تعرب مبادرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا للديمقراطية والتنمية (أرض – أوروبا) عن بالغ قلقها إزاء الفظائع الجارية في مدينة الفاشر بشمال دارفور، حيث أدى استيلاء قوات الدعم السريع على المدينة إلى خسائر فادحة في الأرواح، ونزوح واسع النطاق، وتدمير للبنية التحتية المدنية.
نضمّ صوتنا إلى النداء العاجل الصادر عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ونبني عليه: إن الحرب في السودان ليست مجرد صراع بعيد، بل هي حالة طوارئ جيوسياسية ذات تداعيات عميقة على أوروبا والمنطقة العربية والعدالة العالمية.
إن الأزمة في السودان ليست انهيارًا معزولًا، بل هي ذروة إخفاقات منهجية متراكمة: دورات من العسكرة والإفلات من العقاب والتدخلات الإقليمية. يكشف تفكك الدولة السودانية هشاشة النظام السياسي القائم على المصالح الخارجية والإهمال المستمر. ومأساة السودان تعكس أنماط الانهيار والتخلي ذاتها التي تتكرر من اليمن إلى غزة، حيث تُخضع شعوب بأكملها للقتل الجماعي والتهجير القسري والتجريد المنهجي من الحقوق.
ليست هذه فشلاً عفويًا لدولة واحدة، بل تفككًا إقليميًا متجذرًا في الإرث الاستعماري والاقتصادات العسكرية وبنية جيوسياسية تُعلي من شأن السيطرة والاحتواء على حساب العدالة والتحول. هذه الأزمات العنيفة ليست “نزاعات” منفصلة، بل أعراض لنظام يطبع القمع كأداة للحكم.
في أنحاء المنطقة العربية، يعيش اللاجئون السودانيون في ظروف شديدة الهشاشة، وغالبًا ما يُهمَّشون ويُستبعدون من آليات الحماية والحلول المستدامة. إن التصعيد الجديد للعنف يهدد بالتخلي الكامل عن هذه المجتمعات، وتركها أكثر عزلةً، بلا أمان، ومنسية من قبل المجتمع الدولي.
تُبرز هذه الأزمة المتفاقمة الحاجة الملحة إلى نهج جديد للتعاون الأوروبي العربي. فمصائر المنطقتين متشابكة بعمق؛ إذ إن عدم الاستقرار والنزوح في إحداهما ينعكسان مباشرةً على الأخرى، بينما تكشف تآكل سيادة القانون، وصعود الاقتصادات العسكرية، وتضييق الفضاء المدني عن هشاشة مشتركة. إن كلفة التقاعس لن يتحملها السودان وحده، بل ستتجاوز حدوده — عبر اتساع رقعة المعاناة الإنسانية، والهجرة غير النظامية، وتقويض مبادئ العدالة والإنسانية ذاتها.
أربع أولويات للعمل الأوروبي العربي
تدعو مبادرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا للديمقراطية والتنمية (أرض – أوروبا) الحكومات والمؤسسات والشركاء متعددي الأطراف إلى اتخاذ إجراءات فورية ومبدئية على النحو الآتي:
- حماية المدنيين
- المطالبة بوقف فوري لهجمات قوات الدعم السريع ضد المدنيين.
- استخدام القنوات الدبلوماسية (بما في ذلك مجلس الأمن، وجامعة الدول العربية، وأدوات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي) لضمان وصول المساعدات الإنسانية، وفرض وقف إطلاق النار، وفتح ممرات آمنة لإجلاء المدنيين.
- التحقيق ووقف تدفق الأسلحة
- كما أشار المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، يجب على الدول الأوروبية أن تطالب بالشفافية الكاملة في شحنات الأسلحة إلى السودان، بما في ذلك شهادات المستخدم النهائي، وسجلات الشحن، وبيانات الرحلات الجوية.
- فرض عقوبات على جميع الكيانات والأفراد المتورطين في نقل الأسلحة أو تهريب الذهب أو تمويل جرائم الحرب.
- تعزيز دعم لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة الخاصة بالسودان وبعثة تقصي الحقائق، وربط التعاون الدبلوماسي والأمني مع الأطراف الإقليمية بمدى امتثالها للتحقيقات.
- توسيع حماية اللاجئين ومسارات إعادة التوطين في المنطقة الأوروبية المتوسطية
- حتى 26 تشرين الأول/أكتوبر 2025، تم تهجير أكثر من7 مليون سوداني قسرًا بسبب الحرب. يجب على أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا توسيع نطاق الحماية لهذه الفئات، بدءًا بالسودانيين في الدول المجاورة.
- إطلاق ممرات إنسانية خاصة وبرامج لمّ شمل الأسر، وتوسيع برامج إعادة التوطين والحماية لطالبي اللجوء السودانيين.
- زيادة التمويل المستدام للمجتمعات المضيفة والوكالات العاملة لضمان الوصول إلى الهوية القانونية والتعليم والرعاية الصحية والسكن وفرص سبل العيش.
- إعادة صياغة التعاون الأوروبي العربي على أسس العدالة والمساءلة
- كما أشار المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فإن السياسة الأوروبية انزلقت نحو “الاحتواء والتكيّف”، ويجب أن يتغير هذا المسار. على أوروبا والدول العربية التحول نحو أطر تعطي الأولوية لحماية المدنيين، وإعادة الإعمار بعد الصراع، والحكم الشامل، لا الردع العسكري.
- مواءمة جميع الشراكات في مجالات المساعدات والتجارة والهجرة مع اشتراطات صارمة لحقوق الإنسان، ودعم العدالة الانتقالية والمجتمع المدني المحلي والعمليات الديمقراطية.
إن مصداقية أوروبا ومعنى شراكتها مع العالم العربي يجب أن يترجما إلى إرادة حقيقية لمواجهة الأسس الأخلاقية والسياسية للعنف الذي يطبع عصرنا.
فشعب السودان، ومعه شعوب المنطقة الأوسع، لا يستطيع الانتظار حتى تقع المأساة التالية لتذكيرنا بمسؤوليتنا المشتركة.