نظم مركز النهضة الاستراتيجي، التابع لمنظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، ندوة رقمية بعنوان “تمكين المرأة في غزة: دروس من السياقات العالمية” يوم الثلاثاء 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، وذلك في إطار قرار مجلس الأمن رقم 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن، لتسلط الندوة الضوء على الحاجة الملحّة إلى دمج القيادة النسائية في عمليات بناء السلام وصنع القرار.
وشارك في هذه الندوة كلٌّ من السير تشارلز بيتري، مستشار أول في منظمة النهضة العربية (أرض)، والمساعد السابق للأمين العام للأمم المتحدة، ونيكولاس بورنيات، الممثل القطري لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الأردن والمسؤول عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة في فلسطين، وهبة زيان، المستشارة الإقليمية للمرأة والسلام والأمن والعمل الإنساني في هيئة الأمم المتحدة للمرأة، بينما أدارت النقاش الدكتورة سناء الجلاصي، مستشارة أولى لبرامج تمكين المرأة والشباب في منظمة النهضة العربية (أرض).
وافتتح السير تشارلز بيتري الندوة بشرح خلفيات انعقادها، مشيرًا إلى أن المناقشات الأولية حول خطط السلام في غزة كشفت عن قلق متزايد من تهميش النساء والجهات الفاعلة المحلية، فضلًا عن إفساح المجال لأولئك الذين “يحملون السلاح” كي يحددوا الأولويات بدلًا من الفاعلين المجتمعيين الذين يحافظون على سير البقاء اليومي في غزة. واستنادًا إلى تجارب عالمية تشمل سوريا، وبابوا غينيا الجديدة، والسودان وميانمار، فقد بيّن الوسائل التي تمثل فيها النساء العمود الفقري للصمود على الدوام، إلى جانب كونهن من يقود الاستجابات المجتمعية، ويسهم في جهود الوساطة وحل التوترات المجتمعية، ويحافظ على الخدمات الأساسية. كما أكد أن الهدف من هذه الندوة، المتوافق مع التزامات القرار 1325، هو تزويد المانحين وصنّاع السياسات بحجج واضحة لتعزيز مشاركة المرأة في عمليات بناء السلام.
من جانبه، استعرض نيكولاس برنيات الوضع الإنساني في غزة، مشيرًا إلى أن تقديرات الأمم المتحدة تفيد بمقتل عشرات الآلاف من النساء والفتيات منذ اندلاع الحرب. وشدّد، اتساقًا مع أجندة المرأة والسلام والأمن، على ضرورة أن تكون أصوات النساء محور مفاوضات وقف إطلاق النار، ونقاشات التعافي المبكر، وإصلاح الحوكمة. وأكد أن المنظمات النسائية المحلية واصلت تقديم الخدمات الأساسية رغم الضغوط الهائلة الواقعة عليها، وعلى ضرورة أن تكون قياداتها جزءًا أساسيًا من جهود بناء السلام. وقبيل مؤتمر التعافي المقرر عقده في مصر، دعا برنيات إلى آليات مشاركة شاملة تضمن حضورًا مؤثرًا للمرأة منذ المراحل الأولى، مشيرًا إلى أن إعادة إعمار غزة ينبغي أن تقوم على هياكل وأنظمة تُعلي من صوت المرأة وتعيد بناء روابط الحوكمة العابرة للحدود، باعتبارها ركيزة في تحقيق السلام المستدام.
بدورها، تناولت زيان التطور التاريخي للحركة النسائية الفلسطينية، وهي المتجذرة في النضال من أجل التحرر الوطني إضافة إلى ارتباطها بالعمل السياسي. وأشارت إلى دور المنظمات مثل “مفتاح” في مناصرة الإصلاح القانوني والدعوة إليه، وتعزيز التمثيل السياسي في الضفة الغربية وغزة. كما سلطت الضوء على تأثير الانقسام السياسي عام 2007 والحصار على تعطيل نشاط المرأة، وتقليص المساحات القانونية، وتجزئة الشبكات التنظيمية. أوضحت زيان أيضًا دور الحروب المتكررة في تدمير البنية التحتية، ومحو الذاكرة الجمعية، وتقويض الهوية المجتمعية. ولكن وبرغم ذلك كله، تبقى المرأة الفلسطينية في قلب صمود غزة ولا غنى عن دورها في إعادة بناء النسيج الاجتماعي. وأكدت زيان على ارتباط مشاركة المرأة الهادفة، وفق مبادئ القرار 1325، بحقوقها الوطنية والسياسية والسيادية، وعلى رفض النساء في فلسطين استبعاد أصوات غزة من عمليات صنع القرار.
ختامًا؛ شدد المتحدثون على رسالة موحّدة مفادها ضرورة ارتكاز بناء السلام في غزة على أجندة المرأة والسلام والأمن ومبادئ قرار مجلس الأمن 1325، إذ ليست القيادة النسائية، والمرونة المجتمعية، وهياكل أو أنظمة الحكم المحلي بالعناصر الثانوية، بل هي أسس محورية في تحقيق السلام المستدام، والتماسك الاجتماعي والتعافي. كذلك، دعت الندوة المجتمع الدولي إلى إعطاء الأولوية لمشاركة المرأة، وخلق مساحات مؤسسية تمكّن قيادتها، والالتزام باستراتيجيات التعافي التي تعكس واقع الحياة اليومية في غزة. وخلص المشاركون إلى أن مستقبل غزة لن يُبنى على أسس مستقرة وعادلة إلا من خلال مناهج شاملة تراعي الفروقات بين الجنسين، وتقوم على تعزيز المرونة المجتمعية.