جديداً يعكس التزامه التاريخي في حماية اللاجئين ودعم العمليات الإغاثية، سواء داخل أراضيه أو في الإقليم.

ورغم محدودية إمكاناته الاقتصادية، لعب الأردن دوراً محورياً في الاستجابة الإنسانية، باستضافته مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين واليمنيين والسودانيين. حيث تعد المنظمات المحلية الأردنية والكوادر الوطنية خط الدفاع الأول في تقديم المساعدات، وغالباً ما تعمل تحت ضغط كبير وموارد محدودة. من هنا، فإن توقيع الأردن على الإعلان هو أيضاً رسالة دعم لهذه الكوادر، واعتراف بأهمية دورها في حماية الأرواح.

أهمية الخطوة عربياً وإقليمياً

ولا يمكن الحديث عن العمل الإنساني في المنطقة دون التوقف عند المآسي المستمرة في فلسطين والسودان واليمن. ففي غزة تحولت منذ أكتوبر 2023 إلى أخطر مكان في العالم للعاملين الإنسانيين، حيث استشهد أكثر من 520 موظف إغاثة معظمهم من “الأونروا”، نتيجة الاستهداف المباشر. أما في السودان، فمنذ اندلاع الحرب في 2023، قتل أكثر من 60 موظف إغاثة أثناء تأدية مهامهم، وسط أزمة نزوح تعد من الأكبر في العالم.

وفي اليمن هناك الملايين يعتمدون كلياً على المساعدات، لكن الكوادر الإنسانية تواجه عراقيل أمنية وسياسية وتمويلية هائلة. ورغم هذه الظروف، يواصل العاملون الإنسانيون أداء مهامهم بشجاعة وإصرار، لأن غيابهم يعني انهيار شريان الحياة الوحيد للملايين.

أرقام صادمة ورسائل تحذيرية

وحذرت الأمم المتحدة من أن عام 2025 قد يكون الأسوأ على الإطلاق، مع استمرار استهداف العاملين في الميدان وغياب المساءلة، وهو ما وصفه الأمين العام أنطونيو غوتيريش بأنه: “هجوم على الإنسانية نفسها”. ففي عام 2024 وحده، قُتل أكثر من 383 عامل إغاثة حول العالم، فيما سُجلت 308 إصابات، و125 حالة اختطاف، و45 حالة اعتقال.

كما أكدت الأمم المتحدة أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحتاج إلى 15.9 مليار دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة، أي ما يعادل 34% من التمويل المطلوب عالمياً.

وحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن أعداد الأشخاص الذين هم بحاجة إلى المساعدات الإنسانية حول العالم يزداد في كل عام، وتواجه العمليات الإنسانية جملة من التحديات مثل: انعدام الأمن، ونقص التمويل، والقيود السياسية والبيروقراطية، كما أنه يتم في بعض الأحيان استهداف العاملين الإنسانيين في مناطق النزاع المختلفة في ميدان العمل الإنساني حول العالم.

وكانت الأمم المتحدة قد أطلقت منذ حلول العام الحالي نداء عاجلاً لجمع ما يزيد عن 47 مليار دولار لمساعدة ما يقرب من 190 مليون شخص عبر 72 دولة حول العالم.

التحديات والتهديدات الجديدة

وفي بيان مشترك صادر عن المنسقين المقيمين للأمم المتحدة ومنسقي الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وسوريا، واليمن، ولبنان، أكدوا أن الاعتداءات على فضاءات العمل الإنساني تجاوزت الأنماط التقليدية، لتشكل تهديدًا لأسس النظام العالمي ومبادئ القانون الإنساني الدولي. تتضمن هذه الاعتداءات محاولات لتفكيك بعض منظمات الأمم المتحدة أو فرض عقوبات عليها أو قطع التمويل الإنساني عن مؤسسات عملت على تعزيز الحماية الإنسانية والكرامة والعدالة.

وبالتالي، أصبح الحديث عن الانتهاكات محفوفًا بالمخاطر والتهديدات والاستغلال السياسي، مما ينعكس سلبًا على أمن وسلامة العمليات الإنسانية وقدرتها على الوصول إلى المدنيين في مناطق النزاع.

ويحذر البيان من أن غياب العدالة في مواجهة الانتهاكات الجسيمة يشجع الأطراف الأخرى على انتهاج نفس السلوك. هذه العقلية من تطبيع الانتهاكات وتساهل المجتمع الدولي بشأنها لا يمكن قبولها أخلاقيًا أو تبريرها سياسيًا. يجب على جميع الأطراف الالتزام بقواعد الحرب والقانون الإنساني الدولي، وتحقيق المحاسبة على أي انتهاك.

الأردن: انعكاسات على القوانين الوطنية

توقيع الأردن على إعلان حماية العاملين في المجال الإنساني يعكس التزام المملكة بحماية الكوادر الإنسانية ويدفع لمراجعة القوانين الوطنية ذات الصلة. ومن أبرز تلك التبعات؛ تعزيز القوانين من خلال مراجعة قانون العمل، قانون العقوبات، وقانون الجمعيات لضمان حماية العاملين الإنسانيين وتسهيل عمل المنظمات. والحماية الأمنية عبر تنظيم التنسيق بين الأجهزة الأمنية والمنظمات لضمان سلامة الموظفين والمقار.

وأيضاً حماية اللاجئين؛ وذلك بتطوير تشريعات وإجراءات خاصة لمن يقدمون خدمات للاجئين بما يتوافق مع المعايير الدولية، فضلاً عن التأمين الاجتماعي والصحي عبر توفير تغطية تأمينية خاصة للعاملين الإنسانيين، إلى جانب المساءلة والشفافية، عبر تعزيز آليات التحقيق في الانتهاكات ضد العاملين، ومواءمة مع القانون الدولي الإنساني لضمان توافق التشريعات الوطنية مع الالتزامات الدولية المتعلقة بحماية العاملين في النزاعات.

باختصار، التوقيع لا يغير القوانين تلقائياً، لكنه يفرض مراجعتها وتعزيز حماية العاملين إنسانياً وقانونياً.

لنحمي إنسانيتنا

إن حماية العاملين في المجال الإنساني ليست خياراً، بل ضرورة أخلاقية وقانونية. ويتطلب ذلك تطبيق القرار الأممي 2730 (2024) لضمان حماية كوادر الإغاثة، ووقف الإفلات من العقاب عبر تحقيقات مستقلة وشفافة في الانتهاكات، وتعزيز التمويل الدولي لسد الفجوات التمويلية وضمان استدامة العمل الإنساني، فضلاً عن تمكين المنظمات المحلية وإشراكها في صنع القرار الإنساني، وإشاعة ثقافة احترام القانون الدولي الإنساني وضمان التزام كافة الأطراف.

في النهاية، يبقى العاملون في المجال الإنساني أبطالاً صامتين يقدمون حياتهم من أجل الآخرين. إنهم ليسوا أرقاماً في تقارير، بل وجوه وأسماء وقصص تضحية. لذلك، فإن توقيع الأردن على إعلان حماية هؤلاء هو دعوة للضمير العالمي كي يستفيق، لأن حماية من ينقذون الآخرين هي إنقاذ لما تبقى من إنسانيتنا المشتركة.