“كنت أدرس على ضوء مصابيح صغيرة عند انقطاع الكهرباء.. الإصرار كان السلاح الأقوى للنجاح.” بهذه الكلمات يلخص الطالب مهند (اسم مستعار) من مخيم الزعتري رحلته مع امتحان الثانوية العامة (التوجيهي)، موضحاً في جملة واحدة أمل مئات الطلبة من اللاجئين السوريين الذين وجدوا في التعليم ملاذاً أخيراً للتمسك بالمستقبل.
وسط هذه الظروف، يواصل مئات الطلبة السوريين دراستهم بإصرار لافت، وما زالوا ينجحون في تحويل التحديات إلى قصص إنسانية تلهم الآخرين، وتعيد التذكير بأن التعليم هو نافذة الأمل الأخيرة في وجه اللجوء الطويل، وأن النجاح يتحقق بالتعليم رغم واقع اللجوء وضغط الظروف الاقتصادية. ولعل أبرز ما يميز هذه النجاحات هو أن كل قصة تحمل في طياتها رسالة أمل وصمود، لتؤكد أن التعليم ليس مجرد تحصيل أكاديمي، بل فعل مقاومة يومي ضد اليأس.
في إطار رسالتها الهادفة إلى النهوض بالحق في التعليم كأحد الركائز الأساسية للتنمية والعدالة الاجتماعية، تعمل منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، على متابعة شاملة لمنظومة التعليم في الأردن، من خلال التحالف الوطني لمستقبل التعليم في الأردن (نافع) الهادف لتعزيز فرص التعليم النوعي والشامل، واستراتيجيتها الخاصة بالتعليم التي أطلقتها لضمان حق الوصول إلى التعليم الجيد، وتوفير فرص التعلم المستمر للجميع باعتبارها ركائز أساسية للتخفيف من حدة الفقر وتمكين التحول الاجتماعي المستدام.
كما عملت المنظمة على تعزيز الوصول إلى التعليم الشامل، من خلال تنفيذ مشاريع مثل “الاستثمار في المستقبل”، “التعليم من أجل المستقبل”، و”تعزيز التعلم لتحسين فرص الحياة للطلبة في الأردن”، فضلاً عن مبادرات عديدة مثل “تمكين بعضنا البعض”، و“وصول الاطفال الشامل للعدالة”، و”حقنا” وغيرها، حيث استهدفت المنظمة الفئات الأقل حظاً، بما في ذلك اللاجئين والأطفال من ذوي الإعاقة.
وفي هذا السياق، ووفقاً لبيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) نقلاً عن مديرية التربية والتعليم، أظهرت نتائج امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) للعام 2025 في مخيمات اللجوء السوري معدلات نجاح متفاوتة بين الزعتري والأزرق و*مريجيب الفهود؛ ففي مخيم الزعتري تقدّم 908 طلاب وطالبات للامتحان، نجح منهم 419 بنسبة (46.1%). أما في مخيم الأزرق (بما يشمل الطلبة المقدمين للامتحان من مخيم مريجيب الفهود)، فقد بلغت نسبة النجاح (36.8%)، حيث تقدّم 530 طالباً وطالبة نجح منهم 195. وبذلك، يكون قد تقدّم في مجمل المخيمات 1,438 طالباً وطالبة، نجح منهم 614، بنسبة نجاح إجمالية بلغت (42.7%).
ورغم أن هذه النِسَب تبدو متواضعة مقارنة بمعدلات النجاح في المدارس خارج المخيمات، إلا أنها تعكس إرادة استثنائية لدى الطلبة، وظروفاً تعليمية صعبة لم تمنعهم من تحقيق إنجاز مهم.
وجوه وراء الأرقام
وراء النسب والإحصاءات تختبئ قصص إنسانية مفعمة بالإصرار. طلاب وطالبات من مخيمات الأزرق والزعتري ومريجيب الفهود لم يتوقفوا عند حدود الصعوبات اليومية، بل حوّلوها إلى دوافع للمثابرة والنجاح. من بين هؤلاء، سيدرا (اسم مستعار) التي تؤكد أن “الطريق لم يكن سهلاً”، مضيفة: “في كثير من الأيام شعرت بالتعب، لكن الدعم النفسي من عائلتي ومعلماتي كان الحافز الأكبر للاستمرار. لم أنجح لنفسي فقط، بل لأثبت أن الفتاة في المخيم قادرة على تحقيق أحلامها مهما كانت الظروف”.
فيما ذهبت رهام (اسم مستعار)، بالإشارة إلى أن “امتحان التوجيهي لم يكن مجرد محطة أكاديمية بالنسبة لي، بل بداية لمسيرة أطول. أريد أن أخدم مجتمعي وأكون جزءاً من التغيير، خاصة للفتيات اللواتي يعتقدن أن الفرص بعيدة المنال”، مؤكدة على أن النجاح أعطاها ثقة أكبر بأن التعليم هو السبيل الوحيد لكسر دائرة التحديات التي نعيشها يومياً.
من جهته، رأى محمود (اسم مستعار) أن النجاح لم يكن إنجازاً شخصياً فقط، بل هدية لعائلتي التي ضحت بالكثير من أجلي.. أردت أن يشعروا أن كل ما تحملوه لم يذهب سدى”.
بينما يصف نزار (اسم مستعار) حالة التحدي والإصرار التي عاشها أثناء دراسته، بالقول: “كنت أقول لنفسي دائماً: إذا لم أصنع مستقبلي بنفسي، فلن يصنعه أحد لي. نجاحي لم يكن مجرد فرحة شخصية، بل رسالة لكل من يظن أن حياة المخيم تعني نهاية الطموح. بالعكس، هي البداية التي من خلالها نتعلم الصبر ونصنع الأمل”.
فيما أوضح عبد الجبار (اسم مستعار) “أنه كثيراً ما واجه التعب والإرهاق، لكن صورة عائلته وهي تنتظر نجاحه كانت تدفعه للاستمرار”، مبيناً أن “النجاح دليل على أن الجهد لا يضيع، وأن الإنسان قادر أن يغير واقعه مهما كان قاسياً.. أحلم أن أكمل دراستي الجامعية، وأساهم في بناء مستقبل أفضل لمجتمعي”.
وعلى حد وصفها، كانت مرام (اسم مستعار)، تردد دائماً “أن الظروف لن تحدد مستقبلي. صحيح أن الطريق مليء بالعقبات، لكنني أرى في كل عقبة فرصة جديدة للثبات”.
دعم متعدد الأطراف
ويقف خلف هذا النجاح شراكة جمعت بين: وزارة التربية والتعليم الأردنية التي أشرفت على العملية التعليمية داخل المخيمات، واليونيسف التي قدمت دعماً أكاديمياً ونفسياً واجتماعياً، ومنصات تعليمية ساعدت الطلبة في برامج المتابعة والتحفيز، فضلاً عن منظمات المجتمع المدني التي وفرت برامج تدريبية وفرصاً للمتفوقين، حيث أسهم هذا التعاون متعدد المستويات في خلق منظومة دعم متكاملة، ضمنت أن التعليم يبقى أولوية رغم كل الأزمات.
في هذا السياق، تؤكد منظمة النهضة (أرض) على أهمية تعزيز البرامج التعليمية والنفسية داخل المخيمات، وتوفير بيانات دقيقة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم لتسهيل التخطيط، وتوسيع برامج المنح الجامعية التي تفتح آفاقًا جديدة أمام الطلبة الناجحين. كما تدعو إلى إبراز قصص النجاح إعلامياً لإلهام باقي الطلبة وتعزيز ثقافة الإصرار، والتأكيد على أن التعليم ليس مجرد أرقام في دفاتر النجاح، بل قوة قادرة على إعادة بناء الأمل وصناعة التغيير.
التعليم.. فسحة أمل تتجدد كل يوم
قصص نجاح طلبة التوجيهي في مخيمات اللجوء السوري ليست مجرد حكايات فردية، بل شهادة حية على أن التعليم يظل استثماراً في المستقبل ورافعة للكرامة الإنسانية. فقد أثبت هؤلاء الطلبة، بجهودهم المتواضعة وإصرارهم الكبير، أن المخيم ليس نهاية الحلم، بل قد يكون نقطة انطلاق نحو أمل جديد يمهّد لهم طريق العودة إلى وطنهم والمشاركة في إعادة إعماره، أو يفتح أمامهم فرص العيش الكريم والإسهام الإيجابي في تنمية أي مجتمع يختارون الاستقرار فيه.
إن نسب النجاح، مهما بدت متواضعة مقارنة بظروف عادية، تمثل في المخيمات إنجازاً استثنائياً. فالتعليم هنا ليس مجرد درجات على ورق، بل رسالة بقاء وصمود، ورسالة إلى العالم أن الاستثمار في تعليم اللاجئين هو استثمار في السلام والتنمية والاستقرار. وبينما يواصل الطلبة مسيرتهم بخطوات واثقة، يبقى السؤال الأهم: هل يتسع المستقبل لاحتضان طموحاتهم، أم يظل معلقاً بحدود المخيم؟
إن هذه النجاحات تحمل في جوهرها رسالة إلى المجتمع الدولي مفادها أن الاستثمار في تعليم اللاجئين لا يقتصر على بناء مهارات فردية، بل هو استثمار في السلام والتنمية والاستقرار على المدى البعيد.
____________
- مخيم مريجيب الفهود، المعروف أيضاً باسم المخيم الإماراتي الأردني، تم إغلاقه اعتباراً من الأول من تموز/يوليو 2025.