في إطار حملة “استحقاق المستقبل” التي تنفذها منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، وضمن فعاليات حملة الـ16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة، عقد مركز النهضة الاستراتيجي يوم الاثنين الموافق 1 كانون الأول جلسة حوارية ناقشت آثار العنف المُيسّر بالتكنولوجيا على المشاركة المدنية والديمقراطية للشابات.
افتتحت الجلسة د. مريم أبو سمرة، منسقة مركز النهضة الاستراتيجي، مؤكدة أهمية توسيع الوعي حول الأشكال الجديدة والمتجددة للعنف الذي تتعرض له النساء، ومشددة على ضرورة استمرار النقاش حول هذه القضايا الحساسة حتى بعد انتهاء الحملة السنوية. وشهدت الجلسة إطلاق الدراسة الجديدة التي أعدّها المركز بعنوان: “رحلة الصمت: كيف يؤثر العنف المُيسّر بالتكنولوجيا على المشاركة الديمقراطية للشابات”.
تستعرض الدراسة طبيعة العنف الرقمي وأشكاله في السياق الأردني، وتناقش دور التوقعات الاجتماعية في تفاقمه، كما تحدد عوائق تشريعية وأخرى اجتماعية–ثقافية تحول دون الإبلاغ أو التعامل مع هذا النوع من العنف. وتظهر نتائجها أن تداخل هذه العوائق يزيد من خطورة التأثير الواقع على الشابات، خصوصاً من تفتقر منهن للموارد المالية أو رأس المال الاجتماعي الضروري لمواجهته.
وتجيب الدراسة عن سؤال محوري يتعلق بمدى تأثير العنف المُيسّر تكنولوجياً على المشاركة الديمقراطية للشابات؛ إذ تشير إلى أن كثيرات ينسحبن من الفضاءات الرقمية عند تعرضهن للتحرش أو التنمر أو الابتزاز الإلكتروني، نتيجة شعورهن بانعدام الأمان في هذه المساحات. كما يلجأ بعضهن إلى إخفاء الهوية أو الابتعاد عن التعبير في القضايا العامة، والاكتفاء بطرح محتوى “غير سياسي”، مما يحدّ من مشاركتهن المدنية والديمقراطية.
وعقب عرض النتائج، عُقدت جلسة نقاشية شاركت فيها ثلاث متحدثات قدمن قراءات متنوعة من تجارب ومجالات مختلفة. فقد عرضت كارلا عمّاري، طالبة في الصفوف العليا بمدارس المشرق، نتائج بحث أجرته حول العنف الإلكتروني الموجّه ضد النساء والفتيات، مستعرضة تجارب جيل نشأ في فضاء رقمي متداخل مع الواقع اليومي. وأوضحت أن الحدود بين العالمين الواقعي والرقمي أصبحت ضبابية لدى “الجيل الرقمي”، وأن زيادة الوقت الذي يقضيه الشباب على الإنترنت تجعلهم أكثر عرضة للعنف، خاصة الشابات اللواتي تتضاعف عليهن الضغوط بحكم العمر والنوع الاجتماعي.
وقدّمت يارا الرفاعي، الباحثة ومسؤولة المشاريع في جمعية المصدر المفتوح الأردنية (JOSA)، منظوراً تقنياً لآليات الخوارزميات التي تسهم في تهميش النساء على الإنترنت، خاصة الناطقات بالعربية. كما تناولت التحديات المرتبطة بآليات الإبلاغ عن خطاب الكراهية في منصات التواصل، والتي كثيراً ما تفشل بسبب فجوات لغوية وثقافية. وأشارت إلى أن هذه الإخفاقات كانت دافعاً لتطوير أداة مفتوحة المصدر تعمل بالذكاء الاصطناعي لرصد خطاب الكراهية الجندري عبر عدة لهجات عربية ولغة كردية.
واختتمت الصحفية المستقلة رؤى أبو ندى الجلسة باستعراض تجربتها كامرأة تعمل في الصحافة الاستقصائية في الأردن، وما تواجهه من تحديات وضغوط قد تثنيها أحياناً عن متابعة قضايا حساسة. وتحدثت عن دور اللغة والسرديات المجتمعية في تطبيع العنف وتحويل المسؤولية من الجاني إلى الضحية عبر عبارات شائعة تبرر الاعتداء أو تلوم النساء. وروت رؤى مشاعر التردد والذنب التي واجهتها حين اضطرت لحذف منشورات بسبب تهديدات خارجية، ما بين رغبتها في حماية نفسها وحفاظها على حق الجمهور في المعرفة.