بقلم د. ليكس تاكنبرغ
ينظر المستشار الرئيس لبرنامج القضية الفلسطينية في منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، د. ليكس تاكنبرغ في محنة الشعب الفلسطيني الذي حُرم من وطنه جراء المواجهة المستمرة منذ قرن من الزمن مع الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي بعد ثلاثة عقود من إبرام اتفاقيات أوسلو التي مثلت آخر مساعي المجتمع الدولي لتقسيم أراضي فلسطين التاريخية إلى دولتين يهودية وفلسطينية، استناداً إلى مقترحات بريطانيا والأمم المتحدة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي. لكن بعد مضي ثلاثين عاماً تبيّن فشل “منطق التقسيم” في ظل واقع دولة قائمة على الفصل العنصري ضد الفلسطينيين بما يستدعي إحداث إعادة ضبط جذرية. وتبرز حالياً “أسس” سياسية جديدة لنموذج جديد – أو حتى قديم من وجهة النظر الفلسطينية- للتحرك إلى ما هو أبعد من التقسيم والانفصال نحو حل الدولة الواحدة الديمقراطية. يتطرق تاكنبرغ إلى دوافع الخطاب الجديد فضلاً عن تداعياته وآثاره على المعنيين. “هذا المقال لا يعكس بالضرورة آراء ووجهات نظر منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) ومجلس إدارتها.
في 13 أيلول/سبتمبر من عام 1993، وقع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين إعلان المبادئ المتعلق بترتيبات الحكم الذاتي المؤقت – المعروف باتفاقية أوسلو الأولى- في حديقة البيت الأبيض بحضور الرئيس الأمريكي آنذاك، بيل كلينتون إلى جانب عدد من كبار الشخصيات. ويُشيد المعلّقون بعد انقضاء ثلاثين عاماً بالنجاح الذي حققه الاحتلال الإسرائيلي في اتفاقيات أوسلو وكذلك في عدد من الاتفاقيات اللاحقة، أما المعلقون من وجهة النظر الفلسطينية فيشيرون إلى تعرض الفلسطينيين إلى الخيانة جراء الاتفاقيات التي قُصد بها خدمة الكيان الإسرائيلي فقط حيث توغله في الاحتلال والاستعمار. سمح إطار أوسلو للاحتلال الإسرائيلي توسيع سيطرته وبسط قبضته على قطاع غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية وعلى الفلسطينيين، ما أدى في نهاية المطاف إلى ما يُشار إليه بشكل متزايد ورسمي على أنه واقع الدولة الواحدة الأشبه بنظام الفصل العنصري.
أعاد إطار أوسلو -أي الاتفاقيات وما رافقها من عملية السلام في الشرق الأوسط– التأكيد على فكرة تقسيم الأراضي التي أوصت بها أولاً المملكة المتحدة في عام 1937 أثناء الانتداب على فلسطين، ومن ثم الجمعية العامة للأمم المتحدة في خطة التقسيم لسنة 1947. وقد هيمن “منطق التقسيم” والتفسير “المتعلق بالدولة” فيما يتعلق بحق تقرير المصير القومي -الذي اُعتبر بموجبه تقسيم الأرض بين اليهود والفلسطينيين إلى دولتين منفصلتين الوسيلة الأكثر قبولاً وفعالية لتلبية مطالب الطرفين المتنازعين- على المحاولات التي أثبتت فشلها حتى الآن لتسوية القضية الفلسطينية.
وعلى الجانب الإيجابي، شهدت العقود الثلاثة الماضية زيادة كبيرة في المساعي المبذولة لتحقيق العدالة للفلسطينيين ومحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه ضدهم على الرغم من بقاء القيادة الفلسطينية رهينة فخ أوسلو. لقد تبنى الفلسطينيون إستراتيجية واضحة وبعيدة عن العنف إلى حد كبير نحو التحرير: وذلك في المقام الأول من خلال حركة مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، والجهود المستمرة لتحقيق العدالة للفلسطينيين ومحاسبة الاحتلال الإسرائيلي عبر المحاكم الدولية، والمحاكم الوطنية على نحو متزايد.
وفيما تواصل القيادة الفلسطينية، مثلها في ذلك كمثل المجتمع الدولي، التشبث بإطار أوسلو، فإن المفكرين والناشطين الفلسطينيين، إلى جانب عدد متزايد من اليهود المناهضين للصهيونية وغيرهم من مؤيدي التحرير الفلسطيني، يتجّهون نحو خطاب جديد فضلاً عن تطوير نموذج تتضمن إحدى أهم سماته التأسيسية محاولة التحرك بعيداً عن التقسيم وإعادة النظر في فكرة الانفصال.
نموذج جديد و”أسس” سياسية “جديدة”
لقد أدى الوضع ثنائي القومية البائس في فلسطين/الكيان الإسرائيلي إلى تجديد التركيز على الاستعمار الاستيطاني وحرمان الفلسطينيين من حق تقرير المصير والفصل العنصري باعتبارها أُطراً لتسجيل الحقائق على أرض الواقع.
كثيراً ما اعتبر الفلسطينيون أن ولادة دولة الاحتلال الإسرائيلي العنيفة في عام 1948 وما تبعها من استعمار فلسطين التاريخية بأكملها في أعقاب حرب عام 1967، هي أبرز طموحات الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين والتي شهدت التعبير عنها لأول مرة قبل 125 عاماً. وكما توحي السوابق التاريخية، فإن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني يرتكز بشكل أساسي على المنطق العملي المتمثل في “إبادة السكان الأصليين”، وفي حال فشل ذلك تهميشهم ليصبحوا “أقلية”. بالإضافة إلى ذلك، وتماشياً مع السابقة التاريخية منذ الحرب العالمية الثانية، فإن السبيل نحو إبطال الظلم المصاحب للاستعمار الاستيطاني هو إنهاء الاستعمار بما صفته الشمول والأخلاقية.
يكمن الدافع القانوني الرئيسي وراء إنهاء الاستعمار في حق تقرير المصير الذي لم يتحقق بعد في حالة الشعب الفلسطيني. وتسلط فرانشيسكا ألبانيز، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، في تقريرها الصادر في عام 2022 الضوء على أن “انتهاك حق الشعوب في تقرير المصير متأصل في الاستعمار الاستيطاني.” وفي ضوء استمرار الاحتلال الإسرائيلي (والمجتمع الدولي) في إنكار حق الفلسطينيين في تقرير المصير، تدعو المقررة الخاصة إلى إحداث نقلة نوعية “عبر اختيار حل يقوم على احترام التاريخ والقانون الدولي. ولا يمكن الوصول إلى حل إلا باحترام القاعدة الأساسية لحق الشعوب في تقرير المصير والاعتراف بعدم الشرعية المطلقة للاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي الذي طال أمده على الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ونظراً للطبيعة الاستعمارية الاستيطانية للاحتلال فلا بد من تغيير تقييمه الشامل وكذلك تغيير مداولات المجتمع الدولي.”
خلص العديد من المنظمات، والباحثين الفلسطينيين والإسرائيليين والدوليين المرموقين منذ مطلع القرن إلى أن السياسات والممارسات الإسرائيلية التمييزية والممنهجة على نطاق واسع ضد الفلسطينيين –في دولة الاحتلال الإسرائيلي، وفي الأراضي الفلسطينية وضد اللاجئين الفلسطينيين في الشتات- ترقى إلى مستوى جريمة فصل عنصري بموجب القانون الدولي. وفي حين لم يتخذ المجتمع الدولي أي خطوات فاعلة بناء على هذه النتيجة المستندة إلى الحقائق والقانون، فإن هذا المفهوم يكتسب زخماً سريعاً بما يؤدي إلى تبعات بعيدة المدى سواء من حيث احتمالية محاسبة السلطات والمسؤولين الإسرائيليين، أو من حيث النهج المتّبع لحل الأسباب الجذرية للتمييز الممنهج في هذا السياق.
ورغم أن الوضع في جنوب أفريقيا كان مختلفاً عن الوضع في فلسطين إلا أننا تعلمنا من التجربة هناك أن ليس بالإمكان إصلاح الفصل العنصري؛ بل يجب إلغاؤه بالكامل بما في ذلك نية استعمار الأرض واستيطانها، الأمر الذي يعني في السياق الحالي التخلص من جميع مظاهر الهيمنة الإسرائيلية الصهيونية، والامتيازات الاستعمارية والتفرّد والتمييز سواء في القوانين أو السياسات أو الممارسات.
إلا أن لذلك تداعيات عميقة على الفلسطينيين والإسرائيليين؛ فخلافاً لتأكيدات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة لا يحق للسكان اليهود في البلاد تقرير المصير في فلسطين التاريخية. وفقاً للمبدأ العام للقانون (الدولي) “ما بُني على باطل فهو باطل”، فلا يمكن لقيام دولة الاحتلال الإسرائيلي من خلال التدمير المتعمد والممنهج للمجتمع الفلسطيني والتشريد القسري لأغلبية الشعب الفلسطيني أن يمنح اليهود الحق في تقرير المصير في فلسطين. وكما أشار بيتر بينارت محرر المجلة اليهودية التقدمية تيارات يهودية، فإن اليهود كذلك ليس لهم الحق في دولة ذات سيادة في فلسطين التاريخية، لكنهم اكتسبوا حقوق إقامة مستمرة بناءً على إقامتهم المطوّلة بشكل استثنائي -كما هو الحال مع اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية المضيفة حيث وجد معظمهم، وكذلك أحفادهم، ملجأ منذ النكبة و/أو النكسة.
في ظل هذا الخلفية، يتم الاستشهاد بشكل متزايد بحل الدولة الواحدة كبديل محتمل لخيار الدولتين من أجل حل القضية الفلسطينية. وفي ضوء واقع الدولة الواحدة الحالي في فلسطين/دولة الاحتلال الإسرائيلي، وإن كان يتسم في الوقت الراهن بالفصل العنصري، فيبدو أن هذا هو سبيل المضي قدماً. . وليست هذه بالفكرة الجديدة على الفلسطينيين؛ إذ ينص ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية لعام 1964 في رؤيتها لتحرير فلسطين على تأسيس دولة ديمقراطية واحدة يتمتع جميع مواطنيها، بمن فيهم اليهود، بحقوق متساوية على كامل أراضي فلسطين التاريخية. وعلى الرغم من طغيان قبول منظمة التحرير الفلسطينية لإطار الدولتين على هذه الفكرة، غير أن السياسيين والأكاديميين والناشطين الفلسطينيين أعادوا إحياء الدعوات إلى حل الدولة الواحدة خلال العقدين الماضيين عندما أصبحت عيوب إطار أوسلو وعدم قدرته على إعمال حق تقرير المصير للفلسطينيين أكثر وضوحًا للعيان.
ومن بين المؤيدين لحل الدولة الواحدة أنصار الدولة ثنائية القومية إما في شكل اتحاد فيدرالي أو كونفدرالي (من الأمثلة على ذلك هنا وهنا وهنا) وأولئك الساعين إلى الديمقراطية الليبرالية في شكل دولة ديمقراطية واحدة (من الأمثلة على ذلك هنا وهنا وهنا). ولا تزال النقاشات حول إيجابيات وسلبيات كل مجموعة من الحلول مستمرة، كما يجب إن يوجه مدى قدرة كل منها على المساهمة في تحقيق تقرير المصير للفلسطينيين وإنهاء الفصل العنصري والاستعمار الأخلاقي الكامل لفلسطين الفلسطينيين أثناء مضيهم قُدماً. وتشارك منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) بشكل حاسم فيما يتعلق بهذا الاكتشاف من خلال برنامج القضية الفلسطينية الخاص بها.
لتبديد أي أوهام، فإن “المرحلة النهاية” للقضية الفلسطينية ستكون صعبة ومؤلمة، وربما دموية –-ولكن لا يمكن إيقافها كما ثبت من عمليات إنهاء الاستعمار الأخرى في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وسيكون لها عواقب وخيمة على كافة الأطراف المعنية الرئيسية.
دولة الاحتلال الإسرائيلي
لقد أثبتت 75 سنة من قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي فشل الصهيونية المتأصل في إقامة وطن قومي يهودي دائم في فلسطين على النحو الذي تصوره مؤسسوها. ولأسباب شرحها ببراعة البروفيسور دانييل بار تل، فإن سكان دولة الاحتلال الإسرائيلي اليهود “يغرقون” بمضي الأعوام “في فخ العسل” -وهو عنوان كتابه الأخير– ما أدى إلى تحويل البلاد تدريجياً إلى حكم استبدادي وتبني خطابات وآليات تسمح لليهود الإسرائيليين بتجاهل الواقع والعيش في وضع يُطيل النزاع ويؤجل الحل إلى مستقبل غير منظور يسوده العنف. وإن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي نتاج هذه العملية، فقد أدت خطابات التفوق والهيمنة ولعب دور الضحية إلى قمع أكثر عنفاً للفلسطينيين وحقوقهم مصحوباً بدعوات متكررة لضم الضفة الغربية (وقطاع غزة) وحتى إلى قيام نكبة جديدة.
إن ما يُسمى بالاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية غير المسبوقة في الاحتلال الإسرائيلي ضد الانحدار المستمر نحو حكومة استبدادية ما هو إلا نداء صحوة من قبل جزء كبير من المجتمع الإسرائيلي اليهودي. وتكاد حركة الاحتجاج حتى الآن خالية تماماً من أي مشاركة في الاحتلال المستمر ناهيك عن الطابع الاستعماري الاستيطاني للبلاد على الرغم من أن المتظاهرين يربطون بشكل متزايد بين تآكل سلطات المحكمة العليا الإسرائيلية المستمر، وخطر محاسبة المسؤولين الإسرائيليين وغيرهم في المحاكم الدولية أو الأجنبية على جرائم الحرب والجرائم المنافية للإنسانية المرتكبة بحق الفلسطينيين.
ومن السابق لأوانه التنبؤ بنتيجة التصعيد المستمر، فإذا هيمنت كتلة اليمين الديني الصهيوني المتطرف والكاهانية، من المرجح أن نشهد سياسات وأعمال عنف أكثر تطرفاً مع الضم الرسمي للضفة الغربية (وقطاع غزة)، بالإضافة إلى المزيد من التطهير العرقي للشعب الفلسطيني وحرب أهلية في دولة الاحتلال الإسرائيلي وداخل الخط الأخضر. وقد يأخذ هذا في نهاية المطاف أبعاداً متطرفة مما لا يسمح للمجتمع الدولي التغاضي عن الوضع. وإذا استطاعت الحركة “المؤيدة للديمقراطية” من ناحية أخرى وقف الإصلاح القضائي ونجحت خلال هذه العملية من تحقيق انهيار الائتلاف الحالي، فقد تعمل حكومة أكثر وسطية برئاسة بيني غانتس على إبطاء وتيرة التطورات واسترضاء المجتمع الدولي. ومع ذلك، سيكون من المستحيل تحويل الدفة وقلب المسار بالكامل، وبالتالي حتى في هذا السيناريو لن يكون أمام المجتمع الدولي في النهاية خيار سوى تغيير موقفه والتدخل.
الفلسطينيون
لقد جادل المعلقون بشكل مقنع بأن أوسلو أدت إلى زوال منظمة التحرير الفلسطينية بحكم الأمر الواقع – والتي اعترف بها معظم الفلسطينيين والمجتمع الدولي حتى ذلك الوقت باعتبارها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني – وإن حالة الحكم الاستبدادي للسلطة الفلسطينية وأزمة القيادة الفلسطينية الحالية هما إلى حد كبير نتاج سياسة فرّق تسد التي تتبعها الاحتلال الإسرائيلي (وهذا يشمل تسهيل وتنظيم صعود التيارات الإسلامية في غزة (حماس) وفي جنوب لبنان (حزب الله) لسحب البساط من تحت سلطة التحرير الفلسطينية العلمانية في الأساس). علاوة على ذلك، أصبح العديد من الفلسطينيين لأسباب مماثلة لتلك المشروحة أعلاه فيما يتعلق باليهود الإسرائيليين، مرتاحين لواقع الضحية الذي طال أمده وأدى إلى “سياسة المعاناة” -المصطلح الذي صاغته عالمة الأنثروبولوجيا الأمريكية نيل غابيام في كتاب رائع عن اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.
في ضوء ذلك، فإن الكفاح من أجل إنهاء الاستعمار في فلسطين وتحرير شعبها يقوده حالياً جيل جديد ملهم من الأكاديميين والكتاب والفنانين والناشطين الفلسطينيين الذين لا يأبهون بالهياكل والمؤسسة السياسية الفلسطينية السابقة ولا يتأثرون بحالة الجمود السياسي المستمرة. وفي نهاية المطاف، ستؤدي احترافيتهم وبلاغتهم وتفانيهم وقوتهم العاملة من القاعدة إلى القمة إلى ظهور قيادة فلسطينية جديدة تتماشى مع الرؤية والخطاب الآخذين بالتبلور نحو إنهاء الاستعمار والتحرير.
المجتمع الدولي
يواجه المجتمع الدولي في الوقت الحالي معاناة في التأقلم مع واقع الدولة الواحدة القائمة على الفصل العنصري في فلسطين/دولة الاحتلال الإسرائيلي وتداعياته السياسية، خاصة بينما تحاول دولة الاحتلال الإسرائيلي ومؤيدوها بقوة استباق الانتقادات الموجهة لسياساتها وممارساتها، والانخراط في الخطاب الدائر لما بعد الانفصال، من خلال الاستخدام الموسع والمسلح لمزاعم معاداة السامية. إلا أن هذه المحاولات يتم فضحها وتحديها علناً من قبل العديد من المفكرين اليهود والمنظمات اليهودية وغيرها وإدانتها بشكل متزايد من قبل المحاكم، وسوف تفشل في نهاية المطاف خاصة وأن سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية وممارساتها لم تعد تسمح بإنكار ممارسة الاحتلال الإسرائيلي للفصل العنصري وأن الاحتلال قد أصبح دائماً وعليه غير شرعي.
وقد أكّدت الشبكة الدولية للقضية الفلسطينية التابعة لمنظمة النهضة العربية (أرض) في يناير/كانون الثاني من هذا العام، بعد أسبوعين فقط من وصول الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى سدة الحكم، في رسالة مفتوحة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أن الواقع السياسي الجديد في الاحتلال الإسرائيلي والوضع المتدهور في فلسطين المحتلة يستدعي تغييراً جوهرياً في الرؤية والنهج مقترناً بقيادة جريئة وشجاعة من الأمم المتحدة التي لا بدّ لها أن تعالج الأسباب الجذرية والجوهرية للقضية الفلسطينية المعلقة دون حل والعمل على إعادة ترسيخ مركزية الأمم المتحدة في قرارها. وإذ تحث الأمين العام على “توجيه الأجزاء ذات الصلة من الأمانة العامة والمنظومة الأوسع للأمم المتحدة إلى تطوير استراتيجيات تشغيلية وسياساتية على الفور استجابة للوضع المتطور في إسرائيل/فلسطين.”
وثمة حاجة كذلك إلى قيادة جديدة وتغيير في الرؤية والنهج فيما يتعلق بالأونروا، الوكالة التي تضطلع بحماية لاجئي فلسطين وتزويدهم بخدمات التعليم والصحة والإغاثة الأساسية. وكما يؤكد كتاب جديد من تأليف آن عرفان، فإن اللاجئين الفلسطينيين ينظرون إلى الأونروا، إلى جانب دورها بوصفها مقدمة للخدمات العامة، كدليل على أن محنتهم العالقة بلا حل تظل مسؤولية دولية. ووفقاً لعدد من أعضاء الشبكة الدولية للقضية الفلسطينية، فيجب على الأونروا أن تأخذ في الاعتبار الواقع السياسي المتطور، بما في ذلك من خلال التوافق بشكل أكبر مع النظام الدولي للاجئين على النحو المنصوص عليه في إعلان نيويورك لعام 2016 بشأن اللاجئين والمهاجرين. وقد اقترحوا على وجه التحديد “تطوراً جذرياً وتدريجياً في التوجه الاستراتيجي للأونروا من تقديم الدعم للاحتياجات الإنسانية والتنمية البشرية الأساسية إلى استجابة شاملة لكافة جوانب قضية اللاجئين الفلسطينيين، بما في ذلك تركيز موسع على الحماية والسعي لإيجاد حلول دائمة”.
وفي الختام، لا شك في أن المرحلة النهائية نحو تحرير الفلسطينيين ستلقى معارضة كبيرة من دولة الاحتلال الإسرائيلي ومؤيديها التقليديين وربما آخرين، الذين يفضلون الوضع الراهن القمعي. ولا بدّ لأولئك المنخرطين في خطاب المطالبة بالعدالة أن يقاوموا هذه الضغوطات ويعيدوا ترسيخ سيادة حكم القانون الدولي والشرعية، حيث لا حصر للمنافع طويلة الأمد التي ستعود على المعنيين الرئيسيين وعلى العالم بأسره جراء ذلك