الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

من السودان إلى فلسطين: إنهاء العنف ضد المرأة والناجم عن النزاع 

مشاركة

بقلم: جوليا م. ميناسيان، متدربة في مركز النهضة الاستراتيجي 

يصادف يوم 25 تشرين الثاني/نوفمبر اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، كما اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 48/104 لعام 1993. ويبدأ في هذا اليوم أيضًا 16 يومًا من النشاط العالمي لإنهاء العنف الموجه ضد النساء، وهي حملة تدعو إلى التضامن سعيًا إلى رفع الوعي ومنع العنف ضد المرأة. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تتعرض واحدة من كل ثلاث نساء للعنف الجسدي في حياتها، ومع ذلك تتعرض 70% من النساء للعنف في المناطق التي تعاني من النزاعات أو ندرة الموارد. في أوقات الحرب، غالبًا ما يُستخدم العنف ضد المرأة باعتباره تكتيكًا يُمارس عن عمد، فيما تبقى الضحايا مجرد إحصاءات يجري استيعابها ضمن سردية ​​أكبر تتعلق بكون الضحية عواقب حتمية لهذا النزاع. ومع تواصل انتشار النزاعات المسلحة في جميع أنحاء العالم، وتسجيل ما يزيد على 185 صراعًا في عام 2024، ينبغي على المجتمع العالمي اتخاذ إجراءات لمعالجة الاحتياجات السياقية للنساء اللاتي يتعرضن للعنف، كما يتطلب العمل المستدام من الجهات الفاعلة تأكيد التزاماتها تجاه أجندة المرأة والسلام والأمن، التي تطالب بحماية النساء في دائرة النزاعات ومشاركتهن في عمليات السلام.

يظل العنف القائم على الفروقات بين الرجال والنساء قضية عالمية، إذ يُغيّر النزاع المسلح من نطاقه وطبيعته جذريًا. وعلى وجه التحديد، يُفاقم انهيار الحماية القانونية، والاجتماعية والمجتمعية من تعرض النساء للعنف الجسدي والنفسي، فضلًا عن أنه يحدّ من آليات المساءلة. من بين أكبر 25 أزمة إنسانية في عام 2024، قيّمت الأمم المتحدة العنف القائم على الفروقات بين الجنسين بوصفه شديدًا أو متطرفًا في 23 حالة. كما تحققت الأمم المتحدة من أكثر من 4600 حالة عنف جنسي مرتبطة بالنزاعات في عام 2024، الأمر الذي يُظهر زيادة نسبتها بمقدار 87% عن عام 2022. وبعيدًا عن الإحصاءات، تكشف أمثلة محلية عن الطرق التي تؤثر بها صور محددة من العنف على النساء اللواتي يعانين من النزاع. وعلى وجه الخصوص، يُفاقم النزوح من آثار العنف في السودان، بينما تواجه النساء الفلسطينيات عنفًا إنجابيًا مُمنهجًا.

ساهم اندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في نيسان/أبريل 2023 في تحول السودان إلى أكبر وأسرع أزمة نزوح من حيث النمو في العالم. ويؤدي النزوح والتنقل القسري إلى تفاقم العنف، إذ تفتقر النساء النازحات غالبًا إلى الموارد والحماية المجتمعية، ما يتركهن في بيئات غير مألوفة بالنسبة لهن إلى جانب كونهن عرضة للاستغلال. وفي الآونة الأخيرة، تسبب استيلاء قوات الدعم السريع العنيف على الفاشر في تشرين الأول/أكتوبر 2025 في فرار أكثر من مئة ألف شخص من المدينة مع زيادة معدلات العنف الجنسي والقتل الجماعي. ومع ذلك، لم تتمكن سوى أقل من 10% من النساء السودانيات المحتاجات من الوصول إلى الخدمات الإنسانية المتعلقة بالعنف القائم على الفروقات بين الجنسين بسبب قيود الوصول، والظروف التي تفاقمت جراء حركة التنقل الجماعي، بالإضافة إلى خفض تمويل المساعدات الدولية المخصصة للخدمات الإنسانية. وبالتالي، فإن معالجة العنف ضد المرأة في السودان تتطلب فهم الطبيعة الدورية للنزوح القسري على نطاق واسع، وخاصة في السياق السياسي المعاصر.

تواجه النساء أيضًا شكلاً مميزًا من العنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فهنا، يمثل العنف الإنجابي، الذي يستهدف قدرة السكان على التكاثر بيولوجيًا واجتماعيًا، استراتيجية إبادة قائمة على الفروقات بين الجنسين. ومنذ الحرب التي شنتها دولة الاحتلال الإسرائيلي على غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023، دُمرت المستشفيات ومرافق الصحة الإنجابية، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 1722 من العاملين في مجال الرعاية الصحية. علاوة على ذلك، تمنع الهجمات والقيود القانونية المفروضة على المؤسسات الحيوية، بما في ذلك وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، دخول المساعدات الطبية الأساسية إلى غزة. ونتيجة لذلك، ارتفعت حالات الإجهاض في غزة بنسبة تقدر بنحو 300% منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، وتعيش أكثر من 150 ألف امرأة حامل ومرضعة دون وصولهن إلى الرعاية الأساسية. إضافةً إلى ذلك، تمتد آثار العنف الإنجابي إلى ما هو أبعد من هذه الإبادة الجماعية المستمرة، لتؤثر على الأجيال القادمة والشعب الفلسطيني ككل.

من جهة أخرى، تُحدد الأطر الدولية والقانونية بوضوح مسؤوليات الدول عن منع العنف، غير أن هناك عدة مجالات لتحسين تنفيذها. فعلى سبيل المثال، تُلزم اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، التي صادقت عليها الأمم المتحدة عام 1981، الدول بمنع العنف ضد المرأة في جميع السياقات، بما في ذلك حالات النزاع. وتُوضح التوصية العامة رقم 30 لسيداو (2013) تحديدًا أنه يجب على الدول، بما في ذلك قوى الاحتلال، معاقبة جميع الأطراف على حالات العنف القائم على الفروقات بين الجنسين، وضمان حصول المرأة على الرعاية الصحية، وحماية النازحات. وبالمثل، يُؤكد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم  1325  وأجندة المرأة والسلام والأمن الأوسع نطاقًا على أهمية معالجة آثار النزاع على المرأة وإشراكها في عمليات بناء السلام. ومع ذلك، ففي مقدور عوائق الوصول، ومحدودية التمويل، وغياب الإرادة السياسية، عرقلة مدى فعالية هذه الحماية ضمن سياقات مُعينة.

أما مستقبلًا، فيجب على المجتمع الدولي مواجهة الأنظمة الأساسية التي تُغذي العنف ضد المرأة، بما في ذلك انتشار الأسلحة والامتثال لحظر توريدها. في الوقت الحالي، لا تتجاوز المساعدات الداعمة لحركات حقوق المرأة في البلدان المتضررة من النزاعات 0.01% من الإنفاق العسكري العالمي، كما لا تصل 99% من مساعدات التنمية المتعلقة بالفروقات بين الجنسين إلى جماعات حقوق المرأة المحلية على الإطلاق. لذلك، ينبغي على المؤسسات الدولية أن تُجري تحولًا مدروسًا لتمويل المنظمات النسائية الشعبية الأكثر تأهيلًا لتطبيق مُثُل قرار مجلس الأمن رقم 1325 واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على المستوى المجتمعي. وفي بيئات ما بعد النزاع، يجب إشراك المرأة على نحو متعمد وهادف في جميع مراحل عمليات بناء السلام، من مفاوضات وقف إطلاق النار إلى خطط إعادة الإعمار، إذ ستؤدي مشاركة المرأة إلى سلام يتمتع بالمزيد من الاستجابة والاستدامة، كما سيُعالج التحديات التي تتعرض لها المرأة بما يناسبها.

وليست حماية المرأة من العنف شأنًا هامشيًا في النزاعات، بل هي ضرورة لبناء سلام مستدام. في اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، يجب أن يتجاوز العالم مجرد الاحتفاء بهذا اليوم إلى اتخاذ الفعل. ويبدأ ذلك بالاستماع إلى المنظمات النسائية وتزويدها بالموارد، ومعالجة واقع النزاعات المتعلق بالفروقات بين الجنسين، ومساءلة الجهات الفاعلة التي تواصل ترسيخ العنف. عمومًا، لا يتطلب السلام المستدام إنهاء النزاعات فحسب، بل القضاء أيضًا على هياكل السلطة التي تسمح باستمرار العنف ضد المرأة.