الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

من داخل دور الأحداث… القانون كما لم يعرفوه من قبل!

مشاركة

في عالم تتسارع فيه التحديات الاجتماعية، يبرز الاستثمار في الوعي القانوني، وتحديداً لدى الفئات الشابة،  كأحد أهم ركائز الحماية والوقاية. فمن داخل دور تربية وتأهيل ورعاية الأحداث في محافظات المملكة، يتم تنفيذ جلسات نوعية تجمع بين القانون والإنسانية، لتفتح أمام اليافعين أبواب الفهم والفرصة من جديد.

فمن خلال جلسات توعوية قانونية شهرية تقودها منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، من خلال دائرة المساعدة القانونية لديها، وبالتعاون مع مديرية الأحداث والحماية التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، يتحول النقاش حول “القانون” من فكرة العقوبة إلى مفهوم الإصلاح، ومن لغة الخوف إلى لغة الفهم والتمكين. إنها تجربة تؤكد أن الطريق إلى العدالة يبدأ بالمعرفة، وأن حماية مستقبل اليافعين تمر أولاً عبر تمكينهم من فهم حقوقهم وواجباتهم، وإدراك أن القانون وُجد ليحميهم لا ليقصيهم.

وتأتي هذه المبادرة، التي انطلقت في أيلول/سبتمبر 2024 وتستمر حتى حزيران/يونيو 2026 مع إمكانية التمديد، كجزء من تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات، في خطوة تعكس التكامل بين الجهود الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والتي هدفت إلى تزويد وتمكين الأحداث بالمعرفة القانونية؛ حول آفة المخدرات على وجه الخصوص ومواضيع قانونية أخرى ذات صلة متعلقة بقانون الجرائم الإلكترونية، السرقة، الإيذاء وغيرها، وأيضاً الحد من تكرار السلوكيات المخالفة للقانون، وتمكينهم من فهم حقوقهم وواجباتهم على نحو يساهم في إعادة اندماجهم في المجتمع.

تفاعل ملحوظ من الأحداث ورغبة في التغيير

يشير المحامون في منظمة النهضة (أرض) المشاركون في تقديم هذه الجلسات إلى أن تفاعل الأحداث كان لافتاً، خصوصاً في ما يتعلق بالأسئلة حول الإجراءات القانونية وحقوقهم أثناء التوقيف ودور المحاكم والنيابة العامة. وقد أبدى العديد من الأحداث اهتماماً حقيقياً بفهم السبل القانونية لتصحيح أوضاعهم وكيفية تجنب الوقوع مجدداً في سلوكيات خطرة كتعاطي المواد المخدرة أو الجرائم الإلكترونية أو السرقة.

ويؤكدون أن “الحوار المباشر مع الأحداث أظهر رغبة قوية لديهم في التغيير، خصوصاً عندما يفهمون أن القانون ليس عقوبة فحسب، بل حماية وفرصة لإعادة الاندماج في المجتمع”.

مداخلات المحامين وتجارب المحافظات

يقول المحامي أحمد أخو عميرة، الذي قدم الجلسات في مركز إصلاح وتأهيل أحداث عمان: “ركزنا العام الماضي على قانون مكافحة المخدرات والوقاية منها، وناقشنا مع الأحداث العواقب القانونية المترتبة على التعاطي أو الحيازة أو الاتجار. أما هذا العام أضفنا مواضيع قانونية أخرى   تتعلق بالسرقات وقانون العقوبات والإيذاءات، وكان من اللافت إدراك المشاركين أن فهم القانون يساعدهم على تجنب الأخطاء قبل وقوعها”.

أما في دار تربية وتأهيل الأحداث في إربد، فتناول المحامي أحمد عبد الرحمن خلال جلساته موضوعات متنوعة مثل السلب والجرائم الإلكترونية والمخدرات، موضحاً أن: “الاهتمام من الأحداث كان كبيراً، خاصة تجاه الإجراءات القانونية. كثيرون كانوا يظنون أن المحاكمة نهاية المطاف، لكنهم تفاجؤوا بأن القانون يمنحهم فرصاً للإصلاح وإعادة التأهيل إذا التزموا بالمسار الصحيح”.

وفي دار رعاية أحداث الفتيات في مدينة الرصيفة في الزرقاء، تؤكد المحامية هنادي حتاملة على أهمية التواصل الإنساني قبل القانوني، قائلة: “أغلب الفتيات يحتجن إلى من يسمعهن أولاً قبل أن يوجّههن. خلال الجلسات نعمل على تبسيط المفاهيم القانونية بلغة قريبة منهن، ونوضح لهن أن القانون ليس عائقاً بل وسيلة لحمايتهن من الاستغلال أو التورط في سلوكيات خطرة”.

من جهته، يشير المحامي راكان قاسم، الذي يشرف على جلسات في دور أخرى في إربد، إلى أن: “العمل مع الأحداث يتطلب صبراً ومهارة في كسب الثقة. نحن لا نلقي محاضرات تقليدية، بل نحاورهم في مواقف واقعية عاشوها، ونربط القانون بحياتهم اليومية، مما يجعل أثر الجلسات أعمق وأكثر استدامة”.

ومن محافظة الزرقاء، يقول المحامي مراد الفقيه: “أقوم وزملائي المحامين بتنفيذ ورش توعوية في عدد من المراكز، من بينها مركز أسامة بن زيد في الرصيفة للأحداث الذكور، ودار رعاية أحداث الفتيات في الرصيفة، ومركز تعديل السلوك وتأهيل الأطفال في بيرين… ونلاحظ دائماً أن التوعية القانونية تُكسب اليافعين أدوات لحماية أنفسهم وفهم حقوقهم. وكثيراً ما يطلب بعض المشاركين بعد الجلسات نصائح لمساعدة أصدقائهم أو إخوتهم، وهو ما يعكس أن أثر هذه الجلسات يمتد إلى ما هو أبعد من أسوار الدور”.

نصائح واستشارات موازية لكوادر دور الرعاية والأهالي

ولا تقتصر هذه الجلسات على الأحداث الموقوفين والمحكومين في الدور فقط، بل تشمل أيضاً استشارات ونصائح قانونية مخصصة لكوادر الدور، يتم خلالها تزويدهم بالمعلومات القانونية المتعلقة بآليات التعامل مع القضايا الحساسة، وأساليب التنسيق مع الأهل والمحاكم وجهات إنفاذ القانون.

وقد ساهمت هذه الاستشارات، بحسب إدارات الدور، في رفع الوعي القانوني لدى العاملين وتحسين إدارة الحالات داخلياً، ما انعكس إيجاباً على بيئة الرعاية داخل المؤسسات. إضافة إلى دور المحامين في تقديم المساعدة القانونية لذوي الأحداث الموقوفين والمحكومين لمساعدتهم في فهم ومتابعة الإجراءات القانونية اللازمة.

تعاون واسع وأثر مجتمعي متنامٍ

فيما يشتمل تقديم هذه الجلسات دوراً متعددة في عمان والزرقاء وإربد والزرقاء، وتشهد مشاركة واسعة وتعاوناً وثيقاً بين إدارات الدور والمحامين المشاركين. وقد عبّرت إدارات الدور  عن تقديرها لهذا التعاون، الذي يسهم في ترسيخ ثقافة قانونية تحترم كرامة الحدث وتضمن له فرصة ثانية، فضلاً عن أن هذه الجلسات يمتد أثرها إلى المجتمع والأسرة عبر توعية أولياء الأمور بحقوق أبنائهم وتزويدهم بإرشادات قانونية تساعد في متابعة أوضاعهم القانونية والاجتماعية، ويساهم في تقويم سلوكهم وإعادة دمجهم في المجتمع.

وهذا يؤكد دور الأسرة والمجتمع والمؤسسات التربوية والحكومية ومنظمات المجتمع المدني مسؤوليتها المشتركة في حماية الحدث من الجنوح، عبر التوعية والرعاية والتدخل المبكر قبل وقوع الجريمة.

ختاماً؛ يمثل هذا التعاون خطوة متقدمة نحو ترسيخ العدالة الإصلاحية في الأردن، القائمة على الفهم والتأهيل لا العقاب وحده. وعلى أهمية دور منظمات المجتمع المحلي وتكامله مع الوزارات والمؤسسات الرسمية لضمان تنفيذ الخطط الوطنية الاستراتيجية التي تهم مصلحة الوطن،

ومن خلال الحوار والمعرفة القانونية والتعاون المؤسسي، تُبنى جسور الأمل التي تمكّن اليافعين من إعادة رسم مستقبلهم بثقة ومسؤولية، بعيداً عن مسارات الانحراف أو التهميش.