الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

تمكين النساء ذوات الإعاقة: القيادة والوصول إلى صنع القرار

مشاركة

بقلم آية جلال، متدربة في مركز النهضة الاستراتيجي

يُحيي العالم في الثالث من ديسمبر من كل عام اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة، وهي مناسبة تُجدد الدعوة للتحرك وتذكّر بالتحديات المستمرة التي يواجهها 1.3 مليار شخص حول العالم. ففي مختلف المجتمعات، ما يزال الأشخاص ذوو الإعاقة يعانون معدلات مرتفعة من الفقر والتمييز في سوق العمل، إلى جانب نظم حماية اجتماعية تحدّ من كرامتهم واستقلاليتهم. ومنذ عام 2014، شكّل مشروع “تمكين بعضنا البعض” شراكة طويلة الأمد بين هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، وأسهم بشكل ملموس في تعزيز المشاركة المدنية للنساء في أنحاء الأردن، من خلال ترسيخ المساواة بين الجنسين، وتوسيع المشاركة الشاملة، وتشجيع انخراط الرجال، بما دعم تطوير آليات حماية اجتماعية مراعية للنوع الاجتماعي.

وتنفّذ منظمة النهضة (أرض) اليوم مبادرة وطنية في مختلف أقاليم المملكة تهدف إلى تعزيز تمكين المجتمعات، مع تركيز خاص على دعم مشاركة النساء ذوات الإعاقة في عمليات صنع القرار، في خطوة تعكس التزام المنظمة بالعدالة وإعلاء أصوات الفئات المهمّشة. وفي إطار هذا المشروع، عقدت المنظمة جلسة متخصصة في 27 نوفمبر 2025 تناولت التحديات الفريدة التي تواجهها النساء ذوات الإعاقة، واستعرضت آليات لتعزيز إدماجهن في الفضاءات المدنية والاجتماعية والمؤسسية ذات الصلة بصنع القرار. وقد شكّلت الجلسة مساحة للمشاركات للتعبير عن تجاربهن وتحديد العوائق واقتراح حلول عملية تُعزز الوصول والتمثيل والقيادة، كما سمحت بتشخيص العوائق المتعددة الأبعاد المرتبطة بالأعراف الاجتماعية والممارسات المؤسسية والاختلالات البنيوية التي تحدّ من مشاركة النساء ذوات الإعاقة في الأدوار القيادية.

وركزت المشاركات على الدور الكبير للديناميات الاجتماعية والثقافية في الحد من القدرات القيادية للنساء، إذ ما تزال الأدوار الجندرية التقليدية تحصر المرأة في نطاق العمل المنزلي، مما يحدّ من حضورها في الحياة العامة، كما تسهم المواقف القائمة على الشفقة تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة في تقويض ثقة المجتمع بقدرتهم على التأثير والمبادرة. وفي هذا السياق، شدّدت الناشطة الكفيفة مالك الجديعان على ضرورة تغيير الصورة النمطية التي يعززها الإعلام عبر القصص السلبية والموسيقى الحزينة والعروض الرتيبة، مؤكدة أن النساء ذوات الإعاقة يعشن حياة طبيعية ونشيطة، ويمارسن الأنشطة اليومية شأنهن شأن أي امرأة أخرى.

وإلى جانب العوائق الاجتماعية، كشفت الجلسة عن تحديات تشريعية وإجرائية تُضعف قدرة النساء ذوات الإعاقة على الوصول إلى مواقع صنع القرار، رغم وجود أطر قانونية داعمة. فضعف تطبيق هذه الأطر يخلق فجوة واضحة بين السياسات والواقع، كما يشكّل غياب التقنيات المساعدة وأدوات الإتاحة عائقاً أمام المشاركة الكاملة في برامج التدريب والاجتماعات العامة. وأشارت إحدى المشاركات إلى وجود فجوة سياساتية جوهرية تتمثل في غياب اللغة الدامجة للإعاقة في الاستراتيجية الوطنية 2020–2025. كما برزت التحديات الاقتصادية بوصفها أحد أكبر العوائق، بخاصة ارتفاع تكاليف النقل التي تمنع العديد من النساء ذوات الإعاقة من حضور برامج بناء القدرات والأنشطة المجتمعية.

وخرجت الجلسة بعدد من الدروس العملية التي شددت على ضرورة معالجة الحواجز الهيكلية عبر توفير بنية تحتية مهيّأة وأدوات مساندة وسياسات تضمن تمثيلاً فعلياً للنساء ذوات الإعاقة في مواقع صنع القرار، إلى جانب مواجهة الأعراف الاجتماعية والثقافية التي تقيد انخراطهنّ في الحياة العامة. كما أكدت أهمية توفير برامج لبناء القدرات تشمل التدريب على المشاركة المدنية والخطابة العامة والدعم النفسي والمهني وشبكات الأقران والتوجيه، إضافة إلى تقديم دعم اقتصادي يخفف من العوائق المالية أمام المشاركة، وإجراء إصلاحات تشريعية تضمن إدماج النساء ذوات الإعاقة في الاستراتيجيات الوطنية والقوانين والعمليات السياسية، وتعزيز الشراكات مع المجتمع المدني والجهات الحكومية، وتوثيق قصص النجاح لتوجيه تصميم برامج شاملة.

وبمناسبة اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة، تتجدد الدعوة إلى إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في صياغة السياسات والاستراتيجيات، ومراعاة احتياجاتهم الصحية والخاصة عند إعداد القوانين والخطط الوطنية، وضمان أن تكون آليات الحماية الاجتماعية مستجيبة لاحتياجاتهم، وتهيئة المرافق والخدمات لتكون ميسّرة، وتعزيز جمع البيانات المصنّفة حسب الإعاقة لضمان تخصيص أكثر عدالة للموارد.

ختاماً، يؤكد مشروع “تمكين بعضنا البعض” أن تمكين النساء ذوات الإعاقة ليس مجرد مسألة عدالة اجتماعية، بل أساس لبناء مجتمع أكثر شمولاً وإنصافاً. فالنساء ذوات الإعاقة يواجهن طبقات متداخلة من العوائق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والمؤسسية، ما يستدعي تدخلات موجهة وإصلاحات مستمرة تتيح لهنّ المشاركة الفاعلة في مسارات القيادة وصنع القرار. ومن خلال تنمية المهارات وتعزيز الثقة وتشجيع المشاركة المدنية، يسهم المشروع في توسيع حضور النساء ذوات الإعاقة في المجال العام، وهو ما يعكس بدوره خطوة نحو مجتمع يُقدّر مساهمات جميع أفراده دون تمييز.