الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

خمسة أسباب تمنح تمويل الأونروا الأولوية

مشاركة

عانت الأونروا، ولعدة سنوات، من أزمة مالية عدت الأكثر خطورة في تاريخها، ويعود السبب فيها جزئيًّا إلى نموذج التمويل المتبع الذي يبدو أنه يمثل تضاربًا بين ما تتوقع الجمعية العامة للأمم المتحدة من الوكالة أن تقدمه لـ 6.7 مليون لاجئ فلسطيني وغيرهم من الأشخاص المسجلين في غزة، والأردن، ولبنان، وسوريا والضفة الغربية من خدمات تعليمية، وخدمات الرعاية الصحية، والإغاثة، والخدمات الاجتماعية، والطبيعة الطوعية التي تغلب على مساهمات الدول الأعضاء فيها. وعلى الرغم من قرار إدارة الرئيس بايدن استئناف تمويل الولايات المتحدة لها، إلا أن ذلك لم يفلح في حل مشاكل الأونروا المالية، إذ شهد عام 2021 عقد مؤتمر دولي في محاولة لتكثيف الدعم المقدم للأونروا والتي لم تكن حاسمة بشكل ملموس. وقد تجسد نقص التمويل السنوي هذا في بداية العام، وذلك مع الإبلاغ عن مشاكل التدفق النقدي الحادة في التمويل المقدم للوكالة منذ بداية عام 2023 تقريبًا.

ومع ذلك، تواصل الأونروا عملها على خلفية الانقسام الحاصل بين الرؤيتين المتعارضتين تمامًا، والمذكورتين آنفًا، سعيًا منها إلى حل دائم لمسألة اللاجئين الفلسطينيين والذي أعربت عنه الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال فترة تقل عن 12 شهرًا كما يلي: (1) حل قائم على أساس طوعي. أي إعادة اللاجئين إلى وطنهم الأصلي كما ورد في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 (الدورة الثالثة) بتاريخ 11 كانون الأول/ ديسمبر 1948 و (2) حل قائم على الاندماج المحلي (في الدول العربية المضيفة) وإعادة توطين اللاجئين (في بلدان ثالثة) كما ورد في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 (الدورة الرابعة) بتاريخ 7 كانون الأول/ ديسمبر 1949. تفسر هذه الفرضيات المتضاربة، وحقيقة أن الفرضية الأولى منها لا تمثل الخيار موضع تفضيل معظم اللاجئين فحسب، ولكن حقوقهم غير القابلة للتصرف أيضًا -من حيث العودة والتعويض- بينما تخضع الحلول الأخرى للقرارات السيادية للدول الأعضاء (العربية) المعنية في الأمم المتحدة، سبب كون قضية اللاجئين ما تزال دون حل بعد 75 عامًا من وقوع النكبة.

انطلاقًا من هذه الخلفية، وفي مواجهة العديد من الأزمات الإنسانية الأخرى، ينحو مانحو الأونروا إلى التقليل شيئًا فشيئًا من التزامهم بزيادة التمويل الذي يفرضه عاملا النمو السكاني والتضخم. ومن جهتها، تطالب منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) الجهات المانحة بوقف هذا التراجع، وتزويد الوكالة بالتمويل الكافي والدعم السياسي أثناء سعيها لتحقيق مهمتها. وفيما يلي خمسة أسباب تبرر طلبها هذا:

  1. أصبح الخطاب حول الأونروا واللاجئين الفلسطينيين خطابًا إنسانيًّا بحتًا يخلو من أي اعتبار لأصول قضية اللاجئين وعواقبها على السعي لإيجاد حلول دائمة. وعلى هذا النحو، فقد غابت عن ذهن الفاعلين الإنسانيين حقيقة أن الأمم المتحدة، التي هيمنت عليها في ذلك الوقت الدول الأعضاء الغربية، قد اضطلعت بدور رئيسي في تمهيد الطريق للنكبة، وهي “الكارثة” التي شهدت تهجيرًا ونفيًا لثلاثة أرباع السكان الفلسطينيين إبان تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي. وقد أدركت الأمم المتحدة لاحقًا أنها تتحمل المسؤولية الدائمةعن قضية فلسطين جراء ذلك، بما في ذلك قضية اللاجئين، وهي المسؤولية التي تمارسها جزئيًّا من خلال الأونروا. بالنسبة للعديد من دول الشرق الأوسط وغيرها، تمثل هذه المسؤولية إرثًا استعماريًّا يتوجب على الدول الغربية تحمل عواقبه المالية. وهذا ما يفسر إحجام دول الشرق الأوسط عن المساهمة الملحوظة في موازنة الوكالة البرامجية، على الرغم من إسهام سوريا، والأردن ولبنان، الكبير في رعاية اللاجئين بوصفها دولًا مضيفة رئيسية لهم طوال مدة 75 عامًا، كما ساهم المانحون في الخليج في مشاريع تطوير البنية التحتية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك من خلال الأونروا والسلطة الفلسطينية.

 

  1. مكنت الأونروا اللاجئين الفلسطينيين من النجاة من براثن الفقر الذي صاحب رحيلهم الأول من بلادهم (والأزمات اللاحقة التي عاشوها) ليصبحوا جزءًا مزدهرًا من الشرق الأوسط. وعلى هذا النحو، كانت الوكالة حافزًا رئيسيًّا للتنمية في منطقة تسعى للتغلب على إرث يبلغ عمره قرونًا من الهيمنة والاستعمار الأجنبي. من خلال الشراكات الإستراتيجية مع اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية، حولت الأونروا تركيزها الأولي من الإغاثة إلى وضع استراتيجية تنمية بشرية رائدة مترافقة مع توفير التعليم، بما في ذلك التدريب المهني والتقني، وتقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية الشاملة في مراكزها، ما يمهد الطريق لتحقيق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي لمعظم اللاجئين. وقبل الخطاب الأخير الذي تناول موضوع محلية المساعدات الإنسانية، وعلى خلاف أي من المنظمات الأخرى في منظومة الأمم المتحدة، تألفت القوة العاملة في الوكالة من 99 % من اللاجئين الفلسطينيين وأعداد قليلة من مواطني البلدان المضيفة، مع وجود مجموعة صغيرة جدًا من الموظفين الدوليين. شجعت الأونروا تقديم الخدمات المجتمعية للأشخاص ذوي الإعاقة والشباب والنساء، وما يزال برنامج التمويل الصغير الذي تقدمه، وهو الحاصل على عدة جوائز، أكبر وسيط مالي غير مصرفي في المنطقة. كما يعد تطبيق التسجيل الإلكتروني (e-UNRWA) الذي طورته الأونروا مؤخرًا مثالًا آخر ناجحًا على مدى استمرارية الوكالة في الابتكار الهادف إلى تقديم الخدمات التي تصب في صالح مجتمعات اللاجئين في المنطقة.

 

  1. تقدم الأونروا خدمات قيمة وهامة مقابل التمويل الذي تتلقاه من المانحين، فقد نال برنامجها الصحي اعترافًا ملحوظًا بوصفه أحد أنظمة الرعاية الصحية الأولية الشاملة الأكثر فعالية من حيث التكلفة والجودة عالميًّا، وهو البرنامج الذي طُور وقُدم بالشراكة مع منظمة الصحة العالمية. كما يقدم برنامجها التعليمي تعليمًا أساسيًّا ذا جودة تفوق ذاك الذي تقدمه البلدان المضيفة بذات الكلفة أو أقل منها حتى. كما ذكرنا سابقًا، تمتلك الأونروا ضمن كوادرها أدنى نسبة من الموظفين الدوليين مقارنة بالموظفين المحليين، ويتقاضى هؤلاء الموظفون أجورًا أقل بكثير من الموظفين المعينين محليًا لحساب وكالات الأمم المتحدة الأخرى في ذات البلدان. منذ منتصف العقد الأول من القرن الحالي، نفذت الوكالة برنامجي إصلاح شاملين، كان أولاهما موجهًا نحو وظائف التخطيط والدعم، فيما ركز الثاني على البرامج. نتيجة لذلك، يمكن القول بأن الأونروا هي واحدة من أكثر المنظمات الإنسانية كفاءة ضمن نظام الأمم المتحدة.

 

  1. تظل الأونروا أداة مهمة للمجتمع الدولي لقدرتها على التكيف والانتقال من خطاب عملية السلام في الشرق الأوسط إلى واقع الدولة الواحدة. على الرغم من أن ميزان القوى حاليًّا ليس في صالحها، إلا أن الفشل الواضح لعملية السلام في الشرق الأوسط، وانزلاق دولة الاحتلال إلى تيار اليمين المتطرف، والجهود العالمية الساعية إلى تحقيق العدالة من قبل الفلسطينيين وحلفائهم، فضلاً عن تناقضات الصهيونية الداخلية- والمتمثلة في تناقضها بين إعطاء الأولوية لليهود وتحقيق الديمقراطية- لا بد لها من أن ترجح كفة الميزان آخرًا لصالح حل عادل وديمقراطي للقضية الفلسطينية. يتطلب هذا التحول العميق تغييرًا جذريًّا في رؤية المجتمع الدولي ونهجه، بما في ذلك العمل من خلال الأمم المتحدة، وهو ما دعت إليه الشبكة الدولية للقضية الفلسطينية، في وقت سابق من هذا العام. تتضمن هذه المقترحات مقاربة جديدة لقضايا اللاجئين الفلسطينيين، وإعادة تقديم السعي لإيجاد حلول دائمة والاستفادة من الفرص التي يوفرها إعلان نيويورك لعام 2016 بشأن اللاجئين والمهاجرين. وفي الوقت التي تصب فيه الأونروا تركيزها على تقديم المساعدة الإنسانية والإنمائية، يؤهلها وضعها المميز لتقديم المشورة والدعم، حيثما أمكن، للجهود الأساسية التي تبذلها الجهات الفاعلة الأخرى من أجل تحقيق حل لقضية اللاجئين إضافة إلى تنفيذه.

 

  1. يؤدي الاستمرار في نقص التمويل وتدابير التقشف الحالية إلى تدهور الخدمات المقدمة. وكما ورد في دراسة حديثة جرى إعدادها بتكليف من أحد المانحين الرئيسيين، فإن “هذا السيناريو يضر بالسكان اللاجئين في منطقة غير آمنة ومتقلبة باستمرار، ويثير تساؤلًا حول الزمن أو التوقيت الذي لن يكون فيه تدهور خدمات الأونروا التدريجي ممكنًا ليتحول إلى انهيار فعلي في عملياتها بدلاً من ذلك. والأهم من ذلك كله، يحمل هذا السيناريو الأكثر ترجيحًا مخاطر سياسية عالية إضافة إلى إثارة شكوك المجتمع الدولي في منطقة هشة من العالم، في زمن يشهد افتقارًا إلى القدرة على إدارة الأزمات الكبرى الجديدة على الصعيد العالمي”. وفي الوقت الذي ينال فيه دور المنظمات الدولية في “احتواء” أوضاع اللاجئين اعترافًا متزايدًا، قد يؤدي انهيار الأونروا إلى تجدد الصراع المسلح وحالات النزوح الجماعي.

 

يلزم القانون الدولي والمسؤولية الدائمة للأمم المتحدة عن قضية فلسطين المجتمع الدولي قانونيًّا، وسياسيًّا وأخلاقيًّا بمواصلة توفير التمويل الكافي للأونروا والذي من شأنه أن يسمح لها بالاستجابة الشاملة لاحتياجات اللاجئين وحقوقهم. وبعد مرور 75 عامًا على النكبة، فإن هذا هو الحد الأدنى الذي يجب أن يتوقعه اللاجئون الفلسطينيون منهما.